حكم قول: اللهم امسح عليها بيمينك الشافية:
----------------
هذا اللفظ لم يثبت في حديث صحيح.
وغاية ما يروى فيه ما حكاه بقي بن مخلد -رحمه الله- أنه مرض، فجاءه الإمام أحمد يعوده فقال له: يا أبا عبد الرحمن أبشر بثواب الله! أيام الصحة لا سقم فيها، وأيام السقم لا صحة فيها، أعلاك الله إلى العافية، ومسح عنك بيمينه الشافية، قال: فرأيت الأقلام تكتب لفظه.
وكلام الإمام أحمد وباقي الأئمة ليس دليلاً بالإجماع.
وبناء على ذلك: إذا كان هذا اللفظ لا يوهم معنى غير صحيح، وإنما من سمعه فهم أن المعنى: اللهم اشفه، أو أرفع عنه البلاء، وعبر عنه بهذا اللفظ مجازاً أو أسلوباً عربياً عند من لا يرى المجاز، فلا إشكال في ذلك.
وأما إذا أوهم معنى غير صحيح: كأن يوهم أن من صفات شفاء الله تعالى أن يمسح على المريض بيده في الدنيا، أو نحو ذلك من المعاني التي يحتاج إثباتها إلى دليل، فإنه ينهى عنه لتوهم المعنى الفاسد من اللفظ.
فالتأويل: الذي ليس له مسوغ في لغة العرب، لا يعذره صاحبه، ولهذا كفَّر أهل السنة والجماعة غلاة الجهمية لأنهم ينكرون الصفات بتأويلات لا مسوغ لها في لغة العرب.
وكذا التأويل الذي يوهم معنى فاسداً يقيناً أو غلبة للظن: ينهى عنه سداً للذريعة، كما قال تعالى: (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا).
وهذا يختلف باختلاف الأعصار والأزمان.
تنبيه: لله عز وجل يدان، بإجماع أهل السنة والجماعة، وهل هما يمنى وشمال حقيقة، وكلاهما يمنى في الشرف، أم كلاهما يمنى حقيقة، قولان:
القول الأول: إثبات صفة الشمال له سبحانه، وقد قال بهذا القول الإمام عثمان بن سعيد الدارمي، وأبو يعلى الفراء، والشيخ محمد بن عبد الوهاب.
وذلك لما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه مرفوعاً: (يطوي الله عَزَّ وجَلَّ السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك! أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول...) الخ الحديث.
ولأن وصف إحدى اليدين باليَمِين، يقتضي أنَّ الأخرى ليست يَمِيناً، فتكون شمالاً، وفي بعض الأحاديث تذكر اليَمِين، ويذكر مقابلها: (بيده الأخرى)، وهذا يعني أنَّ الأخرى ليست اليَمِين، فتكون الشِّمال.
القول الثاني: أن كلتا يديه يمين لا شمال فيها، وقد قال بهذا القول الإمام ابن خزيمة، والإمام أحمد، والبيهقي، والألباني.
لما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعاً: (إنَّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يَمِين الرحمن عَزَّ وجَلَّ، وكلتا يديه يَمِين).
ولحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما مرفوعاً: (أول ما خلق الله تعالى القلم، فأخذه بيَمِينه، وكلتا يديه يَمِين...) رواه: ابن أبي عاصم في (السنة)، والآجري في (الشريعة)، وصحَّحَه الألباني.
والراجح أنه لا تعارض بين الأحاديث، فالله سبحانه وتعالى توصف يداه باليمين والشمال باعتبار الاسم فلله تعالى يد يمنى، ويد شمال، أما من جهة المعنى، فكلاهما يمين مباركة.
قال شيخنا ابن باز رحمه الله: "كلها أحاديث صحيحة عند علماء السنة، وحديث ابن عمر مرفوع صحيح، وليس موقوفا، وليس بينها اختلاف بحمد الله، فالله سبحانه توصف يداه باليمين والشمال من حيث الاسم، كما في حديث ابن عمر وكلتاهما يمين مباركة من حيث الشرف والفضل، كما في الأحاديث الصحيحة الأخرى".
والله تعالى أعلم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
سبحان الله ،،،،تجسيم لأبعد الحدُود
ردحذف