إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

 


حكم الزواج بأكثر من أربع زوجات :
————-
انعقد الإجماع على عدم جواز الزواج من أكثر من أربعة نسوة من النساء للرجل .

قال الإمام أبو محمد بن حزم في " مراتب الإجماع " ( ص : 63 ) :
" واتفقوا على أن نكاح أكثر من أربع زوجات لا يحل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم " .
وقال في " المحلى " (9/ 441) :
" ولا يحل لأحد أن يتزوج أكثر من أربع نسوة إماء أو حرائر أو بعضهن حرائر وبعضهن إماء ... " ثم ذكر أدلته على ذلك ومن ثم قال : 
" وأيضاً فلم يختلف في أنه لا يحل لأحد زواج أكثر من أربع نسوة أحد من أهل الإسلام ، وخالف في ذلك قوم من الروافض لا يصح لهم عقد الإسلام ، ... " .
وقال في موضع آخر (11/ 247) عند حديثه على من نكح خامسة وذكرهِ مذاهب العلماء :
" وقال مالك ، والشافعي ، وأصحابنا : يرجم إلا أن يعذر بجهل " .
ونقل الإجماع على تحريم الزواج من أربع نسوة أبوحيان الأندلسي وغيره.

@  ونقل عن النخعي، وابن أبي ليلى مخالفة الإجماع  ولم يصح عنهم  ولم أقف عليه من قولهما .
وعلى فرض ثبوته فقد انعقد الإجماع بعدهما، أو قبلهما ولا بعبرة بمخالفتهما .
ويعتذر عنهما بعدم علمهم بالإجماع .

@ علماً : بأن أهل الظاهر لم يقل أحدهم بجواز الزواج من تسع، وأن هذا القول منسوب نسبة باطل لا تصح .

ولم يذكر الإمام ابن حزم الظاهري، أو حتى من له عناية بتحصيل قول أهل الظاهر كابن عبد البر وغيره هذا القول على أنه قول أهل الظاهر.

فهو ليس بقول الإمام داود الظاهري، ولا ابنه، ولا ابن المغلس، ولا المنصوري، ولا من كان دون المنصوري في الطبقة، ولا من كان فوقه إلى الإمام ابن حزم، ولا غيرهم، والدليل على ذلك ما حكاه أبو العباس المنصوري الظاهري في كتابه ( النير ) كما نقله ابن القطان الفاسي في الإقناع، قال أبو العباس المنصوري: ومن تزوج واحدة بعد أخرى، ثبت العقد على أربع، ولم يثبت على الخامسة، ولا تنازع بين أهل العلم في ذلك.

@ وقال الطاهر بن عاشور: ( وفي تفسير القرطبي نسبة هذا القول إلى الرافضة ، وإلى بعض أهل الظاهر ، ولم يعيّنه ، وليس ذلك قولاً لداوود الظاهري ولا لأصحابه ، ونسبه ابن الفرس في أحكام القرآن إلى قوم لا يعبأ بخلافهم ، وقال الفخر : هم قوم سُدى ، ولم يذكر الجصّاص مخالفاً أصلاً .

@ ونسب القول بجواز الزواج بتسع نسوة 
إلى داود الظاهري ولم يثبت عنه ، ونسبه بعض المتأخرين إلى قوم ولم يبين ، ونسب إلى بعض الظاهر ولم يثبت عنهم .
ولعل أول من نسب هذا القول إلى أهل الظاهر هو القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القران، ولعله وهم رحمه الله ، وإنما ينس إلى الرافضة ، وبعض الخوارج من الفرق الضالة التي ليست من أهل السنة والجماعة .

محمد بن سعد الهليل العصيمي.

 


حكم الدعاء والإمام يخطب:
——
يرفع بعض المصلين أيديهم بين الخطبتين يدعون ، ويستمرون في الدعاء والإمام يخطب الخطبة الثانية قليلاً، فهل بهذا الدعاء يقع عدم الإنصات  للخطبة، وهل يكون في حكم من لغى  لأنه يدعو والإمام يخطب .
———-
من يرى أن المستمع لخطبة الجمعة لا يجوز له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة ولو صلى عليه الإمام كالحنفية، فيكون من دعا والإمام يخطب قد لغا ومن لغا فلا جمعة له، فيكون وزر فعله مساو لأجر جمعته.
ومن يرى جواز ذلك  وهو الأقرب : لأنه من جنس ما لا تبطل الصلاة به ، وما لا تبطل الصلاة به لا تبطل به الجمعة من باب أولى .
أو يقال : ما يجوز في الصلاة يجوز في خطبة الجمعة، لأن حرمة الصلاة أشد، وفي الحديث( إنكم في صلاة ما انتظرتم الصلاة ).فالمشبه به أعظم من المشبه.
وسواء كان ذلك من جنس الأقوال كذكر الله تعالى ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، والدعاء. أو كان ذلك في  الأفعال كالقيام والقعود .

وبناء على هذا : فإن الدعاء بين الخطبتين لا بأس به، لأنه غير منشغل عن استماع الخطبة، ولكن الدعاء في أثناء الخطبة يكون به منشغلاً عن الخطبة ، ولكن هذا الانشغال لا يكون سبباً في كون جمعته لغواً، لأنه من جنس ما يكون مشروعاً في الصلاة ، وفي الحديث( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وإنما هي التسبيح والتهليل وذكر الله) وفي لفظ( وقراءة القران) فكما أن التسبيح والتهليل في الصلاة لا يبطل الصلاة ، فكذا من باب أولى لا يبطل أجر الخطبة ، والدعاء من أنواع الذكر، ولكنه يخالف الإنصات والاستماع للخطبة، فيكون فعله غير مشروع ولكنه لا يذهب أجر الجمعة، لأنه من جنس ما شرع فيها، والله تعالى أعلم .

كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

 


هل طلب المراجعة ينزل منزلة المراجعة للزوجة :
———-
صورة المسألة : رجل طلق زوجته ثم أرسل إلى أهلها يطلب إرجاعها ومكثت عندهم سبعة أشهر هل يعتبر راجعها بإرساله لهم .
——
الذي يظهر لي والعلم عند الله تعالى أن طلب المراجعة لا ينزل منزلة المراجعة للأسباب التالية :
١ - فرق بين الإنشاء والخبر، ولهذا إذا طلق الرجل زوجته طلقت، : وإذا أخبر أنه طلقها كذباً لا يقع على الأصح - وقد تقدم بيان ذلك -.
فالإنشاء: هو اللفظ الذي لا يحتمل الصدق والكذب لذاته، فإذا قال لزوجته : أأطلق، لم يقع الطلاق ، وكذا إذا قال : أأراجعك ، لم تكن رجعة ، فهو ام يخبر عن مراجعته، وإنما سألها أو سأل أهلها المراجعة ولم يراجع.
بينما الخبر : هو اللفظ الذي يحتمل الصدق والكذب لذاته.

٢ - أن هناك فرق بين من راجع، وبين بيان رغبته في المراجعة.
فالرجعة لا تحصل إلا بالمراجعة ، لا ببيان رغبته في المراجعة، وهذا أرسل لها أو لوليها ببيان إخبارهم برغبته في المراجعة ، ولم يحدث الرجعة .

٣ - إن هذا تعليق للمراجعة على رضا الزوجة أو أهلها على المراجعة، فإذا انقضت العدة ولم يراجع ، لم تحدث الرجعة ، فهو يسأل موافقتهم على الرجعة ، ولم يوافقوا على الرجعة في العدة ، فلم تحدث المراجعة .

٤ - أن الزوج لما أرسل إلى الزوجة أو أهلها طلب إرجاعها، لو سئل في تلك المدة ، هل أرجعت زوجتك ، لقال : لا .

٥ - ولأن العرف يقتضي أن طلب إرجاع الزوجة لا يعتبر إرجاعاً، لأن جواب السؤال لم يتم .

٦ -  أن الرجعة لا تكون إلا بالقول أو الفعل مع نية المراجعة على الأصح، ولا تكون بمجرد الفعل - وقد سبق تقرير الراجح من هذه المسألة - وهذا القول الذي قاله : وهو طلب الرجعة لا يعتبر مراجعة بالقول، لأنه لم يقل راجعتك ، وإنما أأراجعك، سؤال رجعة لا رجعة، والفرق بينهما واضح .

٧ - إن نية المراجعة مع طلب الرجعة لا أثر له ، لأن طلب الرجعة في العرف لا يعتبر رجعة ، وهذا إنشاء بسؤال المراجعة ، فالقول ليس فيه مراجعة مطلقاً، ونية المراجعة مع لفظ لا يحتمل المراجعة لا عبرة به، كما أن النية لا أثر لها في الصريح، فمن طلق وقال لم انو الطلاق لا عبرة بنيته ويقع الطلاق، فكذا ههنا ، اللفظ لا يحتمل النية فلا تقع المراجعة بسؤال المراجعة ، بخلاف الفعل الذي يحتمل المراجعة ، فتقع به الرجعة إن نوى المراجعة.
ففرق بين اللفظ والفعل الذي يحتمله اللفظ، قيكون للنية أثر في حمله على المراد، وأما ما لا يحتمله اللفظ فلا أثر للنية فيه، والله تعالى أعلم .

كتبه /د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

 


حكم التهنيئة بالعام الجديد :
————

التهاني والتبريكات ، هل هي عادات أم عبادات: 

 قيل : إنها عبادة ، فلا يجوز أن نهنيء أحداً ، أو ندعو له بالبركة إلا بلفظ محدد ورد من الشارع النص عليه، أو به . وهذا غير صحيح .

@  فإن قيل : اللفظ غير متعبد به، ولكن السبب الذي تكون به التهاني والتبريكات عبادة.
فيقال : هل كل سبب لا تجوز التبريكات والتهاني به إلا إذا كان سبباً شرعياً.
فيلزم منه أن أي تهنئة بمناسبة لم يرد بها النص فهي بدعة ومحرمة ولو كان السبب دنيوياً، كالنجاح من الاختبار الدنيوي، كما يلزم منه عدم مشروعية التهنئية  بالحج والعمرة  ونحوهما.
وهذا غير صحيح .
والقاعدة  : لازم المذهب ليس بمذهب ، ولكنه يدل على بطلان المذهب.

@ فإن قيل : يلزم من التهنئية بالعام الجديد  أنه عيد ، والأعياد الشرعية، توقيفية، ونتعبد لله تعالى بالفرح بها ، لقوله صلى الله عليه وسلم للأنصار لما وجد لهما يومان يلعبان فيهما ( لقد أبدلكما الله بخير منهما عيد الفطر ، وعيد الأضحى ) 
والقاعدة التي سبق توضيحها في القواعد الفقهية والأصولية : كل احتفال أو اجتماع ، أو عمل بمناسبة ذكرى ماضية - لا حادثة - دينية أو دنيوية - فهو بدعة .

فالجواب: لا يلزم من التهاني والتبريكات ، كون الشيء عيداً.
فإن كانت التهاني والتبريكات  على  اتخاذ يوم  عيد غير شرعي  أو على فعل محرم أو ترك واجب فلا يجوز ، لأن الرضى بالمحرم أو إقراره أو عدم انكاره أو الإعانة عليه محرمة .
وعلى هذا فإن التهنئية بالعام الجديد ، من باب العادات ، وهو خلاف الأولى لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن سلف هذه الأمة الصالح ، والأولى تركه وعدم فعله .
مع العلم بأن الفرح بأمور الآخرة ، والتوفيق للعمل الصالح وما يتعلق بنعمة الإسلام والإيمان ، مشروع، وهو خير من حطام الدنيا بأكملها،  قال تعالى ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك  فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) .
ولا يلزم من الفرح بالشيء، أو التهنئية به،  كونه عيداً .
والله تعالى أعلم .

كتبه/ د. محمد بن سعد العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

 


تعريف الكبيرة :

مدى صحة لا صغيرة مع الإصرار :

—————
١ - قال تعالى :( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه  نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم  مدخلاً كريما) 

٢ - وقال تعالى : ( والذين يجتنبون كبائر  الإثم والفواحش إلا اللمم ).

٣ - وقال صلى الله عليه وسلم :( الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان ، والعمرة إلى العمرة ، مكفرات لما بينهما ما لم تغش الكبائر ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ).

تعريف الكبيرة : ما فيها حد في الدنيا أو في الآخرة: كالزنا والسرقة والقذف التي فيها
حدود في الدنيا، وكالذنوب التي فيها حدود في الآخرة وهو الوعيد الخاص، مثل الذنب الذي فيه غضب الله ولعنته أو  جهنم ، وذلك مثل اليمين الغموس، وشرب الخمر ، ونحوهما .

فالكبيرة  إذن هي : كل ما فيها حد في الدنيا ، أو وعيد في الآخرة .

@ وعبارة : لا صغيرة مع الإصرار  ، غير صحيحية ، بل الصغيرة صغيرة ولو كثرت .

 وقد روي عن ابن عباس -رضي الله 
عنهما- أنه قال: " لا صغيرة مع الإصرار ولا
كبيرة مع الاستغفار " فقد جاء مرفوعا من وجوه ضعيفة، وضعف إسناده أيضا السخاوي ، 
والعجلوني وقال: " لا نعلم أحدا قال بصحتها ". [المقاصد الحسنة (ص:726)، كشف الخفا (448/2)] .


كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.

 


حكم نتف شعر الشيب :
————
الخلاصة : ( يكره نتف شعر الشيب ).
—————
‏‎١ - روى الترمذي عن كَعْبُ بْنَ مُرَّةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ). صححه الألباني في صحيح الترمذي .
٢ - روى الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في سننه،  عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي .

‏٣ - ‎وروي البيهقي في "شعب الإيمان" عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الشيب نور المؤمن, لا يشيب رجل شيبة في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة، ورفع بها درجة ) سلسلة الأحاديث الصحيحة (1243).
‏٤ - ‎وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تنتفوا الشيب, فإنه نور يوم القيامة , من شاب شيبة في الإسلام كانت له بكل شيبة حسنة , ورفع بها درجة ) رواه ابن حبان , قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ( 3/247): إسناده حسن .

‏٥ - ‎وروى ابن عدي والبيهقي في "شعب الإيمان" عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الشيب نور في وجه المسلم , فمن شاء فلينتف نوره ) . سلسلة الأحاديث الصحيحة (1244).

٦ -  وروى مسلم من طريق قتادة عن أنس قال: كان يكره نتف الرجل الشعرة البيضاء من رأسه ولحيته .

القرائن الصارفة للنهي من التحريم إلى  الكراهة في نتف الشيب:

١ -  أن الحديث في النهي عن نتف شعر الشيب، معلل بأنه نور المسلم ( لا تنتفوا الشيب ، فإن من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة ) ولو كان النور لا يجوز إخفاؤه لما أذن الشرع في تغييره ، بل أمر بتغيير الشيب ، فقال صلى الله عليه وسلم ( غيروا هذا الشيب) وزيادة ( وجنبوه السواد ضعيفة ، كما سبق.

٢ - أن الشارع أمر بتغيير الشيب، فيكون النهي عن نتفه للكراهة لا للتحريم ، لأنه لو كان المراد إظهاره لما أمر بتغيير لونه.

٣ - ولأن الحديث  في النهي عن نتف الشيب يدخل فيه الرأس وغيره، وبالإجماع يجوز حلق شعر الرأس في الحج ولو كان كله شيب، والحلق  بمعنى النتف على الأظهر لما فيهما من الإزالة، فإذا ثبت في الرأس ثبت في غيره إلا ما دل الدليل على تحريمه.

٤ - ولأن النهي عن نتف الشيب ، متكلم في سنده، وإن كانت الآحاديث بمجموعها تدل على أصل فضيلة بقاء  شعر الشيب، وعدم نتفه، والضعف في درجة الحديث عند جمع من العلماء تضعف الحكم، وتنقله من التحريم إلى الكراهة. 

@  قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في شرح المهذب: يُكْرَهُ نَتْفُ الشَّيْبِ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ، فَإِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ حسنة، قال الترمذي: حديث حَسَنٌ 

 هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: يُكْرَهُ، صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ ـ كَمَا سَبَقَ ـ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ، وَلَوْ قِيلَ يَحْرُمُ لِلنَّهْيِ الصَّرِيحِ الصَّحِيحِ لَمْ يَبْعُدْ، وَلَا فرق بَيْنَ نَتْفِهِ مِنْ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ. انتهى.

والقول بالكراهة هو قول أكثر أهل العلم، جاء في المنتقى شرح الموطأ للباجي: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ نَتْفِ الشَّيْبِ؟ فَقَالَ: مَا عَلِمْتُهُ حَرَامًا وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ. وَقَالَ: ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا أُحِبُّ نَتْفَهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ يُقْرَضَ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ يُشْبِهُ عِنْدِي النَّتْفَ.
وجاء في مرقاة المفاتيح للملا قاري: قال ميرك: نتف الشيب يكره عند أكثر العلماء، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: لا تنتفوا الشيب، فإنه نور المسلم ـ رواه الأربعة، وقال الترمذي: حسن .

قال بعض العلماء: لا يكره نتف الشيب إلا على وجه التزين .
وفيه نظر : لأن الحديث معلل بأنه نور المسلم.

وقال ابن العربي: وإنما نهى عن النتف دون الخضب، لأن فيه تغيير الخلقة من أصلها، بخلاف الخضب فإنه لا يغير الخلقة على الناظر إليه.
وفيه نظر : فإن نتف الشيب لا يغير الخلقة، وليس مما هو ثابت لا يتغير، ولو كان صحيحاً لما جاز نتف شعر بقية الجسد في غير الإحرام، - وقد سبق المراد بتغيير الخلقة -.

@ فأن قيل : إن في ذلك عدم إعفاء للحية ، وفي الحديث( حفوا الشوارب ، واعفوا اللحى )
فالجواب : ان الإعفاء يتحقق بتكثير شعر اللحية ، وحد عدم الإعفاء يرجع إلى  لغة العرب، وإعفاؤها : يكون بتركها حتى تكثر . والمطلق يصح على أقل ما يتناوله اللفظ .
حيث لفظ( اعفوا) أمر، وهو لفظ مطلق لا عام .
وعلى هذا فإن نتف الشعرة والشعرتين ونحوهما لا ينافي الإعفاء- وقد سبق بيانه في حكم نتف الشعرة أو الشعرتين من الحاجب-.

@ فإن قيل : إن هذا يؤدي إلى النمص إذا نتف شعرة أو شعرتين من الشيب في الوجه.

والجواب : إن النمص : هو نتف الشعر حتى يكون شعر الحاجبين دقيقاً رقيقاً، وهل الحلق بمعناه، الأظهر : أنه بمعناه، لأن الشعر يكون بالقص دقيقاً رقيقاً، والشريعة لا تفرق بين متماثلين، ولا تجمع بين مختلفين . وبنتف شعرة أو شعرتين  من  الشيب في الوجه لا يتحقق معنى النمص- كما سبق تحقيقه في حكم نتف شعرة أو شعرتين من الحاجب -.والله تعالى أعلم .

كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

 


حكم نتف شعرة أو شعرتين من شعر  الحاجب:
——————

في تهذيب اللغة: "قال الليث: النمص: دقة الشعر ورقته، حتى تراه كالزَّغَب، ورجل أنمص الرأس أنمص الحاجب، وربما كان أنمص الجبين، وامرأة نمصاء تتنمَّص؛ أي: تأمر نامصة فتنمص شعر وجهها نمصًا؛ أي: تأخذه عنها بخيط".
فيكون النمص : هو نتف الشعر حتى يكون شعر الحاجبين دقيقاً رقيقاً، وهل الحلق بمعناه، الأظهر : أنه بمعناه، لأن الشعر يكون بالقص دقيقاً رقيقاً، والشريعة لا تفرق بين متماثلين، ولا تجمع بين مختلفين .

وفي تاج العروس: "أنمص الحاجب، وربما كان أنمص الجبين، إذا رَقَّ مُؤَخَّرُهُمَا، كما في "الأساس"، وقيل: امرأة نمصاء تأمر نامصة فتنمص شعر وجهها نمصًا؛ أي: تأخذه عنه بخيط".

وقال ابن منظور: النمص: رقة الشعر ودقته، حتى تراه كالزغب، والنَّمص: نتف الشعر، تنمصت المرأة: أخذت شعر جبينها بخيط لتنتفه .

قال الخليل: "النمص: رقة الشعر حتى تراه كالزغب.

وبهذا يتبين أن النمص : رقة الشعر للحاجبين وترقيقه ، وفي الحديث( لعن النامصة والمتنمصة ).

وهذا لفظ مطلق وليس بعام ، والقاعدة : المطلق يصح على أقل ما يتناوله اللفظ .
فكل ما يسمى في لغة العرب نمصاً، فهو محرم - إذا كان ذلك من غير عذر-. وأما ما لا يسمى نمصاً في لغة العرب ، كأخذ شعرة أو شعرتين من الحاجب، هذا لا يسمى نمصاً.

١ - فإن قيل  : إذا كان شيباً فلا ينتف، لأن النبي صلى نهى عن نتف الشيب، وقال : هو نور المسلم ).
فالجواب : أن نتف الشيب منهي عنه نهي كراهة عند الجمهور ، أو نهي تحريم عند غيرهم، ومسألتنا، هل يعتبر نتف الشعرة أو الشعرتين من النمص، وبينا أنه لا يكون نامصاً بنتف شعرة أو شعرتين.

٢ - فإن قيل : إن المحرم منهي عن نتف شيء من شعره، حال كونه محرما، وهذا يشمل الشعرة والشعرتين ، فكيف لا يكون نتف الشعرة أو الشعرتين من الحاجب نمصاً.

والجواب : على فرض عدم الإذن للمحرم بالشعرة والشعرتين في حال الإحرام ، فذلك لأن العلة هي عدم قضاء التفث حتى يتحلل .( ثم ليقضوا تفثهم ..)
بينما علة التحريم في مسألتنا ، هي النمص: الذي هو ترقيق شعر الحاجبين ودقته، وهذا لا يحصل بنتف الشعرة أو الشعرتين .
مع العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم .

٣ - فإن قيل : إذا كان لا يجوز نتف شعرة أو شعرتين من شعر اللحية، فلا يجوز نتف شعرة أو شعرتين  من شعر الحاجبين .

فالجواب : أن تحقيق إعفاء اللحية الوارد في حديث( حفوا الشوارب ، واعفوا اللحى )، يتحقق الإعفاء بتكثير شعر اللحية ، وحد عدم الإعفاء يرجع إلى  لغة العرب، وإعفاؤها : يكون بتركها حتى تكثر . والمطلق يصح على أقل ما يتناوله اللفظ .
حيث لفظ( اعفوا) أمر، وهو لفظ مطلق لا عام .
- وقد سبق بيان ذلك في حكم تحديد اللحية -.
- وبناء عليه فإن نتف الشعرة والشعرتين  من شعر اللحية لا يتحقق به عدم الإعفاء المامور به.
وأما قاعدة : المأمور لا يكون ممتثلاً إلا بفعل جميعه، والمحظور لا يكون ممتثلاً إلا بترك جميعه، فهذه القاعدة في العام لا المطلق.

وبناء على ذلك فإن نتف أو قص شعرة أو شعرتين من الحاجب لا يعتبر نمصاً، والله تعالى أعلم .

كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

 


حكم تحديد اللحية: 

حكم الأخذ من شعر الوجه :

حكم إزالة الشعر الذي بين الحاجبين :

حكم حلق العنفقة :
——————————-
إذا ترتب على تحديد اللحية :  الأخذ منها  حتى تصل إلى حد عدم الإعفاء فلا يجوز ، ويحرم الأخذ منها والحالة تلك .
فلا حد لمقدار ما يؤخذ منها ما لم يصل إلى حد عدم الإعفاء في لغة العرب، وإعفاؤها : يكون بتركها حتى تكثر . والمطلق يصح على أقل ما يتناوله اللفظ .

وقيل : ما زاد عن القبضة لا بأس به.

واللحية : الشعر النابت على الذقن وعظمي الوجه الحيين -.على الأصح في لغة العرب وعند الفقهاء، فإن اللحية مأخوذة من اللحيين، فكل ما نبت عليهما فهو لحية.
والقاعدة : أن تفسير الشيء من المشتق من مادته أولى من تفسير الشيء بما لا يتعلق بمادته، ولهذا ما نبت على الوجه في غير اللحيين لا يسمى لحية، والعنفقة لا تسمى لحية لأنها نابته على غير اللحيين.

فاللحية عند  جمهور علماء اللغة والفقه هي شعر الخدين والذقن، قال ابن منظور في لسان العرب: "اللحية اسم يجمع من الشعر ما نبت على الخدين والذقن"

والقاعدة : المصطلح الشرعي، هو المصطلح اللغوي ما لم يصرف بدليل أو قرينة .
.
وأما الأخذ من غير شعر الوجه، كالشعر النابت على الرقبة لا بأس به.
لحديث( حفوا الشوارب وأعفوا اللحى ).

والقاعدة : المأمور به لا يكون ممتثلاً إلا بفعل جمعيه، والمحظور لا يكون ممتثلاً إلا بترك جميعه)، وهذا إذا كان اللفظ عاماً، وأما إذا كان مطلقاً، - كالأمر-، فإن القاعدة فيه : أن المطلق يصح على أقل ما يتناوله اللفظ .- كما سبق في القواعد-، ، أما الإعفاء فحقيقته لفظ مطلق ، يصدق عليه إذا ترك اللحية حتى تكثر، فإذا أخذ ما زاد على القبضة لا يقال: إن هذا لم يعفِ لحيته .    ولم يثبت عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا قولاً ولا فعلاً أنه أخذ من لحيته، فتكون السنة عدم التعرض للحية مطلقاً، ولو كان فوق القبضة.

علماً: بأن جمهور العلماء يرون تحريم نتف سائر شعر الوجه مطلقاً.
وذلك بناء على اختلافهم في معنى النمص ،  حيث ذهبوا  إلى أن النمص هو إزالة شعر  الوجه مطلقاً ولا يختص ذلك بالحاجبين ، 

وذهب آخرون إلى أن النمص هو إزالة شعر الحاجبين خاصة ، وهو الأقرب ، لأن  النمص هو الأخذ من شعر الحاجبين وهو لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النامصة والمتنمصة .
وهذا إنما يكون في شعر الحاجبين، وبناء عليه، فإن الشعر النابت بين الحاجبين ، تجوز إزالته ، لأنه ليس من الحاجبين .

وهل تخفيف شعر الحاجبين أو قصهما دون نتفهما يكون من النمص، يحتمل ، فمن نظر إلى اللفظ، فإن النمص يكون بالنتف، ومن نظر إلى المعنى : نزل حلقهما منزلة نتفهما، لما فيه من الإزالة .
والقاعدة : إذا تعارض اللفظ والمعنى أيهما يقدم ، يقدم المعنى إذا ظهر، وإن لم يظهر فإتباع اللفظ أولى - كما تقدم في القواعد -
والمعنى هنا ظاهر .

وأما العنفقة : الشعيرات النابتة  تحت الشفه السفلى فليست من  اللحية على الأصح - كما سبق -.
والله تعالى أعلم .

كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة


 


استحقاق الزوج من مرتب زوجته العاملة :

حكم عوض الزوج عن عمل زوجته العاملة :

حكم المعاوضة في الحقوق الزوجية  :
————

النفقة على الرجل في الأصل، ولكن الزوجة إذا لم تعمل إلا بعد الزواج، أو كانت عاملة ، ولم تكن شرطت على زوجها العمل في عقد الزواج وأرادت العمل ، فلزوج منعها عن العمل إلا أن يتفقا على يكون بينهما معاوضة أو شراكة يتفقان عليها مقابل ما يسقط من زمنه الذي يكون له، أو تجلس في بيته ولا تخرج للعمل ويتكفل بكامل النفقة.

وأما ما ينفعها من العمل ولا يضر به، كمن تعمل في بيت زوجها ولا ضرر على الزوج بذلك ، فليس له منعها أو أخذ مقابل على ذلك.
فكل ما ينتفع به الشخص ولا ضرر على غيره فيه، لا يجوز لغيره منعه منه.
لحديث( لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره .

والقاعدة : كل من كان أجيراً خاصاً، لا يجوز أن يعمل في وقت الإجارة ما يضر بالمستأجر.
أما ما فيه نفع له ولا ضرر على الآخر فيه - المستأجر - ، فلا بأس، لحديث ( لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره).

وعلى هذا فالمعلمة  إذا كانت تعمل في بيت زوجها ولا ضرر عليه في ذلك فلا يملك منعها ، أما إذا خرجت للتدريس من غير شرط في عقد  النكاح ، فله منعها لتضرره - إذ إن الوقت مملوك للزوج فلا تخرج إلا بإذنه، بمعنى جميع وقتها مستحق لزوجها، فهي بمنزلة الأجير الخاص - أو يصطلحا على شيء من مرتبها، إن لم يأذن لها بلا مقابل، فإن اصطلحا على شيء لفظي أو عرفي ، فلا إشكال، وإن اصطلحا على شيء ولم يحدد، فللزوج من مرتبها بمقدار ما فاته  من منفعتها
- بمقدار حصول الضرر-
وذلك بقسطه من الزمن أو قسطه من المنفعة وهو أقرب..
إذ تقرر أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه على مذهب الأئمة الأربعة لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) مفهومه أن غير المساجد- وما كان مساوياً لها أو أولى منها - لا تخرج إلا بإذنه، ولقوله صلى الله عليه وسلم ( وهن عوان عندكم) والرقيق لا يخرج إلا بإذن سيده بالاتفاق فكذا الزوجة قياساً عليه ، لأن جميع وقته مستحق لسيده، فكذا الزوجة جميع وقتها مستحق لزوجها-.

، فإن أخذ المال من الزوج مقابل فوات منفعة ، أو حصول ضرر بخروجها للعمل بدون شرط مسبق، وذلك أن الزوجة العاملة يتضرر الزوج بخروج زوجته للعمل ، فعند خروجها وعند عودتها من العمل تحتاج إلى قسط من الراحة يترتب عليه عدم تمتع الزوج بزوجته في تلك الفترة من المعاشرة بالمعروف، ونحو ذلك كثير، 
وأما إذا لم يترتب على خروجها للعمل ما يضر بزوجها مع حصول النفع لها فلا يستحق الزوج من مالها شيئاً
لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره) - فكل ما فيه منفعة لأخيك ، ولا ضرر عليك فيه ، فلا يجوز منعه منه.
وقد سبق بيان قاعدة : - بأدلتها - أن المال لا يستحق إلا على مال أو منفعة أو ضمان لا يؤول إلى مال أو حصول ضرر، فيكون له من المال بمقدار حصول ذلك الضرر.

هذا وقد اختلف العلماء - رحمهم الله تعالى - في حكم المعاوضة  في  الحقوق الزوجية غير المالية - كالمبيت ، والقسم ونحوهما- 
فذهب الحنفية ، والمالكية في قول ، والمشهور من مذهب الحنابلة  إلى أن هذه الحقوق لا تقبل المعاوضة ، لأنها ليست بمال ، فلا يجوز مقابلتها بمال.

والجواب : أن أخذ العوض لا يتقيد بالمال، فيجوز أخذ المال على مقدار الضرر ، كما في الجنايات والأرش .
- وقد سبق بيان جواز أخذ العوض على المال ، والمنفعة ، والضمان الذي لا يؤول إلى مال ، ومقدار الضرر-.
وذهب المالكية في قول : إلى جواز أخذ العوض على الحقوق الزوجية . وهو الأقرب لما تقدم .
وذلك أن احتباس الزوجة والتمكن التام للزوج منها حق ثابت له، يتضرر بفواته، فكان له أخذ مقابل بمقدار ذلك الضرر.

ولا يعد علم الزوج بعمل المرأة عند خطبتها شرطاً في مواصلتها للعمل، وإنما هو إذن ضمني يمكنه الرجوع عنه ، إلا إذا كان هناك شرط لفظي أو عرفي ، والله تعالى أعلم .

كتبه /د. محمد سعد  الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة 

 


حكم إهداء ثواب العمل الصالح للميت:

قاعدة : فرق بين فعل العبادة التي تدخلها النيابة عن الغير، وبين إهداء ثواب العبادة بعد فعلها عن النفس:

حكم فعل العبادة التي تدخلها النيابة عن الغير :
———

القاعدة : كل عبادة تدخلها النيابة كالزكاة والحج، يجوز فعلها عن الغير ليكون الأجر  لمن فعلها عنه، وهو- الفاعل -  له أجر.
كما قال صلى الله عليه وسلم للمرأة الخثعمية، لما قالت : إن فريضة الحج  أدركت أبي شيخًا كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه ، قال :( نعم).
ودفع النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة عن عمه العباس، لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم  عمر رضي الله عنه لجمع الزكاة ، ثم قال عمر : منع الزكاةرثلاثة( ابن جميل، والعباس ، وخالد ،فقال صلى الله عليه وسلم :( أما ابن جميل، فما ينقم إلا أن كان فقيرا فأغناه الله، وأما العباس، فهي علي ومثلها معها، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا، فقد حبس أدرعه وقتاده في سبيل الله).

وأما إهداء الثواب بعد ثبوت العبادة للشخص ، فهذا لم يرد، والأصل في العبادات التوقيف، ففرق بين فعل العبادة التي  تدخلها النيابة : يجوز.
وبين إهداء الثواب بعد وقوع الفعل عن النفس  : لا يجوز.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذه الطريقة في الإهداء : لم ترد عن أحد من السلف .

حيث قال :( ... فإهداءُ ثواب القرآنِ إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أو إلى جميع أهل الأرض ، هو مثلُ إهداءِ ثواب الصيام التطوع ، والصلاة التطوع ، ونحوهما ، ومثلُ إهداء ثواب الصدقة والعتق والحج ، على أحد القولين ، إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسائر المسلمين ، ولم يَبلُغْنا أن أحدًا من السلف والصحابة والتابعين وتابعيهم كان يَفعلُ ذلك ، وأقدمُ مَن بَلَغَنا أنه فعلَ شيئًا من ذلك عليُّ بن الموفَّق أحدُ الشيوخ من طبقةِ أحمد الكبار وشيوخِ الجنيد ..... .
لكن .. إهداء ثواب الأعمال إلى جميع الناس ما سمعتُ أحدًا فَعَلَه ، ولا سمعتُ أن أحدًا كان يُهدِيْ إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إلاَّ ما بَلَغَني عن علي بن الموفَّق ونحوه ، والاقتداءُ بالصحابة والتابعين وتابعيهم أولى..).

وأما ما لا تدخلها النيابة كالصلاة ، وشهادة التوحيد ، والذكر المستقل غير التابع  لغيره، فهذا مما لا تدخله النيابة  - وقيل : الذكر المستقل تدخله النيابة - ، فلا يكون مشروعاً فعله عن الغير ، والله تعالى أعلم .

تطبيق على المسألة :
سؤال : معروف حديث النبي صلى الله عليه وسلم من صلَّى الصبحَ في جماعةٍ ، ثم قعد يذكرُ اللهَ حتى تطلعَ الشمسُ ، ثم صلَّى ركعتَينِ ، كانت له كأجرِ حَجَّةٍ و عمرةٍ قال : قال رسولُ اللهِ : ( تامَّةً تامَّةً )
هل يجوز أن أنوي هذا الثواب لأمي المتوفية رحمها الله رحمة واسعة خاصة الآن مع أزمة كورونا؟
——-
الجواب : الجواب / الصحيح أن هذا الحديث ضعيف، والثابت : أنه صلى الله عليه وسلم يجلس يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس.

وأما إهداء الثواب بعد العمل فقد سبق عدم مشروعيته، وكون هذا ذكر تابع لعمل ، يعمله الإنسان عن غيره، فهو مما تدخله النيابة، فالعمل مشروع والذكر تابع له، كركعتي الطواف من الصلاة تابعة للطواف فتصح عن الغير، وأما  عمل الذكر مجرداً لا تابعاً لغيره، فالأظهر أنه مما لا تدخله النيابة عن الغير، ولهذا لو ذبح رجل ذبيحة وسمى الآخر عنه ، لم تكن الذبيحة حلالاً، لأن الفاعل لم يذكر اسم الله تعالى عليها، وذكر الرجل الآخر اسم الله عليها لا تكون حلالً بذلك، بخلاف من وكل في ذبيحته من يذبحها ويذكر اسم الله عليها،  والله تعالى أعلم 

كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

 


قاعدة : فرق بين القياس الأولى ، والمثل الأعلى :
———-
المثل الأعلى : الصفات العليا .

فالذين لا يؤمنون بالآخرة ولا يعملون لها، الصفة القبيحة من العجز والحاجة والجها والكفر ، ولله الصفات العليا من الكمال والاستغناء عن خلقه( للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ).

والقياس الأولى : ليس قياس العلة : الذي هو إلحاق الفرع بأصل لعلة جامعة بينهما .
وليس هو القياس بنفي الفارق، وذلك لأن القياس منه ما يكون في الجمع بين الفرع والأصل  بالعلة  فيكون   : إلحاق بفرع بأصل لعلة جامعة بينهما . فكل شيء يسكر يلحق بالخمر لعلة الإسكار .

ومن القياس ما يكون الجمع بين الفرع والأصل 
لا بنفس العلة ، وإنما بدليل العلة كملزومها -كإلحاق النبيذ بالخمر في المنع بجامع الشدة المطربة ، لأنها ملزمة للإسكار الذي هو العلة . أويكون الجمع بأثر العلة ، كإلحاق القتل بالمثقل  على القتل بالمحدد في القصاص، بجامع الإثم ، لأن الإثم أثر العلة التي هي القتل العمد العدوان . أو كان الجمع بحكم العلة ، كأن يقال : يجوز تزويج البكر البالغة وهي ساكته فجاز تزويجها وهي ساخطة ، قياساً على الصغيرة، فإن إباحة تزويجها مع السكوت تدل على عدم اعتبار رضاها ، ولو اعتبر لاعتبر دليله وهو النطق ، لأن السكوت محتمل متردد، وإذا لم يعتبر رضاها جاز تزويجها في حال السخط .
وهذا ما يسمى بقياس الدلالة : الجمع بين الأصل والفرع بملزوم العلة أو أثرها أو حكمها .
وذلك لأن اشتراكهما في دليل العلة من ملزوم أو أثر أو حكم ، يدل على اشتراكهما في العلة ، ظناً غالباً.

وأما إذا كان الجمع بين الأصل والفرع لا بنفس العلة ، وإنما بنفي الفارق ، وهو القياس في معنى الأصل ، وهو مفهوم الموافقة ، 
ويسمى  بالقياس بنفي الفارق ،  ويسمى بتنقيح المناط، ولا مشاحة في الاصطلاح .

ولكن المراد هنا هو قياس الأولى  ، سُمِّي بالأَوْلى؛ لأن الفرع (المقيس) يكون في حكمه أولى من المقيس عليه .

وهذا ثابت في حق الله تعالى ، قال تعالى :( ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً هل يستوون الحمدلله بل أكثرهم لا يعلمون ) حيث ضرب الله مثلاً بين فيه فساد عقيدة أهل الشرك : رجلاً مملوكاً عاجزاًعن التصرف لا يملك شيئاً ، ورجلاً آخر حراً، له مال حلال  رزقه الله به، يملك التصرف فيه ، ويعطي منه في الخفاء والعلم ، فهل يقول عاقل بالتساوي بينهما؟ فكذلك الله الخالق المالك المتصرف  لا يستوي مع خلقه وعبيده، فكيف تسوون بينهما ؟.

وقال تعالى :( وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير  هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ) حيث ضرب الله مثلاً آخر لبطلان الشرك ، رجلين : أحدهما أخرس أصم لا يفهم ولا يُفهم ، لا يقدر على منفعة نفسهأو غيره، ثقيل على من يلي أمرهويعوله، إذا أرسله لأمر لا يقضيه لا ينجح ولا يعود عليه بخير ، ورجل آخر سليم الحواس ينفع نفسه وغيره، يأمر بالإنصاف وهو على طريق واضح لا عوج فيه، فهل يستوي الرجلان في نظر العقلاء، فكيف تسوون بين الصنم الأبكم الأصم وبين الله القادر المنعم بكل خير .

وأما قوله تعالى : ( فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنام لا تعلمون )  فالمراد : إذا علمام أن الأصنام والأوثان لا تنفع ، فلا تجعلوا لله أشباهاً مماثلين له من خلقه تشركونهم معه في العبادة ، إن الله يعلم ما تفعلون، وأنتم غافلون لا تعلمون خطأكم وسوء عاقبتكم .

@  قال ابن تيمية  في العقيدة الأصفهانية ص117 ‪: ‬الله سبحانه وتعالى يستعمل في حقه قياس الأولى كما جاء بذلك القرآن‪ ‬
وهو الطريق التي يسلكها السلف والأئمة كأحمد وغيره من الأئمة فكل كمال ثبت للمخلوق فالخالق أولى به‪ ‬
وكل نقص ينزه عنه مخلوق فالخالق أولى أن ينزه عنه‪ ‬
كما قال تعالى {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم}‪ ‬
وقال تعالى {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم}
وذلك لأن صفات الكمال أمور وجودية‪ ‬
أو أمور سلبية مستلزمة لأمور وجودية‪ ‬
كقوله تعالى {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم}‪ ‬
فنفي السنة والنوم استلزم كمال صفة الحياة والقيومية‪ ‬
وكذلك قوله {وما ربك بظلام للعبيد} استلزم ثبوت العدل ‪... ‬
وأما العدم المحض فلا كمال فيه‪ ‬
وإذا كان كذلك فكل كمال لا نقص فيه بوجه ثبت للمخلوق فالخالق أحق به من وجهين ‪:‬

أحدهما : أن الخالق الموجود الواجب بذاته القديم أكمل من المخلوق القابل للعدم المحدث المربوب‪ ‬

الثاني : أن كل كمال فيه فإنما استفاده من ربه وخالقه فإذا كان هو مبدعا للكمال وخالقا له كان من المعلوم بالاضطرار أن معطي الكمال وخالقه ومبدعه أولى بأن يكون متصفا به من المستفيد المبدع المعطي‪ . ‬ا. هــ 

وقال في بيان تلبيس الجهمية [5-424] ‪ : ‬مثل هذا القياس العقلي والمثل المضروب هو الذي يستعمل في باب الربوبية في كتاب الله تعالى في باب التنزيه عن الشركاء والأولاد وغير ذلك‪ ‬

ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان يجزئ عنه قال نعم قال فاقضوا الله فالله أحق بالقضاء ‪" ‬

وهذا المعنى جاء في أحاديث متعددة صحيحة فقبول الاستيفاء من الإنسان عن غيره لما كان من باب العدل والإحسان كان الله أحق بالعدل والإحسان من العباد وكان الذي يقضي عن غيره حق المخلوق هو أحق بأن يقضي عنه حق الخالق من جهتين ‪:‬
من جهة أن حق الخالق أعظم‪ ‬
ومن جهة أنه أعدل وأرحم‪ ‬

ونظير ذلك في جانب النفي ما رواه الإمام أحمد في مسنده أنهم لما فاتتهم الصلاة سألوه هل يقضونها مرتين فقال ( أينهاكم ربكم عن الربا ويقبله منكم ) يقول إنه نهى عن الربا لما فيه من الظلم وهو المعاوضة عن الشيء بما هو أكبر منه في الديون الثابتة في الذمة بعوض أو غيره وهو أحق بتنزيهه عن الظلم من عباده ‪...‬

وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لما رأى امرأة من السبي لما رأت طفلاً أخذته فأرضعته ( أترون هذه طارحة ولدها في النار قالوا لا يا رسول الله قال للهُ أرحم بعباده من هذه بولدها ) فيه قياس الأولى لكن من باب التصور‪ ‬

وقد يستعمل من باب التصديق بأن يقال إذا كانت هذه لكونها كانت سبباً في وجود هذا فيها هذه الرحمة فالرب الخالق لكل شيء ووجود كل شيء منه أحق بأن يكون رحيماً بذلك ومن باب الأمر قول ابن عمر لغلامه نافع وقد رآه يصلي في ثياب ناقصة فقال ( أرأيت لو أرسلتك في حاجة أكنت تذهب هكذا فقال لا فقال فالله أحق من تُزُيِّنَ له من الناس ‪( ... ‬ا. هــ المراد
والمقصود : أن الاستدلال بقياس الأولى قد دل عليه القرآن والسنة وأقوال السلف والأئمة‪ ‬رحمهم الله
وأما ما ورد عن بعض العلماء من نفي القياس في العقائد فمرادهم بذلك هو "قياس الشمول" و "قياس التمثيل‪"‬

قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية [2-347] ‪ : ‬إن الله ضرب للناس في القرآن من كل مثل وبين بالأقيسة العقلية المقبولة بالعقل الصريح من المطالب الإلهية والمقاصد الربانية ما لم تصل إليه آراء هؤلاء المتكلفين في المسائل والوسائل في الأحكام والدلائل كما قد تكلمنا على ذلك في غير موضع ‪.‬
والله تعالى له المثل الأعلى‪ ‬فلا يجوز أن يقاس على غيره قياس تمثيل يستوي فيه الأصل والفرع‪ ‬
ولا يقاس مع غيره قياس شمول تستوي أفراده في حكمه‪ ‬
فإن الله سبحانه ليس مثلاً لغيره ولا مساويًا له أصلاً‪ ‬
بل مثل‪ ‬هذا القياس هو ضرب الأمثال لله‪ ‬
وهو من الشرك والعدل بالله‪ ‬وجعل الند لله وجعل غيره له كفوًا وسميًّا‪ . ‬ا.هــ .

@ وبناء على ما سبق يكمن الفرق بين المثل الأعلى وقياس الأولى في حق الله تعالى في الأمور التالية :

أولا: أن قياس الأولى فيه إلحاق الصفة بصفات الله ، وإثباتها له بكونه أولى بها من المخلوق ، والمثل الأعلى فيه بيان الكيفية العامة المجملة للصفة بعد ثبوتها .
فمثلا : الله أحق بصفة السمع من المخلوق ، هذا قياس الأولى ، ولسمع الله الصفة الأعلى التي ليس كمثلها شيء، وكل سمع فهو دونها ، هذا المثل الأعلى ، وهذا فرق جلي .

ثانيا: أن المثل الأعلى هو دليل قياس الأولى ، فإننا إنما نقرر کون الله أولى بصفة الكمال من المخلوق المتصف بها بكونه سبحانه له المثل الأعلى والأكمل والأتم الذي يمنع أن يقوم ما هو كمال في ذاته من الصفات بغيره دونه تعالى وجل .

ثالثا: المثل الأعلى أعم من قياس الأولى يشمله وغيره فهو في ألوهية الله وربوبيته وسائر خصائصه ، والله تعالى أعلم .

كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

 


المعتبر  في ابتداء وقت الأضحية :
———-

فمثلاً : إذا كانوا في قرية واحدة، واختلف  في خروج الإمام لصلاة العيد، فمن المعتبر الأول أو الأخير في وقت ذبح الأضحية .
————
١ - قد يكون الموكل في بلد ، والوكيل في بلد ، فالمعتبر : صلاة الإمام لصلاة العيد أو قدرها في البلد الدي تكون فيه الأضحية .


٢ - فإذا كانوا شركاء في بدنة أو بقرة ، وهؤلاء الشركاء في بلدان مختلفة في وقت صلاة العيد، فالمعتبر البلدة التي فيها الأضحية، 
فإن قيل : كيف يضحي الشريك ولم يذهب قدر صلاة العيد التي هو بها.

فالجواب : أن الأضحية ذبحت في مكان قد ذهب قدر صلاة العيد بها، فصحت، كما لو أخرج الإنسان زكاة الفطر في بلد قبل صلاة عيد الفطر بها ، صحت عن مخرجها وهو في بلد قد صلوا العيد فيه.
فالعبرة بالمكان الذي يتم فيه ذبح الأضحية، وغيرهم من المشتركين في الأضحية  يكونون تبعاً للمكان الذي تم فيه ذبح الأضحية .

٣ - يبدأ وقت جواز ذبح الأضحية عند جمع من أهل العلم : من بعد مضي قدر ركعتين وخطبتين خفيفتين .

وفيه نظر ، لأن الشارع علق الحكم على صلاة العيد - وهي قبل الخطبة - ولم يعلق الحكم في عدم الإجزاء على خطبة العيد، فقال صلى الله عليه وسلم ؛( من ذبح قبل الصلاة فليعد مكانها أخرى ).
والقاعدة : الحكم إذا علق على وصف ، لا يجوز تعليقه على غيره ).

والقول الآخر :  أن وقت الأضحية لا يبدأ إلا بفراغ الإمام من الصلاة ، أو قدرها ، فبعد ارتفاع الشمس قيد رمح ، ومضي وقت يتسع لركعتين خفيفتين، يبدأ وقت الأضحية للبلد الواحد .

قال في الإنصاف: قَوْلُهُ (وَوَقْتُ الذَّبْحِ: يَوْمَ الْعِيدِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ قَدْرِهَا) ظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ إذَا دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَمَضَى قَدْرُ الصَّلَاةِ: فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الذَّبْحِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِعْلُ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى مِمَّنْ يُصَلِّي الْعِيدَ وَغَيْرِهِمْ قَالَهُ الشَّارِحُ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: أَمَّا وَقْتُ الذَّبْحِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: إذَا مَضَى أَحَدُ أَمْرَيْنِ: مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ، أَوْ قَدْرِهَا لِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ بِلَفْظٍ " أَوْ " وَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ تُقَامُ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي مَوْضِعِ ذَبْحِهِ، أَوْ لَمْ تَقُمْ. انْتَهَى.

وقد نص الحنابلة على أن وقت الذبح يبدأ بانقضاء أول صلاة عيد في البلد .

قال البهوتي في الروض: (ووقت الذبح) لأضحية وهدي نذر أو تطوع أو متعة أو قران (بعد صلاة العيد) بالبلد، فإن تعددت فيه فبأسبق صلاة، فإن فاتت الصلاة بالزوال ذبح. انتهى.

٤ - لا يقال : العبرة بالأخير منهم إذا كانوا شركاء،  ولا  الأخير لمن صلى العيد إذا كانوا في بلد واحد، لأن هذا هو اليقين، ولأنه إذا اجتمع حاظر ومبيح ، قدم جانب الحظر .

لأن هذا الحكم متعلق بالخطاب الوضعي لا التكليفي ، والحكم الوضعي: ذبح الأضحية في وقتها ويتحقق في أول وقت ممكن ومشروع، وهو يتحقق باعتبار  مكان الأضحية، وإحداث الفعل في وقت تصح فيه، وذلك بتحقق مضي وقت يمكن أن تنتهي فيه الصلاة في وقتها المشروع ، ولهذا تشرع الأضحية في حق من صلى العيد أو لم يصله .

٥ - ولا يقال : تصح الأضحية  المشتركة - بدنة أو بقرة - عمن قدر صلاة العيد عنده، ولم تصح عمن لم يمض قدر صلاة العيد عنده.
لأن العبرة  بمضي قدر صلاة العيد في البلد الذي الأضحية تذبح فيه  ، فيكون الوكيل ينزل منزلة الأصيل .
فالأضحية ذبحت في وقتها عمن كانت لهواحد أو أكثر، في بلد واحد أو بلدان متعددة متفرقة في وقت صلاة العيد.
والقاعدة : العبرة بالمنظور لا بالمنتظر .
وبناء عليه : قد يضحي الإنسان قبل أن يدخل يوم العيد في بلده.
وذلك فيما إذا وكل في ذبح أضحيته في بلد مضى قدر صلاة العيد عندهم ، لأن العبرة بمكان الأضحية لا بمالكها أو مكان من ينيبه.
لأن الوقت من الأحكام الوضعية لا التكليفية، والله تعالى أعلم .

كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

 


حكم تخصيص زيارة الأموات في يوم العيد :
————-
١ - اعتقاد مزيد فضيلة لزيارة الأموات  في  يوم العيد عن غيره من الأيام بدعة ، فيوم العيد في زيارة الأموات كغيره من الأيام .
والقاعدة : التخصيص لا ينبعث إلا عن اعتقاد الاختصاص- وقد سبق تقريرها في القواعد -.

٢ - أن يوم عيد الفطر ، ويوم النحر ، وأيام التشريق ، أيام أعياد للمسلمين ، ينبغي فيها إظهار الفرح والسرور، وعدم تذكر  ما يثير الأحزان والأسى ، وفي الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ، وجد للأنصار يومان يلعبان فيهما ، فقال صلى الله عليه وسلم ( لقد أبدلكما الله بخير منهما يوم الفطر ويوم الأضحى ) مما يدل على مشروعية اللعب والفرح وإظهار السرور ، والبعد عن يثير الأحزان  .
بل رخص الشارع من اللهو في العيد ما لم يرخصه في غيره، فلما دخل أبو بكر رضي الله عنه ، وفي بيت النبي صلى الله عليه وسلم جاريتان تغنيان ، فقال أبو بكر : أمزماران من مزامير الشيطان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا بكر ، دعهما فإنه يوم عيد ، وقال :( لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ).

وبناء على ذلك ، فتخصيص عيد المسلمين بزيارة الأموات وخصوصاً الأقارب منهم يخالف المندوب من إظهار السرور والفرح بأعياد المسلمين، ومن اعتقد مزيد فضيلة في زيارتهم في أيام الأعياد، فقد ابتدع، والله تعالى أعلم .

كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

 


حكم أكل جميع الأضحية :
————

١ -  قال تعالى : ( فَكُلُوا مِنْهَا ، وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ، كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) .
القانع : هو الفقير الذي لا يسأل تقنعاً وتعففاً .
والمعتر : هو الفقير الذي يسأل .
وهذه الآية واردة في الهدي ، وتقاس عليها الأضحية، لأن الهدي للحاج، والأضحية لغير الحاج .
فإن قيل : إن الأضحية تختلف عن الهدي في بعض الأحكام، فيشرع للمضحي إذا دخلت عشر ذي الحجة أن يمسك عن شعره وأظفاره، ولا يشعر ذلك للمهدي.

فالجواب : الأصل أنهما مستويان في الأحكام ، لأن بابهما واحد، إلا ما دل الدليل على تخصيصه.

٢ - قال صلى الله عليه وسلم في الأضاحي : ( فَكُلُوا ، وَادَّخِرُوا ، وَتَصَدَّقُوا ) رواه مسلم .

والأمر  بالصدقة في الحديث على سبيل الاستحباب لا الوجوب ، وذلك للقرائن الصارفة من الوجوب إلى الاستحباب ، وهي :
أ -  أن الادخار من الأضحية ليس بواجب، فكذا التصدق منها ، وكذا الأكل من الأضحية ليس بواجب عند الأئمة الأربعة ، وحكي الإجماع  على  ذلك إلا ما روي عن بعض السلف، فكذا التصدق منها .
والقاعدة الأصولية : أن دلالة الاقتران ليست بضعيفة مطلقاً، بل قد تقوى وتضعف بحسب السياق - وقد سبق تقرير ذلك في القواعد -.
ب - أن الأضحية ليست بواجبة عند جمهور العلماء وهو الأرجح، فما بني عليها - من التصدق بجزء منها - يكون على الاستحباب، فإذا كان الأصل ليس بواجب، فالفرع من باب أولى .
ج - إن الصدقة تكون من الإنسان على نفسه ، وعلى ذريته ، ومن يعول، والصدقة عليهم أولى من غيرهم ، إلا في الواجبات فقد تجب لغير من يعول ، كما في كفارة الوطء في نهار رمضان ، ففي الحديث، قال : يارسول الله ، والله ما بين لابتيها بيت أفقر منا ، فقال : ( خذه فأطعمه أهلك ).

٣ - ولأن المقصود الأعظم من الأضحية هو إراقة الدم تعبداً وتقرباً إلى الله تعالى في يوم النحر وأيام التشريق، واللحم تابع لا مقصود لذاته، قال تعالى : ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ..).

وبناء على ذلك ، فمن ذبح أضحيته ولم يتصدق بشيء منها ، بل طبخها وأكلها ، فلا شيء عليه، خلافاًلمذهب الشافعية والحنابلة ، من وجوب التصدق بشيء منها ، لظاهر الآية السابقة ، وذلك أن القاعدة : المطلق يصح بأقل ما يتناوله اللفظ .
وقد سبق الجواب عليه، وأن الأمر في الآية للأستحباب لا للوجوب، والله تعالى أعلم .

كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

 


حكم الرجوع عن الحقوق المتجددة ، وغير المتجددة:

قاعدة : فرق بين الحق المتجدد، والحق  الغير متجدد:
———-
قد تسقط المرأة عن زوجها يومها ليكون لزوجة أخرى، فهل تملك الرجوع عن الحق الماضي فتطالب بتعويضها عنه ، أو لا  يمكنها الرجوع إلا في الحق المتجدد فترفض أن تستمر في تنازلها، وهل تملك هذا الحق المتجدد مطلقاً، أو لا تملكه بالشرط أو بالعوض  ؟
—-

الحق الذي تم إسقاطه ومضي لا يملك الإنسان الرجوع عنه، لأنه أسقط حقه بطيب نفس منه مختاراً غير مكره، وقد مضى وانتهى فلا يملك الرجوع عنه، وحقوق الآدميين تسقط بإسقاطها.

وأما الحق المتجدد، كإسقاط الزوجة النفقة عن زوجها أو حق المبيت، ففيه تفصيل :

إذا كان ذلك ناتج عن شرط عند العقد أو قبله، بحيث بني العقد على هذا الشرط من الزوج، أو دفع لها عوضاً على إسقاطه، وتم الاتفاق عليه وافترقا في المجلس، فلا تملك الزوجة الرجوع فيه، لأن المؤمنين على شروطهم ، ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود).
وكذا إذا بذل الزوج عوضاً  على  إسقاطه، أشبه البيع ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :( البيعان بالخيار ما لم يفترقا وكانا جميعاً...)بجامع المعاوضة في كل .

وأما إذا  كان الحق متجدداً ولم يكن ناشئًا
عن شرط ولا عوض، فيجوز للزوجة عن ترجع عن حقها المتجدد، كمن أسقطت حق المبيت بلا شرط ولا عوض، ثم رجعت فيه، فما مضى لا يقضى، وما كان حالاً  أو مستقبلًا  لا يسقط، لعدم إسقاطه، ورجوعها عما أسقطت من الحق المستقبلي لها، وليس هناك مانع من وجوعها فيما يستجد  من  حقوقها، والله تعالى أعلم . 

كتبه /د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة. من يوم عرفة ١٤٤١ للهجرة.

 


قاعدة: فرق بين الإذن والتمليك.

حكم من كانت له زوجتان فجعل لكل واحدة منهن مسكناً، فاختزلت إحداهن من مسكنها جزءاً، وقامت بتاجيره، هل تملك الزوجة تلك الأجرة:
————

القاعدة : فرق بين المنفعة والانتفاع.
فالمنفعة : تملك، والمنفعة : غير مملوكة، وإنما يباح له أن ينتفع ، ولا يحق له أن يأذن لغيره بالانتفاع إلا بإذن المالك كالعارية، وكذا الضيف ما يقدم له من الطعام إذن له وإباحة بالأكل، ولا يكون مالكاً لما قدم له، ولا يجوز له بيعه.
بخلاف من استأجر داراً يجوز له أن يؤجر غيره إذا كان مماثلاً له في الاستهلاك أو أقل منه ضرراً، لأنه يملك المنفعة - وقد سبق تقرير هذا في القواعد -.

ففرق بين الإباحة والتمليك.
فإن قيل : إذا أعطى الزوج زوجته من النفقة  كسوة ، فإذا باعت كسوتها - إذا لم يتضرر زوجها- ملكت قيمة تلك الكسوة، فلما لا تملك أجرة المسكن مع كون كل منهما نفقة .

فالجواب : أن النفقة في الكسوة تمليك من الزوج لزوجته، بخلاف المسكن : فهو إباحة نفع لا تمليك، وليس من النفقة الزوجية تمليك الزوج للزوجته المسكن ، وإنما الواجب  عليه وجود المسكن لها، ولا تمتلكه بفراقها.
فإذا تم الفراق بين الزوجين : كانت الثياب والكسوة للزوجة، لا يحق للزوج الرجوع فيه، ولم بكن ذلك في المسكن، فيكون للزوج.

وبناء على ذلك : يكون أجر المسكن المختزل للزوج، وللزوجة ان تمنع من الاختزال إذا كان ذلك يضر بها، أو لم تتحقق فيه العدالة مع الزوجة الأخرى .

فإن قيل : هل للزوج أن يصالحها على أن يؤجر جزءها المختزل من مسكنها للتضررها بذلك.
فالجواب : نعم ، ولكن بقدر الضرر الواقع عليها، إلا إذا رضي الزوج وزوجته الأخرى بذلك ، فلا بأس ، لأن الحق لهما، للزوج في ملكه، وللأخرى، لإسقاط حق العدالة في ذلك.
والقاعدة : حقوق المخلوقين تسقط بإسقاطها .
والقاعدة : العوض في الشرع يكون في أربعة أمور ، في الضرر المادي ، لا المعنوي على الأصح، وفي مقابلة مال لا حرمة فيه، وفي مقابلة عمل البدن، وفي مقابلة  الضمان على الأصح ، - وقد سبق بيان ذلك في القواعد - .

@ ومن باب التطبيق على هذه المسألة ، يكون الجواب عن هذا السؤال .

سؤال /إني متزوج من إمرأتين الاولى لي منها اربعة اطفال والثانية لم ارزق منها الأطفال وكلا الزوجتين يسكن في نفس المبني الاولى واطفالها لها دور كامل و الثانيه تسكن في دور يتكون من شقتين مفصوله حيث اني اعطيتها كامل الدور  قلت لها لك حرية التصرف في الدور الذي يعنييك .
قامت بتأجير شقة من الدور المخصص لزوجة الثانيه بعد اخذ الاذن مني حيث انها وهبت نصف  مبلغ الايجار لي طواعية منها لمعرفتها بالتزاماتي الماليه حيث إن البيت انا اشتريته وادفع اقساط تاخذ ثلاثة ارباع الراتب .

هل يحق لزوجة الاولى أن  تدخل شريكه في ايجار الشقة الذي يخص الزوجة الثانيه ؟

الجواب / ليست الزوجة الثانية شريكة، وإنما الإيجار يكون للزوج لأنه مالك العين، وهي مباح لها الانتفاع فقط، وتعطى من الإيجار بقدر ضررها إذا كانت متضررة لضيق المكان عليها إلا إذا أسقط الزوج وزوجته الأخرى  حقهما ، لوجوب العدل بينهما.

@ وهل يجب المساوية في المصروف بين الزوجتين سوء كان من الراتب او من المبلغ المخصص لي من ايجار الشقة .
والجواب / الواجب هو العدل في النفقة بأن يعطي كل واحد منهما بحسب احتياجها وقدرته. ويجي أن يعدل بين زوجتيه في الهبة. والله تعالى أعلم.

كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

 


حكم تعين الأضحية بالشراء:
———-

الأضحية هل تتعين بشرائها بنية الأضحية أو لا تتعين بمجرد شرائها أضحية :

ذهب أبو حنفية ومالك  إلى أن شراءها بنية الأضحية ، تتعين به  .
وذهب الشافعي وأحمد إلى أنها لا تتعين بالشراء .

وتقعيد هذه المسألة يرجع إلى الأصول التالية :
١ - هل النذر ينعقد بفعل شيء مع نيته، أو لا بد من اللفظ.
والذي يظهر أن مجرد الفعل مع وجود النية لا ينعقد به النذر، فمن شراء بنية   أن يوقفه، لم يكن وقفاً بمجرد الشراء حتى يوقفه بما يدل على وقفه.

٢ - هل يشترط في المنذور أو الموقوف  التلفظ به، أما ينعقد بما دل عليه .
والقاعدة : العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.
والأرجح أنه ينعقد بما دل عليه، ولكن مجرد الشراء على كونها أضحية ليس دليلا  على تعيينها وإنما دليل على أنه سيفعل، لا على أنه بمجرد الشراء فعل .

٣ - قاعدة الفرق بين من فعل وبين من سيفعل.
فمن قال لزوجته : سأطلقك ، لم تطلق حتى يطلق، ومن قال لزوجته : طالق ، طلقت.
ومن قال عند شراء الأضحية : سأضحي بها، لم تتعين حتى يقول : هذه أضحية، من باب الإنشاء لا الخبر.
ففرق بين من أخبر أنها أضحية ، لم تتعين ، لأنه قد يكون صادقاً أو كاذباً، وقد يكون صادقاً أنه نوى أن تكون أضحية ولكن لم يقصد إنشاء خروجها من ذمته على أنها أضحية ، والفرق بين الإنشاء والخبر كبير .
فمن اشترى داراً على أن يوقفها لم تكن وقفاً بمجرد الشراء، ولكن لما اشتراء قال أو فعل ما يدل عرفاً على إنشاء خروجها من ذمته وقفاً، خرجت منه وقفا.

وعلى هذا فإن مجرد شراء الأضحية لتكون أضحية لا تتعين بمجرد الشراء، وكذا : إذا قال هذه أضحية ، أو هذه أضحيتي من باب الخبر لا تتعين بذلك، وإنما تتعين إذا قال ذلك إنشاء لا خبراً.
وعلى ذلك فمتى تعينت الأضحية ثم تعيبت أجزأ ذبحها، وأما إذا لم تتعين ثم تعيبت فبل ذبحها ، لا تجزئه أضحية إذا كان العيب مما لا يجزيء في الأضحية ، لأن العبرة بالمنظور لا المنتظر - وقد تقدمت في القواعد -، والله تعالى اعلم .

كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى . مكة المكرمة .

 


حكم الكذب على الكافر بقول الكفر لمصلحة راجحة :
——-
عن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله فقال محمد بن مسلمة يا رسول الله أتحب أن أقتله قال نعم قال ائذن لي فلأقل قال قل فأتاه فقال له وذكر ما بينهما وقال إن هذا الرجل قد أراد صدقة وقد عنانا فلما سمعه قال وأيضا والله لتملنه قال إنا قد اتبعناه الآن ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره قال وقد أردت أن تسلفني سلفا قال فما ترهنني قال ما تريد قال ترهنني نساءكم قال أنت أجمل العرب أنرهنك نساءنا قال له ترهنوني أولادكم قال يسب ابن أحدنا فيقال رهن في وسقين من تمر ولكن نرهنك اللأمة يعني السلاح قال فنعم وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عبس بن جبر وعباد بن بشر قال فجاءوا فدعوه ليلا فنزل إليهم قال سفيان قال غير عمرو قالت له امرأته إني لأسمع صوتا كأنه صوت دم قال إنما هذا محمد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب قال محمد إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه فإذا استمكنت منه فدونكم قال فلما نزل نزل وهو متوشح فقالوا نجد منك ريح الطيب قال نعم تحتي فلانة هي أعطر نساء العرب قال فتأذن لي أن أشم منه قال نعم فشم فتناول فشم ثم قال أتأذن لي أن أعود قال فاستمكن من رأسه ثم قال دونكم قال فقتلوه.

ففي هذا الحديث :

١ - جواز الكذب لمصلحة راجحة .
والقاعدة : كل مقصود صحيح يمكن التوصل له بالإخبار عنه بخلاف الواقع، لمصلحة راجحة ، لا يعتبر كذباً شرعاً.
- وقد سبق تقرير ذلك في القواعد -.

٢ - إن قول محمد بن مسلمة ( قد عنانا) أي شق علينا ، لا تصل إلى حد الكفر فهو تعريض بمشقة دون أخرى .وكذا بقية الألفاظ التي ذكرها .

٣ - أن هذا من باب التحايل على الغير للمصلحة الراجحة .

٤ - أن هذا ينزل منزلة المكره ، الذي يجوز له أن يدفع الضرر عنه وهو مطمئن بالإيمان .

٥ - إن القول بالخصوصية ، يعارضه : أن الأصل عدم الخصوصية إلا ما دل الدليل على كونه خاصاً، ولأن الأحكام في الشرعية معلقة بالأوصاف لا الأعيان - كما تقدم تقريره في القواعد -.

٦ - فيه جواز أن يأذن الإنسان لغيره أن يتكلم في عرضه في المستقبل - لمصلحة راجحة -. وقد سبق بيان حكم غيبة من أسقط حقه في غيبته في المستقبل . والله تعالى أعلم .

كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت