البدل عن قتل صيد البر للمحرم : -
اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في المراد بالمثل عند قتل المحرم صيد البر على قولين :
القول الأول : الحنفية : المراد بالمثل في جزاء الصيد قيمته .
واستدلوا :
1. بأن المثل : اسم يقع على القيمة ، وعلى النظير من جنسه ، وعلى نظيره من النعم .
والجواب عن ذلك : بأن المشترك : هو ما اتحد لفظه ، وتعدد معناه والمشترك لا يفيد العموم على القول الراجح ، بدليل أنه إذا كانت المعاني متضادة ، كالقرءء يطلق على الحيض ، ويطلق على الطهر ، فحينئذ لا يُمكن أن يُراد باللفظ المشترك معنيان .
وإن لم يتضادا فإن العام بالنسبة إلى معانيه المختلفة فقد وضع وضعاً واحداً ، فلهذا أفاد العموم لجميع معانيه ، بخلاف المشترك بالنسبه إلى معانيه فقد وضع لها بأوضاع متعددة ، فالمشترك لوحظ فيه شموله للمسميات المختلفة باعتبار اختلافها لا باعتبار معنى يشملها ، فاختلاف حيثية الاعتبار هو الفاصل بين اعتبار اللفظ عاماً أو مشتركاً فلفظ : العيون ، من حيث تناوله لجميه أفراد العين الباصرة ، يعتبر عاماً ومن حيث تعدد وضعه : للباصرة ، والجارحة ، والدينار ، يعتبر مشتركاً .
وعلى هذا : فإن المشترك لا يجوز أن يراد به جميع معانيه في وقت واحد على رأي جماهير الأصوليين خلافاً للشافعي وبعض الحنابلة ، لأن العبرة بالمعاني لا بالمسميات والمباني .
فإن لغة العرب تتسع تارة ، فنجد الشيء الواحد له عدة مسميات قد تصل إلى المئة ، وتضيق تارة أخرى فنجد أشياء كثيرة لها في لغة العرب اسم واحد ، ولهذا فإن الاشتراك في الاسم لا يعني الاشتراك في الحكم .
2. لما وجب بقتل الصيد المثل ، والمثل : يعم ماله نظير وما لا نظير له ، وذلك هو المثل من حيث المعنى ، وهو القيمة لا المثل من حيث الخلقة والصورة ، لأن ذلك لا يجب في صيد لا نظير له ، بل الواجب فيه : المثل من حيث المعنى وهو القيمة .
والجواب : أن حقيقة المثل : ما يماثل الشيء صورة ومعنى ، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا عند تعذر العمل بالحقيقة ، والنظير : مثلٌ ، صورةً ومعنىً ، والقيمة : مجاز .
3 - الاجماع منعقد على أن القيمة مرادة بهذا المثل فيما لا نظير له من النعم ، فوجب أن تكون هي المرادة في الآية : (( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ، ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم ))) .
والجواب : أنه لما تعذر الأصل وهو النظير قام البدل وهو القيمة مقامه فالمثلي يضمن بمثله ، والمتفوق يضمن بقيمته.
القول الثاني : المراد بالمثل في جزء الصيد ، ما له نظير من النعم وبه قال الجمهور من المالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وبعض الحنفية .
واستدلوا بما يلي :
1. بقوله تعالى : (( يا أيها الذين أمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ، ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدلٍ منكم هدياً بالغ الكعبة )) .
ولا يتصور الهدي الذي يكون بالغ الكعبة في القيمة وإنما يتصور في مثل المقتول من النعم .
كما أن التنصيص على النعم دليل على أن المعتبر هو المثل صورة ، لا معنى فقط ، والمثل في الحقيقة : ما يماثل الشيء صورة ومعنى والقيمة : مثل معنى لا صورة ، وهي القيمة ليست من النعم .
2. ولأن الإجماع منعقد على إيجاب المثل ، والآية السابقة ، هي أقوى مستند لهذا الإجماع .
وبهذا يتضح رجحان قول الجمهور، والعلم عندالله تعالى .
كتبه / أبو نجم / محمد بن سعد بن الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق