حكم أخذ العوض على الضمان :
يجوز أخذ العوض على الضمان إذا لم يؤل إلى الربا. كمن دفع الدين نيابة عن المضمون عنه يكون مقرضاً للمضمون عنه، فإذا شرط عوضاً على الضمان فقد شرط له زيادة على ما أقرضه، وهذا هو عين الربا. وبه قال جمع من الفقهاء.
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم ( الخراج بالضمان) فدلّ على أن الغنم يمكن أن يكون بسبب مجرد الضمان .
ولقوله صلى الله عليه وسلم (لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن ) فدلّ على مشروعية أخذ الربح مقابل الضمان .
فإذا آل الضمان إلى الربا حرم، لأن العبرة في العقود بالمعاني والمقاصد لا بالألفاظ والمباني. فما الفرق بين أن يعطي الضامن المضمون عنه المال ليسدد الدين عنه، وبين أن يسدده عنه مباشرة، إذ المضمون عنه مدين ومقترض في كلا الصورتين. والربا كما يجري في الديون يجري في القروض، وكل قرض جرّ نفعاً فهو ربا.
وذهب جماهيرأهل العلم ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة إلى حرمة أخذ العوض على الضمان. ودلك للأدلة الآتية : -
١ - فقد حكى ابن المنذر الإجماع على عدم جواز أخذ العوض على الضمان ، وتبعه على ذلك غيره.
والجواب : أن الإجماع لم يصح فقد خالف في ذلك إسحاق بن راهوية ، وحكى الخلاف في المسألة الماوردي في الحاوي. وقد نقل ابن المنذر قول إسحاق بعد ذكر الإجماع، وابن المنذر يحكي الإجماع ويستثني أفراداً، إذ إن حكايته للإجماع تعني أحياناً : ما عليه الأكثر . وهذا الإجماع المنقول مع كونه مشكوكاً في ثبوته، هو كذلك محتمل الدلالة، إذ يحتمل أن المراد به تحريم أخذ العوض على الضمان الذي يؤول إلى قرض - ربا. - دون الضمان الذي لا يؤول إلى قرض . وموافقة الأئمة الأربعة وأتباعهم لحكاية الإجماع، لا يعني صحته، لأنهم بعض علماء الأمة لا كلها.
@ ٢ - واستدلوا : بقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل..).
وأخذ العوض على الضمان من أكل أموال الناس بالباطل، لأن العوض إنما يستحق في مقابلة عمل أو مال لا يؤول إلى ربا، أو مقدار ضرر، والضامن لم يحقق شئياً من ذلك .
والجواب: أن الأدلة دلت - كما سبق في أدلة القول الأول - على مشروعية أخذ العوض على الضمان الذي لا يؤول إلى الربا.
وأخذ المال في مقابلته في الحقيقة هو أخذ للمال على التزامه لعمل أو مال لا يؤول إلى ربا.
كما في خطاب الضمان البنكي إذا كان للعميل رصيد كاف عند المصرف. وكما في شركة الوجوه حيث يأخذ الشركاء بذممهم ويربحون أو يخسرون في بيعهم ويضمنون ما التزموا به. فالربح حصل لهم بما ضمنوه في ذممهم.، وعلى هذا يكون ذلك الضمان منفعة تصلح أن تكون محلاً للمعارضة.
فهو عِوَض عن التزام الضامن بالدين سواء تم أداؤه أو لا، وهذا الإلتزام يترتب عليه تبعات من عمل أو مال، فإذا كان مالاً ولم يترتب عليه ربا جاز، وإلا لم يجز، وعلى هذا ينتفي عنه الغرر. وعلى فرض وجود التزام بدون مال ولا عمل، دلت النصوص على جواز أخذ العوض عليه مالم يترتب الوقوع في محظور.
@ ٣ - واستدلوا : بقياس الضمان على القرض بجامع أن كلاً منهما عقد تبرع، ولا يجوز أخذ العوض على التبرع.
والجواب : أن عقود التبرعات تنقلب بالتراضي إلى عقود معاوضات ما لم يترتب على ذلك الوقوع في المحظور، كالهبة تنقلب إلى معاوضة في هبة الثواب، والعارية بشرط العوض تنقلب إلى إجارة، وكذا الوكالة والوديعة. أما إذا ترتب على ذلك الوقوع في المحظور فلا، كالضمان الذي يؤول إلى قرض.
وبعد هذا العرض يترجح في نظري والعلم عندالله تعالى، جواز أخذ العوض على الضمان شريطة أن لا يؤول ألى الربا، والله تعالى أعلم.
كتبه / محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق