إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

الأربعاء، 16 أغسطس 2017

حكم نشر الفاحشة في المؤمنين // لفضيلة الشيخ د.محمد بن سعد العصيمي - حفظه الله


حكم المجاهرة بالمعاصي :
حكم نشر الفاحشة في المؤمنين :

حرمت الشريعةالإسلامية  المعصية  على بني آدم لمصلحتهم، لأن الله عز وجل غني عن كل أحد، وكل أحد محتاج إليه جل وعلا، قال تعالى ( قل هو الله أحد ، الله الصمد) فالصمد من معانيه: الذي تصمد إليه الخلائق لطلب حاجاتها، ومن معانيه: الذي لا جوف له، فالله عز وجل لا يأكل  ولا يشرب، لأنه جل وعلا لا يحتاج إلى شيء من خلقه، وخلقه لا غنى لهم عنه.
وقال تعالى ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ، والله هو الغني الحميد، إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد، وما ذلك على الله بعزيز). فلم يشرع الله لنا شئياً لمصحته جل وعلا، بل لمصلحتنا نحن المخلوقين ، فحرم علينا المعاصي والآثام والفواحش والمنكرات لما في ذلك من الضرر البالغ علينا وعلى الفرد والجماعة، وحرم الإضرار بالغير من المسلمين وعظم فيها الذنب والإثم،  وأمرنا بالإحسان له جل وعلا، وهو أن نعبد الله كأننا نراه، وأمرنا بالإحسان إلى خلقه، فقال تعالى ( وأحسنوا إن  الله يحب المحسنين) وذلك بفعل الخير للغير، بل أمرنا بما هو أعظم من ذلك وهو أن نحب الخير للغير كما نحبه لأنفسنا ، فقال صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
وليس من حب الخير للغير أن تكون سبباً لإفساد الخير على الغير بسبب فعلك من الذنوب التي تجاهر بها ، فتكون سبباً للعقوبات الإلهية، لقوله صلى الله عليه وسلم ( لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي ، نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسهم ، وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داوود وعيسى بن مريم، وتلا ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون).
وفِي الحديث( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم ينكروه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده).
وكذا المجاهرة بالذنوب والمعاصي سبب لضيق ذات اليد ، وانتشار الفقر والأمراض ، قال تعالى ( وفِي السماء رزقكم وما توعدون) وقد جآء في الأثر : إن الحبارى في وكرها لتلعن عصاة بني آدم، تقول : ما أنقطع المطر إلا بسببه.
فالواجب على المسلم : أن ينكر المنكر  ك حتى  لا تعم العقوبة، والأصل : من أعلن المنكر أنكر عليه علانية، ومن أسر المنكر أنكر عليه سراً  ما لم تقتضي المصلحة غير ذلك .
والأصل : إنكار المنكر باليد لمن يستطع ما لم تترتب عليه مفسدة أعظم .
لقوله صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكراً فليغيره بيده ...)
وذلك لأن المجاهرة بالمنكر ، يترتب عليه استحقاق  مأثمين، الاول : المعصية، والثاني : المجاهرة بها.
وقد قال صلى الله عليه وسلم ( كل أمتي معافى إلا المجاهرين ) فالمجاهرة بالسوء : سوء على سوء، حشفاً وسوء كيلة.
وما حفت بالمجتمعات من المصائب والكوارث والنكبات والتغيرات من حال حسن إلى غيره إلا بسبب المجاهرة بالمنكرات، قال تعالى ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
ومن صور المجاهرة بالمنكرات السينما والتبرج في الشاشات الإعلامية، والاختلاط المحرم، والدعوة إلى المراقص وفتح مجالات التغريب، ومحاربة شعائر الدين ، وإشاعة الفاحشة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قال تعالى ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب  أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون). قال الطاهر بن عاشور في تفسير هذه الآية : لما حذر الله المؤمنين من العود إلى مثل ما خاضوا به من الإفك على جميع أزمنة المستقبل أعقب تحذيرهم بالوعيد على ما عسى أن يصدر منهم في المستقبل بالوعيد على محبة شيوع الفاحشة في المؤمنين، فالجملة استئناف ابتدائي، واسم الموصول يعم كل من يتصف بمضمون الصلة فيعم المؤمنين والمنافقين والمشركين، فهو تحذير للمؤمنين وإخبار عن المنافقين والمشركين. 
وجعل الوعيد على المحبة لشيوع الفاحشة في المؤمنين تنبيها على أن محبة ذلك تستحق العقوبة، لأن محبة ذلك دالة على خبث النية نحو المؤمنين، ومن شأن تلك الطوية أن لا يلبث صاحبها إلا يسيراً حتى يصدر عنه ما هو محب له، أو يسر بصدور ذلك من غيره، فالمحبة هنا كناية عن التهيؤ لإبراز ما يحب وقوعه. 
وجيء بصيغة الفعل المضارع للدلالة على الاستمرار، وأصل الكناية أن تجمع بين المعنى الصريح ولازمه، فلا جرم أن ينشأ عن تلك المحبة عذاب الدنيا وهو حد القذف، وعذاب الآخرة وهو أظهر لأنه مما تستحقه النوايا الخبيثة، وتلك المحبة شيء غير الهم بالسيئة وغير حديث النفس، لأنهما خاطران يمكن أن ينكف عنهما صاحبهما، وأما المحبة المستمرة فهي رغبة في حصول المحبوب، وهذا نظير الكناية في قوله تعالى: وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ. كناية عن انتفاء وقوع طعام المسكين، فالوعيد هنا على محبة وقوع ذلك في المستقبل، كما هو مقتضى قوله: أَن تَشِيعَ. لأن أن تخلص المضارع للمستقبل، وأما المحبة الماضية فقد عفا الله عنها بقوله: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ. 
ومعنى أن تشيع الفاحشة أن يشيع خبرها، لأن الشيوع من صفات الأخبار والأحاديث كالفشو وهو: اشتهار التحدث بها، فتعين تقدير مضاف، أي أن يشيع خبرها؛ إذ الفاحشة هي الفعلة البالغة حدا عظيماً في الشناعة. 
وشاع إطلاق الفاحشة على الزنا ونحوه، وتقدم في قوله تعالى: وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ. في سورة النساء. وتقدم ذكر الفاحشة بمعنى الأمر المنكر في قوله: وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا. في سورة الأعراف. وتقدم الفحشاء في قوله تعالى: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء. في سورة البقرة.
ومن أدب هذه الآية أن شأن المؤمن أن لا يحب لإخوانه المؤمنين إلا ما يحب لنفسه، فكما أنه لا يحب أن يشيع عن نفسه خبر سوء، كذلك عليه أن لا يحب إشاعة السوء عن إخوانه المؤمنين. ولشيوع أخبار الفواحش بين المؤمنين بالصدق أو الكذب مفسدة أخلاقية، فإن مما يزع الناس عن المفاسد تهيبهم وقوعها وتجهمهم وكراهتهم سوء سمعتها، وذلك مما يصرف تفكيرهم عن تذكرها بله الإقدام عليها رويدا رويدا حتى تنسى وتنمحي صورها من النفوس، فإذا انتشر بين الأمة الحديث بوقوع شيء من الفواحش تذكرتها الخواطر وخف وقع خبرها على الأسماع، فدب بذلك إلى النفوس التهاون بوقوعها وخفة وقعها على الأسماع فلا تلبث النفوس الخبيثة أن تقدم على اقترافها، وبمقدار تكرر وقوعها وتكرر الحديث عنها تصير متداولة.
هذا إلى ما في إشاعة الفاحشة من لحاق الأذى والضر بالناس ضراً متفاوت المقدار على تفاوت الأخبار في الصدق والكذب. 
ولهذا دل هذا الأدب الجليل بقوله: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ. أي يعلم ما في ذلك من المفاسد فيعظكم لتجتنبوا، وأنتم لا تعلمون فتحسبون التحدث بذلك لا يترتب عليه ضر. وهذا كقوله: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ..أ.ه

فالفاحشة تطلق ويراد بها الأمر المنكر،من الذنب الفاحش .
وتطلق وبراد بها الزنا.
والقاعدة :  إذا كان اللفظ يحتمل معان متعددة بحسب وضع واحد ، فإن اللفظ يحمل على جميع معانيه، وإذا كان اللفظ يحتمل معان متعددة بحسب وضع متعدد، فهو المشترك، فإن كان هناك دليل أو قرينة تدل على أحد معانيه تعين المراد، لان حذف ما يعلم جائز، وإلا كان من قبيل المجمل، - وقد تمت الإشارة إلى ذلك في حكم مس القرإن من غير طهارة - .
وهنا القرينة والسياق حدد المراد بالفاحشة وهي الزنا فلا يجوز إشاعة خبرها - الفاحشة -  .  والله تعالى أعلم .

وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه/ محمد بن سعد العصيمي /  كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت