مسألة : هل النهي عن الشيء هو عين الأمر بضده ، أو مستلزم لضده، أو النهي عن الشيء هو أمر بأحد أضداده، أو النهي عن الشيء هو أمر بفعل جميع أضداده .
أو النهي عن الشيء يتضمن أن ما لا يتم ترك النهي إلا بفعله فففعله واجب.- وهي قاعدة : ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم ترك الحرام إلا بفعله ففعله واجب.
فهل المطلوب بالنهي فعل الضد، أو لا يتضمنه لا مطابقة ولا التزاماً، ولا آحاداً- لذلك الضد، ولا عاماً لكل ضد - .
والأقرب في نظري والعلم عند الله تعالى، أن النهي عن الشيء لا يتضمن طلب فعل الضد مطلقاً ، لا عن طريق المطابقة ولا الالتزام.
فقولك : لا تزني، لا يستلزم الأمر بالنكاح ، ولا فعل المباح الآخر الذي يترتب عليه الابتعاد عن الزنا. اللهم إلا إذا قال : لا أستطيع ترك الزنا إلا بالتسري أو النكاح، قلنا له: ما لا يتم ترك المحظور إلا بفعله ففعله واجب، وهذا ليس لكل أحد خوطب بترك الزنا، بل لمن لايستطيع تركه إلا بفعل المباح، أما من استطاع ترك الزنا بلا فعل المباح، لم يجب عليه فعل ما يترتب على ترك الزنا من المباح. لأن الثواب يكون على امتثال النهي فقط، لا على فعل المأمور المستلزم له إلا إذا نواه.
@ قال تعالى ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصال لها والله سميع عليم ) فقد يكفر بالطاغوت ولا يؤمن بالله فلا ينفعه كفره بالطاغوت دون إيمانه بالله تعالى في دخوله للإسلام . والواو في لغة العرب الأصل فيها أن تكون للمغايرة. مما يبين أن الكفر بالطاغوت لا يستلزم منه الإيمان بالله تعالى .
@ فالنهي قسيم الأمر في طلب الفعل، فلو كان النهي طلب فعل الضد لكان أمراً، ولكان النهي من الأمر، وقسيم الشيء لا يكون قسماً منه.
وقد يكون المتلبس بالفعل تركاً لضده، وكل من الفعلين- الفعل والترك- يصح أن يؤمر به، وأن ينهى عنه، كالسفر والإقامة: ضدان، والتارك للسفر ملتبس بالإقامة قبل الترك للسفربنفس الإقامة أو معنى آخر، وإن كان كل منهما يلزم الآخر.
فالمنهي عن ارتكابه شيء لا يحتاج في تصوره إلى غيره، وفعل ضده شيء لا يحتاج في تصوره إلى غيره، والانتهاء شيء ثالث . والانتهاء هو المطلوب بالنهي .
إذا : الأصل أن النهي عن الشيء لا يتضمن ولا يستلزم النهي عن الضد، وقد يتضمنه أو يستلزمه أحياناً، ولكن المطلوب هو الانتهاء عند النهي عن الشيء، فإذا تضمنه أو استلزمه تارة فهو على خلاف الأصل، ولكن لمعنى أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم ترك المحرم إلا بفعله ففعله واجب، اللهم إلا إذا كان الشيء ليس له إلا ضد واحد كالسفر والإقامة ، فيقال إن النهي عن أحدهما يستلزم الأمر بالآخر،
فإن قيل :النهي عن الشيء أمرٌ بأحد أضداده ضرورة لأن العلاقة بين الشيء ومجموع أضداده علاقة تناقض؛ فلايمكن أن تجتمع ولا يمكن أن ترتفع.
وليس ضد الزنا : النكاح والتسري فقط؛ ولكنه مطلق التعفف، فالنهي عن الزنا يتضمن الأمر بالتعفف.
والواو لا تقضي المغايرة مطلقًا.
وضد الإيمان بالطاغوت الكفر به، ولا يتم الكفر بالطاغوت إلا بالإيمان بالله.
ومتعلق كون النهي عن الشيء أمرٌ بأحد أضداده ليس كونه قسيمًا له، بل المشاركة في مطلق الطلب.
والتوافق بين قاعدة النهي عن الشيء أمرٌ بضده مع قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لا يعني إلغاء إحداهما بالأخرى؛ إذ شأن القواعد أن تقوي بعضها البعض في حال التوافق، لا أن تلغي إحداهما الأخرى.
فالجواب : هذا قول وجيه وقوي ولا يتنافى مع قاعدة : ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالعبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.
هذا وقد اتفق الأصوليون على أن الأمر بالشي ليس نهي عن ضده ولا نقيضه من طريق اللفظ فصيغة : أسكن ليست صيغة : لاتتحرك .
واختلفوا هل الأمر بالشي نهي عن ضده من جهة المعنى أي عن طريق التضمن واللزوم العقلي على مذاهب أشهرها مذهبان .
الأول : ـ ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي وكثير من أتباعه ورواية عن أحمد وكثير من أتباعه واختاره القاضي عبد الجبار والكعبي من المعتزلة :ـ أن الأمر بالشي نهي عن ضده من جهة المعنى سواء كان له ضد أم أضداد كثيرة ، وقال السمعاني: ـ (وهذا مذهب عامة الفقهاء)
الثاني :ـ مذهب جمهور المعتزلة وبعض الشافعية كالغزالي وهوقول للباقلاني وإمام الحرمبن وبعض الحنابلة وإليه ذهب النووي في الروضة في كتاب الطلاق:ـ أن الأمر بالشي ليس نهياً عن ضده، ولا يتضمنه. .وقد سبق
إيضاحه.
كتبه / محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق