حكم قراءة الفاتحة في الصلاة للإمام والمنفرد، والمأموم :
ذهب الجمهور إلى وجوب الفاتحة في الصلاة على الإمام والمنفرد ، لحديث عبادة بن الصامت في الصحيحين مرفوعاً( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ).- سُميت بأم القرآن ، لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى بما هو أهله، ومن التعبد بالأمر والنهي، والوعد والوعيد.
وذهب أبو حنفية ، ورواية عن الإمام أحمد : إذا قرأ بغير الفاتحة من القرآن أجزأ ، لقوله تعالى ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن )، ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء في صلاته ( ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ).
١ - لا تعارض بين عام وخاص، وأحد أفراد العام يخصص به إذا كان مخالفاً له في الحكم.
وهنا صحة الصلاة بما تيسر من القرآن، تم تخصيصها بحديث عبادة بن الصامت أن الصلاة لا تصح لمن كانت معه الفاتحة إلا بها .
٢ - القاعدة : أن العرف المقارن للخطاب من مخصصات النص العام ، فيكون المراد بما تيسر بالقرآن الفاتحة لمن كانت معه، وإن لم تكن معه فما تيسر فعند من القران من غيرها، فإن لم يكن معه من القرآن شيء تعين عليه الذكر، لما رواه النسائي وأبو داود من حديث رفاعة بن رافع ( إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى ، ثم يكبر الله تعالى ويحمده ويثني عليه ) وفيها : ( فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله).، ولأبي داود ( ثم اقرأ بأم الكتاب وبما شآء الله ) ولأبي حبان ( ثم بما شئت ).
٤ - أن رواية أبي داود السابقة ، بينت المراد بما تيسر من القرآن ؛ بأنها الفاتحة وغيرها مما تيسر، فاختصر بعض الرواة الحديث، وبينت المراد الروايات الأخرى .
٥ - أن أقل المتيسر هو الفاتحة ، كما بينت الأدلة الأخرى ، وأنها هي الواجبة ، وما زاد عنها من القرآن مستحب .
وبهذا يتبين رجحان قول الجمهور : أن قراءة الفاتحة على الإمام والمنفرد ، واجبة .
@ وأما حكم قراءة الفاتحة للمأموم :
فتجب على المأموم في السرية دون الجهرية ، وهذا قول مالك ، وقول الشافعي في القديم، ورواية عن الإمام أحمد، وهي الأقرب في نظري .
لقوله تعالى ( وإذا قريء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ).
ولما في صحيح مسلم من حديث أبي موسى ( إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا).
ولحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة ، فقال ( هل قرأ معي أحد منكم آنفاً؟) فقال رجل : نعم يا رسول الله ، قال ( إني أقول ما لي أنازع القرآن)... الحديث .
رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة ، والحديث يدور في جميع رواياته على ابن أكيمة الليثي، وهو مختلف فيه.
@ وذهب أبو حنيفة : إلى عدم وجوب القراءة على المأموم في السرية والجهرية، لحديث جابر مرفوعاً( من كان له إمام ، فقراءة الإمام له قراءة ).
وأجيب عنه: بأنه ضعيف، قال الحافظ اين حجر ( له طرق عن جماعة من الصحابة ، وكلها معلولة .
وعلى فرض صحته ، فهو محمول على غير الفاتحة ، جمعاً بين الأدلة .
@ وذهب الشافعي والرواية الأخرى عند الحنابلة ، إلى وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في السرية والجهرية ، لحديث عبادة بن الصامت في الصحيحين ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)
وفِي رواية ابن حبان والدارقطني ( لا تجزيء صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ) وهذا لفظ زياد بن أيوب انفرد بها عن بقية الرواة عن سفيان بن عيينة، وكأن زياد رواها بالمعنى.
وفِي رواية أحمد وأبي داود والترمذي وابن حبان ( لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟) قلنا: نعم .
قال :( لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها) ، وهذه الرواية من طريق محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت .
وهذه الرواية مع أن فيها محمد بن إسحاق وهو مدلس إلا أنه صريح بالتحديث في الرواية الأخرى، ولكن الإشكال أن هذه الرواية خالفت رواية البخاري ومسلم من طريق سفيان بن عيينة عن ابن شهاب الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت مرفوعاً ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ).
ولا شك أن الزهري أوثق من مكحول ، والحديث طريقه واحدة ، عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت مرفوعاً.ولهذا ضعف الإمام أحمد حديث مكحول، وأخذ برواية الزهري.
وأما حديث أبي هريرة مرفوعاً ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج - ناقصة - ثلاثاً غير تمام ) . فهو محمول على غير المأموم في الجهرية جمعاً بين الأدلة .
وعلى القول الراجح : يقرأ المأموم في سكتات الإمام، وإذا سمع قراءة الإمام أنصت ، وإذا لم يسمعها قرأ لنفسه، لأن قراءته أفضل من سكوته، والاستماع لقراءة الإمام أفضل من القراءة.
@ وإذا أدرك المأموم الإمام وهو راكع ، ركع معه وسقطت عنه الفاتحة في تلك الركعة، لحديث أبي بكرة أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع معه قبل أن يصل إلىزالصف، فقال له صلى الله عليه وسلم ( زادك الله حرصاً ولا تعد).
والله تعالى أعلم وأحكم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كليةرالشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق