حكم من أسلم في مرض الموت ، وقبل معاينة ملك الموت - قبل غرغرة الروح في الحلقوم - :
قال الحنابلة : ويحكم بإسلام من أقر بالشهادتين ولو مميزاً، أو قبيل موته بشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله، لما في الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض الإسلام على أبي طالب وهو في النزع)
فمالجمع بينه- الحديث - وبين قوله تعالى ( آلان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) .
------
أما بالنسبة لأحكام الدنيا ، يحكم بإسلامه، ولهذا أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة لما قتل الرجل الذي أسلم لما رفع السيف على رأسه، وقال له ( هلا شققت عن قلبه).
ولأننا نعامل الناس معاملة الظاهر ونكل سرائرهم إلى الله تعالى .
وبالنسبة لأحكام الآخرة ، فإذا تشهد في مرض الموت قبل معاينة ملك الموت قبل إسلامه( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله، دخل الجنة)
وإن كان بعد المعاينة لم ينفعه ذلك، ولم يدخله الإسلام.
قال ابن حجر: بأنه صلى الله عليه وسلم لقن عمه الشهادة قبل أن يدخل في الغرغرة، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أحاج لك بها عند الله كأنه عليه الصلاة والسلام فهم من امتناع أبي طالب من الشهادة في تلك الحالة أنه ظن أن ذلك لا ينفعه؛ لوقوعه عند الموت؛ أو لكونه لم يتمكن من سائر الأعمال الصالحة كالصلاة وغيرها، فلذلك ذكر له المحاجة، وأما لفظ (الشهادة) فيحتمل أنه يكون ظن أن ذلك لا ينفعه إذ لم يحضر حينئذ أحد من المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم فطيب قلبه بأن يشهد له بها فينفعه، وهذا يدل على أن التوبة مقبولة ولو في شدة مرض الموت حتى يصل إلى المعاينة فلا يقبل، كما يدل هذا الحديث على أن الكافر إذا شهد شهادة الحق قبل المعاينة وتحقق الموت نجا من العذاب؛ لأن الإسلام يجب ما قبله .
ونقل ابن حجر عن الكرماني قوله بأن عرض الرسول صلى الله عليه وسلم الشهادة على عمه كان عند حضور علامات الوفاة، وإلا فلو كان انتهى إلى المعاينة لم ينفعه الإيمان لو آمن، ويدل على الأول ما وقع من المراجعة بينه وبينهم،
ثم قال ابن حجر: (ويحتمل أن يكون انتهى إلى تلك الحالة، لكن رجا النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أقر بالتوحيد، ولو في تلك الحالة أن ذلك ينفعه بخصوصه، وتسوغ شفاعته صلى الله عليه وسلم لمكانه منه، ولهذا قال: أجادل لك بها وأشفع لك ... ، ويؤيد الخصوصية أنه بعد أن امتنع من الإقرار بالتوحيد، وقال هو على ملة عبد المطلب ومات على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الشفاعة له، بل شفع له حتى خفف عنه العذاب بالنسبة لغيره، وكان ذلك من الخصائص في حقه) ، يشير في هذا إلى ما ثبت أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أغنيت عن عمّك؛ فإنه كان يحوطك ويغضب لك. قال صلى الله عليه وسلم: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)) .
وقال ابن بطال ت449هـ: (فإن قال قائل: فأي محاجة يحتاج إليها من وافى ربه بما يدخله به الجنة؟ فالجواب: أنه يحتمل وجوهاً من التأويل:
أحدها: أن يكون ظن عليه السلام أن عمه اعتقد أن من آمن في مثل حاله لا ينفعه إيمانه؛ إذ لم يقارنه عمل سواه من صلاة وصيام وزكاة وحج وشرائط الإسلام كلها، فأعلمه عليه السلام أن من قال: لا إله إلا الله عند موته أنه يدخل في جملة المؤمنين، وإن تعرى من عمل سواها.
ويحتمل وجهاً آخر: وهو أن يكون أبو طالب قد عاين أمر الآخرة، وأيقن بالموت، وصار في حالة من لا ينتفع بالإيمان لو آمن، وهو الوقت الذي قال فيه: هو على ملة عبد المطلب، عند خروج نفسه، فرجاً له عليه السلام إن قال: لا إله إلا الله، وأيقن بنبوته أن يشفع له بذلك، ويحاج له عند الله في أن يتجاوز عنه، ويتقبل منه إيمانه في تلك الحال، ويكون ذلك خاصاً لأبي طالب وحده؛ لمكانه من الحماية والمدافعة عن النبي عليه السلام .
ويحتمل وجهاً آخر: وهو أن أبا طالب كان ممن عاين براهين النبي عليه السلام وصدق معجزاته، ولم يشك في صحة نبوته، وإن كان ممن حملته الأنفة وحمية الجاهلية على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ... ، فاستحق أبو طالب ونظراؤه على ذلك من عظيم الوزر وكبير الإثم أن باؤوا بإثمهم على تكذيب النبي عليه السلام، فرجا له عليه السلام المحاجة بكلمة الإخلاص عند الله، حتى يسقط عنه إثم العناد والتكذيب لما قد تبين حقيقته وإثم من اقتدى به في ذلك، وإن كان الإسلام يهدم ما قبله لكن آنسه بقوله: ((أحاج لك بها عند الله)) لئلا يتردد في الإيمان، ولا يتوقف عليه؛ لتماديه على خلاف ما تبين حقيقته، وتورطه في أنه كان مضلاً لغيره.
وقيل: إن قوله: ((أحاج لك بها عند الله) كقوله: ((أشهد لك بها عند الله)) - كما في رواية مسلم - ، لأن الشهادة المرجحة له في طلب حقه؛ ولذلك ذكر البخاري هذا الحديث في هذا الباب بلفظ (الشهادة)) . لأنه أقرب للتأويل، وذكر قوله ((أحاج لك بها عند الله)) في قصة أبي طالب في كتاب مبعث النبي عليه السلام، لاحتمالها التأويل) .
ونص بعض أهل العلم على أن الخبر الذي فيه حضور أبي طالب الوفاة مطابق لقوله تعالى: ( حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) [النساء، وبالتالي فإن الأوضح أن يقال بأن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم مع أبي طالب، واستدل من قال بهذا القول بأمرين:
الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((كلمة أحاج لك بها عند الله))، ولم يجزم بنفعها له، ولم يقل: تخرجك من النار.
الثاني: أنه سبحانه أذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالشفاعة لعمه مع كفره، وهذا لا يستقيم إلا له، والشفاعة له ليخفف عنه العذاب .
@ وفي الحديث أن من لم يعمل خيرًا قط إذا ختم عمره بشهادة أن لا إله إلا الله حكم بإسلامه وأجريت عليه أحكام المسلمين فإن قارن نطق لسانه عقد قلبه نفعه ذلك عند الله تعالى بشرط أن لا يكون وصل إلى حد انقطاع الأمل من الحياة وعجز عن فهم الخطاب ورد الجواب وهو وقت المعاينة وإليه الإشارة بقوله تعالى ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ) .
والله تعالى أعلم .
فالخلاصة :
إما أن يكون انتفاع عّم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة التوحيد في مرض الوفاة قبل معاينة ملك الموت، أو ينتفع بكلمة التوحيد بعد معاينة ملك الموت في تخفيف العذاب عنه بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم الخاصة له .
فتكون من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة له عند الله تعالى في تخفيف العذاب، إن لم يدخل بها في الإسلام عند معاينة ملك الموت .
أبو نجم /محمد بن سعد الهليل العصيمي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق