متى تسقط الحدود بالتوبة، ومتى تجوز الشفاعة فيها:
* قاعدة: الحد إذا كان الحق فيه لله تعالى لم يقبل الإسقاط إذا ثبت سببه عند الحاكم.
* هل الشرط والنيابة العامة تنزل منزلة الإمام؟
إذا بلغها السارق والمحارب ونحوهما لا يسقط الحد، ولا تجوز الشفاعة والحالة تلك.
-------
* الحد -إذا كان الحق فيه لله تعالى- لم يقبل الإسقاط إذا ثبت سببه عند الحاكم.
حتى بالتوبة بعد القدرة عليه، لقوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الأخرة عذاب عظيم، إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم).
وهذا في عقوبة المحاربين: الذين برزوا أخذ مال أو قتل او أو إرعاب أو انتهاك فرج محرم، اعتماداً على الشوكة والمنعة، مع البعد عن الغوث والنجدة.
وكذا السارق إذا سرق ورفع إلى الإمام أو نائبه، وهو القاضي -إذ أنه نائبه في فصل الخصومات والحكم بالشرع- فإنه يجب إقامة الحد عليه إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، ولا يسقط حد القطع بتنازل المسروق بعد بلوغ الإمام، كما في حديث المرأة المخزومية التي سرقت، فشفع فيها أسامة بن زيد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أتشفع في حد من حدود الله تعالى، أنما أهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
وفي حديث صفوان لما سرق الرجل رداءه، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعه، قال: هو له يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: (هلا قبل أن تأتيني به) وهذا يدل على أنه ليس من شرط إقامة الحد في السرقة مطالبة المسروق بإقامة الحد كما ذهب إليه جمع من الفقهاء، بل إذا بلغت الإمام لم يسقط الحد، مع بقاء حق المطالبة بالمال للمسروق ولو بعد القطع كما هو قول الجمهور، خلافاً للحنفية الذين لا يجمعون بين المال والحد.
* وهل الذي ينزل منزلة الإمام هو القاضي، أو الشرط والنيابة العامة (الإدعاء والتحقيق).
قيل: إن الشرط والنيابة العامة تنزل منزلة الإمام، فإذا بلغتهما لا تجوز الشفاعة في حد السرقة ونحوها مما الحق فيه لله تعالى.
وهذا ما مال إليه شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى.
والقول الثاني: أن الذي ينزل منزلة الإمام، في سقوط الحق قبل بلوغه، هو القاضي، لأنه نائب الإمام في فصل المنازعات، وأما الشرط والنيابة ونحوهما، وإن كانت نائبة عن الإمام في القبض، لكن ليست بنائبة عن الأمام في فصل المنازعات بالشرع، وهذا في نظري أقرب، وذلك أن كل موظف نائب عن الإمام فيما أسند إليه من المهام.
وعليه إذا تنازل المسروق عن السارق وقد وصلت الشرط أو النيابة العامة، صح تنازله ولا تقطع يده، وإذا بلغت القاضي بعد القدرة عليه حتى وإن تاب أقيم عليه الحد بالشروط وانتفاء الموانع.
وكذا في الزنا: الحق لله تعالى في إقامة الحد: فإذا بلغت القاضي، واعترف بالزنا ولم يرجع عن اعترافه قبل إقامة الحد، أقيم عليه حد الزنا حتى وإن تاب، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقام الحد على الغامدية مع أنها كانت تائبة، وقال بعد إقامة الحد عليه: (لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له).
فهذا نص في أن التوبة لا تسقط حد الزنا، والتوبة في المحارب: يفرق بين قبل القدرة عليه فتسقط عنه الحد، وبعد القدرة عليه لا تسقط الحد، واختلف في توبة السارق هل تقاس على حد الزنا، أو حد المحارب على قولين.
والقاعدة: الفرع إذا تردد بين فرعين ألحق بأكثرهما شبهاً. وهو محل نظر وتأمل.
وأما جلد شارب الخمر فالذي يترجح أنه عقوبة تعزيرية، لقول الصحابي: جيء بشارب خمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اضربوه، فمن من يضربه بيده، ومنا من يضربه بنعله...) الحديث.
ففيه دليل على أن عقوبته تعزيرية، ولو كانت عقوبة حدية لكانت مقدره، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
تنبيه: ما كان الحق فيه للمخلوق، بحيث إذا أسقطه الآدمي سقط، كالقصاص والقذف، والذي لا يقام إلا بطلب من المخلوق فهذا يسقط بإسقاط المخلوق صاحب الحق، وتجوز الشفاعة بإسقاطه حتى ولو بلغت الإمام أو نائبه في فصل القضاء.
وأما العقوبات التعزيرية: فيجب النظر في الأصلح في حق المشفوع له، فأن كان الأصلح إقامة العقوبة عليه فلا تجوز فيه الشفاعة، وإن كان الأصلح قبوله فيه كانت جائزة، فهو أمر اجتهادي في الأصلح للجاني والمجتمع، (والله يعلم المصلح من المفسد).
والله تعالى أعلم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق