السجود أمام الصنم لا يخلو من الأحوال التالية :
١ - أن يقصد تعظيم وعبادة الصنم ، فهذا شرك أكبر مخرج من الملة .
لأنه صرف نوعاً من أنواع العبادة مع كمال الذل والمحبة لغير الله تعالى .
٢ - أن يتجه للصنم ويسجد أمامه لله تعالى ، أي سجوداً لله تعالى أمام الصنم ، فلا يقصد السجود للصنم وإنما يقصد السجود لله تعالى تجاه الصنم ، فهذا الفعل لا يخرج من الملة .ومحرم ولا يجوز، لأنه وسيلة للشرك . ولما نذر الرجل أن ينحر إبلاً ببوانة ، قال له صلى الله عليه وسلم :( هل فيها وثن يعبد ) قال : لا .
قال ( هل فيها عيد من أعيادهم ) قال : لا ، قال : ( أوف بنذرك ).
٣ - أن يسجد للصنم ولا نعلم قصده، فهذا نحكم عليه بالظاهر ، وأن له حكم عبدة الأوثان من الكفار.
والقاعدة : الاستدلال بالعلامة والحكم بما دلت عليه مقرر في الشرع والعقل.
وفي صحيح مسلم : كان يغير إذا طلع الفجر فإن سمع أذاناً كف وإلا أغار ). فعدم وجود الأذان في القرية دليل على عدم كونها مسلماً، وهذا هو العمل بالظاهر ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل المنافقين معاملة الظاهر ، ويكل سرائرهم إلى الله تعالى .
٤ - ان يسجد أمام القبر أو ينحني أمامه تحية له ، لا تعبداً، فهذا حكي الإجماع على كونه مخرج من الملة، فإن صح فلا يسعنا إلا اتباعه .
وإن لم يصح ، فإن الحكم بكفر من سجد للصنم ، هل لكون مجرد السجود أمام الصنم هو في حد ذاته مكفر، لانه صرف ما لا يمكن صرفه إلا لله تعالى - ، أو لدلالته على الكفر في الظاهر - فظاهر حاله أنه صرف عبادة لغير الله تعالى - ، فنحكم عليه بطاهر أمره ، ما لم يصرح بأنه تحية له ، والتحية له أيضاً محرمة ، ولكن لا يخرج بمجرد هذا الفعل من الإسلام بل يكون شركاً أصغر ، لأنه وسيلة إلى الشرك الأصغر ، وللعلماء في ضابطه قولان :
الأول : أن كل ما كان وسيلة إلى الشرك الأكبر ، فهو شرك أصغر .
والثاني : كل ما سماه الشرع شركاً، وأجمع العلماء على عدم خروج صاحبه من الإسلام فهو شرك أصغر .
والأقرب : ان كلا التعريفين صحيح .
والتحية والتكريم لمن يستحق التحية والتكريم ، لا تجوز بالسجود ، وهي محرمة بالاتفاق ، ومن الشرك الأصغر لأنه وسيلة للشرك الأكبر ، فكيف التحية بالسجود لمن لا يستحق التحية والإكرام كالأصنام ، هي أعظم ذنباً، وأكبر جرماً.
@ قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " أمَّا الْخُضُوعُ وَالْقُنُوتُ بِالْقُلُوبِ ، وَالِاعْتِرَافُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ : فَهَذَا لَا يَكُونُ عَلَى الْإِطْلَاقِ إلَّا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحْدَهُ ، وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مُمْتَنِعٌ بَاطِلٌ.
وقال الشوكاني : " فلا بد من تقييده بأن يكون سجوده هذا قاصدا لربوبية من سجد له ، فإنه بهذا السجود قد أشرك بالله عز وجل ، وأثبت معه إلهًا آخر .
وأما إذا لم يقصد إلا مجرد التعظيم ، كما يقع كثيرا لمن دخل على ملوك الأعاجم : أنه يقبل الأرض تعظيما له ، فليس هذا من الكفر في شيء ، وقد علم كل من كان من الأعلام ، أن التكفير بالإلزام ، من أعظم مزالق الأقدام ؛ فمن أراد المخاطرة بدينه ، فعلى نفسه تَجَنَّى".
انتهى من "السيل الجرار" (4/580).
وقال الرحيباني : " السُّجُودُ لِلْحُكَّامِ وَالْمَوْتَى بِقَصْدِ الْعِبَادَةِ : كَفْرٌ ، قَوْلًا وَاحِدًا ، بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ .
وَالتَّحِيَّةُ لِمَخْلُوقٍ بِالسُّجُودِ لَهُ : كَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ الْعِظَامِ" .
انتهى من "مطالب أولي النهى" (6/ 278) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم : " الانحناء عند السلام حرام ، إذا قصد به التحية ، وأَما إن قصد به العبادة فكفر". انتهى من "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ" (1/109).
وقال الشيخ عبد العزيز عبد اللطيف : " فمن المعلوم أن سجود العبادة ، القائم على الخضوع والذل والتسليم والإجلال لله وحده : هو من التوحيد الذي اتفقت عليه دعوة الرسل، وإن صرف لغيره فهو شرك وتنديد .
ولكن لو سجد أحدهم لأب أو عالم ونحوهما ، وقصده التحية والإكرام : فهذه من المحرمات التي دون الشرك ، أما إن قصد الخضوع والقربة والذل له فهذا من الشرك" .
انتهى من "نواقض الإيمان القولية والعملية" (ص: 278)
٥ - أن يسجد لبشر تحية له وتكريماً لا تعبداً، فهذا شرك أصغر ، لا يخرج صاحبه من الإسلام .
فقد سجد نبي الله يعقوب وبنيه ليوسف عليه السلام ، والأنبياء لا يمكن أن يقع منهم الشرك ، وكان سجود التحية في شريعتهم مشروع ، بخلاف شرعنا ، ووسائل الشرك تختلف الشرائع في تحليله وتحريمه، بخلاف الشرك الأكبر فهو محرم في جميع الشرائع السماوية .
والعلم عند الله تعالى .
أبو نجم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق