حكم الشغار - نكاح البدل - :
——-
الشغار : في اللغة مأخوذ من الشغر ، وشغر المكان إذا كان خالياً من الشيء، وفرغ منه .
ويقال وظيفة شاغرة : أي فرغة خالية ممن كان شاغلاً لها .
والعرب تقول : بَلَدٌ شَاغِرٌ مِنْ أَمِيرٍ ، وَدَارٌ شَاغِرَةٌ مِنْ أَهْلِهَا : إِذَا خَلَتْ ، وَشَغَرَ الْكَلْبُ : إِذَا رَفَعَ رِجْلَهُ وَأَخْلَى مَكَانَهَا .
روى مسلم في صحيحه عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ )
وروى مسلم أيضاً عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ قال : ( نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ ) .
وروى البخاري ومسلم : : من طريق مَالِكٌ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ " ، " وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ ، لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ " .
وزيادة ( والشغار أن يزوج الرجل ....) في حديث ابن عمر هذا مدرجة من كلام نافع .
وقيل من كلام مالك، وقيل : من كلام ابن عمر.
وسمي الشغار في النكاح شغاراً ، إما لأنه لم يسم لكل مِنْهُمَا صَدَاقًا ، فكان البضع شاغراً عن المهر ، أي خالياً عنه، وكان بدله بضع آخر ، أو في كان في حكم ما لم يسم لها المهر إذا كان المهر صورياً، من أجل تحليل ما لم يحل شرعاً، كأن يكن المهر أقل من مهر المثل، ولو لم يكن البدل لما كان هو المسمى في العقد .
- وهذا ما ذهب إليه الجمهور ، وأن العلة في تحريم الشغار : شغور النكاح وخلوه من المهر الحقيقي لكل من الزوجتين - . وهذا اختيار شيخنا العثيمين .
وإما - سمي شغاراً - لأنه شَرْطُ تَزَوُّجِ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى ، فَهُوَ شِغَارٌ ، وذلك لأن المقصود هو بضع ببضع ، والمهر تبعاً لا مقصوداً.
فالعلة والحالة تلك المشارطة ، فلا يكون زواج الأول إلا بشرط زواج الثاني.
فيكون المهر إذا وجد تبعا ، وهذا قول الظاهرية، وبعض الشافعية ، وبعض الحنابلة . وهو اختيار شيخنا ابن باز .
والجواب : أنه عند وجود المهر الحقيقي
لا الصوري- مع الرضا - ، لا يعتبر شغاراً في اللغة ولا في الشرع ، والمهر إذا كان مهر المثل لا يعتبر تبعاً لوجود النكاح الثاني بل مستقلاً عنه .
فإن قيل : يؤيد هذا الأثر الوارد عن معاوية رضي الله عنه، لما فرق بين زوجين شرطا البدل وسميا مهراً، وقال : هذا الشغار الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم .
- [ ] والجواب عنه : ان هذا الأثر متكلم في صحته ، وعلى فرض صحته ، فهو اجتهاد خالفه فيه غيره، فلا يكون حجة والحالة تلك .
- [ ]
فأن قيل : إن الشغار يحتمل ما كان بالشرط، ويحتمل : أنه ما كان خالياً عن المهر ، فيحمل عليهما .
فالجواب : أن الدلالة اللغوية : تدل على على اشتقاقه من شغوره من المهر لا من المشارطة .
والقاعدة : المعنى المشتق من مادة الكلمة أولى من المعنى المشتق من غير مادتها.
- وقد سبقت في القواعد -.
قال الجوهري في " الصحاح " :
" والشِغارُ بكسر الشين : نِكاح كان في الجاهلية ، وهو أن يقول الرجل لآخر : زَوِّجْني ابنتك أو أختك على أن أزوِّجك أختي أو ابنتي ، على أنَّ صداق كلِّ واحدة منهما بُضْعُ الأخرى ، كأنَّهما رفعا المهر وأخليا البُضْعَ عنه "
وقال ابن القيم : ( وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ :
فَقِيلَ : هِيَ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَقْدَيْنِ شَرْطًا فِي الْآخَرِ .
وَقِيلَ : الْعِلَّةُ التَّشْرِيكُ فِي الْبُضْعِ ، وَجَعْلُ بُضْعِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مَهْرًا لِلْأُخْرَى ، وَهِيَ لَا تَنْتَفِعُ بِهِ ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهَا الْمَهْرُ ، بَلْ عَادَ الْمُهْرُ إِلَى الْوَلِيِّ ، وَهُوَ مِلْكُهُ لِبُضْعِ زَوْجَتِهِ بِتَمْلِيكِهِ لِبُضْعِ مُوَلِّيَتِهِ ، وَهَذَا ظُلْمٌ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَرْأَتَيْنِ ، وَإِخْلَاءٌ لِنِكَاحِهِمَا عَنْ مَهْرٍ تَنْتَفِعُ بِهِ ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَالصَّوَابُ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد فِي عَامَّةِ أَجْوِبَتِهِ ؛ وَعَامَّةُ أَكْثَرِ قُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ : أَنَّ الْعِلَّةَ فِي إفْسَادِهِ بِشَرْطِ إشْغَارِ النِّكَاحِ عَنْ الْمَهْرِ " .
فإن قيل : روى مسلم من طريق ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بن عمر العمري ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشِّغَارِ ، وَالشِّغَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ : زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي ، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي " .
فالجواب : تفسير الشغار فيه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً ، بل مدرج من أحد رواة الحديث ويوضح ذلك ما رواه النسائي : وبين فيه أن تفسير الشغار ، هو في قول عبيد الله بن عمر العمري - أحد رواة الحديث - ، وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم .
فإن قيل : إن العقد بالمشارطة في الزواج : يؤدي إلى حصول النزاع وتوتر العلاقات، ويكون الطلاق الحاصل بين الطرفين في الزواج الأول ، يؤدي إلى حصول النزاع في الزواج الثاني الذي هو شرط لتمام الأول .
فالجواب: أن القاعدة :العبرة بالمنظور لا بالمنتظر - وقد سبقت في القواعد -.
ولأن العلماء اتفقوا على صحة العقد الذي سمي فيه المهر، ولم تحصل فيه المشارطة ، مع أن فساد النكاح الأول وعدم استمراره قد يؤدي إلى عدم استمرار العقد الثاني.
ولأن استمرار النكاح ليس شرطاً في صحة النكاح إذا لم يكن نكاح متعة أو تحليل أو زواج بنية الطلاق .
وبناء على ما سبق فالذي يترجح في نظري والعلم عند الله تعالى : أن الشغار هو الذي ليس فيه مهراً حقيقاً لكل من المرأتين ، فإذا شغر وخلا عن المهر الحقيقي فهو شغار ، وسواء كان لا مهر لهما مطلقاً، أو كان المهر صورياً، لولا شرط النكاح الأول بالثاني لكان أقل منه ، فالحكم فيهما واحد ، لأن حقيقته والحالة تلك شغورهما عن المهر الحقيقي ، وكون احد البضعين مهراً للآخر أو جزءاً منه .
مع ان الورع والأحوط هو اجتناب اشتراط أحد النكاحين بالآخر مطلقاً، والله تعالى أعلم .
كتبه / د . محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة ام القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق