حكم اشتراط شركة أوبرا على السائق معها أن لا يتعرف على أي زبون من جهتها :
———-
صورة المسألة : في شركات تأجير السيارات ، يشترط أصحابها على السائق معهم أن العميل الذي من طرفها لا تسمح له الشركة بتعرف السائق عليه، حتى لا تفقد الشركة هذا العميل ، وتكون العلاقة في المستقبل بين العميل والسائق مباشرة فيما يستجد مما يحتاجه العميل من التوصيل ولا تنتفع الشركة والحالة تلك مما يستجد من أجور التوصيل بينهما ، فهل هذا الشرط لازم على السائق، أو هو من الشروط الباطلة التي يجوز اشتراطها لتحقيق بطلانها، كما في حديث عائشة في قصة بريرة وفيه ( خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق ).
_
ويكمن الجواب عن هذه المسألة في النقاط التالية .
١ - لا يجوز أن يعمل المسلم عند الكافر الذي يكون له عليه بسبب ذلك العمل سلطة أو إهانة وإذلال إلا في حال الاضطرار ، لقوله تعالى :( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)، ولقوله تعالى :( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) فكل عمل للمسلم عند الكافر فيه ذلة للمسلم وتسلط وسلطة من الكافر على المسلم لا يجوز في حال الاختيار لا الاضطرار .
٢ - أن كل شرط يخالف الكتاب والسنة ومقتضى العقد الشرعي، لا يجوز .
فالشروط لا تعتبر في الحالات التالية :
أ - إذا خالف مقتضى العقد من كل جانب .
ب - إذا كان مخالفاً للمقصود الأعظم والأهم من العقد .
ج - إذا كان مخالفاً للشرع .
د - إذا كان فيه نفع للمشروط عليه ، ولم يكن فيه مضرة على المشترط .
وما عدا ذلك فالأصل في الشروط الصحة واللزوم ، وقد سبق ذلك في بيان الشروط المعتبرة ، وغير المعتبرة بالأدلة .
٣ - وفي منع الإنسان من التعرف على الغير من المسلمين في العمل أو غيره منع لمقصد شرعي وهو التعارف والتحاب بين المسلمين، ولما لقي النبي صلى الله عليه وسلم قوماً في الروحاء ، قال : من القوم ، قالوا : المسلمون، قالوا : ومن أنت ، قال : أنا رسول الله، فرفعت امرأة صبي لها ، فقالت : ألهذا حج ، قال : نعم ، ولك أجر)
وما ينتج من المصالح بسبب الغير لا يحجر على غيره من المصالح في غير مصلحته الحالية ، فالعبرة بالمنظور لا بالمنتظر، ولو أن إنساناً شرط على غيره، كل من تتعرف عليه عن طريقي فتكن بينكما مصلحة فلي سعي تلك الصفقة ، لم يكن شرطاً صحيحاً، وبأي حق تستحل ماله، وفي الحديث ( أرأيت إن حبس الله الثمرة عن اخيك، بأي حق تستحل ماله ).
فكونك سبب في تعارف شخصين ليس له عوض شرعي تأخذ عليه مقابلاً، وكونك عرفت بين شخصين لإجراء صفقة وأخذت على ذلك سعياً، إنما أخذت مقابل عملك وسعيك لاتمام الصفقة لا من أجل التعارف بينهما الذي حصل بسببك ، ولهذا إذا لم تتم الصفقة فلا شيء لك ، ولو عرفت بعضهم على بعض، وإذا تسببت في تعارفهم ، ثم جرى بينهما صفقة فلا سعي لك ، لأنك لم تكن وسيطاً في البيع، فالعوض على كونك وسيطا لا على كونك سبب في تعريف بعضهم على بعض.
٤ - إن أخذ أو شرط سعي في كل مصلحة تجري بين اثنين لا سبب لك في تلك المصلحة سوى كونك عرفت أحدهما على الآخر، أكل لأموال الناس بالباطل، فلم يكن هذا المال في مقابلة عمل ولا مال ولا ضمان ولا ضرر مادي.
فإن قيل : إن في هذا التعارف وتبادل أرقام الهواتف بين العميل والسائق ضرر مادي على الشركة .
فالجواب : أن هذا الضرر متوهم محتمل في أمر مستقبل قد يقع وقد لا يقع ، والقاعدة : العبرة بالمنظور لا بالمنتظر .
ولأن إجراء مصلحة للشركة في الحال ، لا يعني منع العميل من عدم إجراء تلك المصلحة مع غيرها في المستقبل، ومتى استعبدتم الناس وقد ولدهم أمهاتهم أحرارا.
وأيضاً، يقال : إذا نظرتم إلى مصلحة الشركة وعدم الإضرار بها، فأنظروا إلى مصلحة العميل وعدم الإضرار به ، فقد تكون منفعته في مباشرة خدمة السائق بدون الشركة أيسر له، وفي هذا الشرط احتكار للعملاء بالشرط، والأصح أن الاحتكار يكون في الأطعمة وغيرها، وهو حبس السلعة من التجار ونحوهم إرادة ارتفاع الأسعار، وفي الحديث( لا يحتكر إلا خاطيء)
والقاعدة : حذف المتعلق مشعر بالعموم .
والخاطيء: هو الذي يفعل الذنب عن عمد ، بينما المخطيء هو الذي يفعله من غير عمد .
٥ - ولأن منع الناس من المشروع لهم من غير مصلحة أو مفسدة راجحة ، لا يجوز .
وليست مصلحة الشركة أولى من مصلحة الفرد .
وبناء على ما تقدم : فإن شرط الشركة على السائق أن لا يتعرف على العميل شرط جائر وغير صحيح، فليس لها أن تمنع أحداً أن يتعرف على أحد ،وإما هذا للشارع ، الذي أجاز التعارف بين المسلمين ما لم يتضمن محظوراً شرعياً. ولأن خوف الشركة من عدم عودة العميل بسبب ذلك ، لا يبرر لها هذا الشرط، ( دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)، ولأن إجراء الصفقة مع العميل لا تمنع العميل من إجراء الصفقة مع غيرها في غير هذه الصفقة . ولما سبق في الأسباب الماضية .
تنبيه : العمل الذي يترتب عليه فتنة للمسلم ، ويغلب على ظنه الانحراف بسببه، يجب عليه أن يبتعد عنه، ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ).
والله تعالى أعلم .
كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق