حكم قول : ما شاء الله عند إعجاب الإنسان بالنعمة على نفسه أو غيره.
حكم قول : تبارك الله ، إذا رأى ما يعجبه من نفسه أو غيره .
————-
١ - قال تعالى : ( ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالاً وولدت) وتفسيرها : وهلا حين دخلت حديقتك فأعجبتك حمدت الله، وقلت : هذا ما شاء الله لي ، لا قوة لي على تحصيله إلا بالله ، فعموم هذا اللفظ يكون عند إعجاب الإنسان بالشيء، ويكون سبباً في زيادته ونموه وثباته، وابتعاد الشيطان عنه حين ذكر الله تعالى فلا يقوى الشيطان على الكيد للإنسان بالعين الشيطانية ( إن كيد الشيطان كان ضعيفاً)، وكما هو الشأن في الأذان ، فإن الشيطان يدبر إذا سمع النداء وله ضراط- كما جاء في الصحيحين -. فالذكر يضعف القوة الشيطانية المنبعثة من عين المعجب أو الحاسد أو يقضي عليها عند وجود الشروط وانتفاء الموانع .
روى هشام بن عروة عن أبيه أنه كان إذا رأى شيئاً يعجبه، أو دخل حائطاً من حيطانه قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
وروي ذلك عن الإمام مالك وشيخه، - كما ذكره القرطبي في تفسيره ، وغيره - : إذا دخلوا بيوتهم أو رأوا ما يعجبهم من أموالهم قالوا: ماشاء الله لا قوة إلا بالله، يتأولون قول الله تعالى: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ)
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله، أو ماله، أو ولده فليقل: ما شاء لا قوة إلا بالله ـ وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة - يعني قوله تعالى في سورة الكهف: 36 - ولو لا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله. اهـ.
وقال الجصاص في الأحكام: وقد أفاد أن قول القائل منا ما شاء الله ينتظم رد العين وارتباط النعمة وترك الكبر لأن فيه إخبارا أنه لو قال ذلك لم يصبها ما أصاب. اهـ.
وبناء على ذلك فلا فرق بين أن تكون النعمة على الإنسان أو على غيره من المسلمين في قول هذا اللفظ( ما شاء الله لا قوة إلا بالله) والتفريق بين النعمة على النفس أو على الغير ، وصف طردي غير مناسب .
وقد سبق في القواعد الفرق بين الوصف الطردي والمناسب في مسالك الاجتهاد في العلة .
٢ - روى الأمام أحمد : ( إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيُبَرِّكْهُ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ ) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة ".
وهذا الحديث يدل على أن الدعاء بالبركة عند إعجاب الشخص بالشيء سواء كانت النعمة عليه أو على غيره.
٣ - ورى الإمام أحمد في مسنده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لحنظلة بالبركة ، قال الراوي – واسمه ذيَّال - :
( فَلَقَدْ رَأَيْتُ حَنْظَلَةَ يُؤْتَى بِالْإِنْسَانِ الْوَارِمِ وَجْهُهُ ، أَوِ بِالْبَهِيمَةِ الْوَارِمَةِ الضَّرْعُ ، فَيَتْفُلُ عَلَى يَدَيْهِ وَيَقُولُ : بِسْمِ اللهِ ، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ ، وَيَقُولُ عَلَى مَوْضِعِ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَمْسَحُهُ عَلَيْهِ ، فَيَذْهَبُ الْوَرَمُ ) وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " .
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله : " فإذا رأى الإنسان ما يعجبه وخاف من حسد العين فإنه يقول: ما شاء الله تبارك الله، حتى لا يصاب المشهود بالعين، وكذلك إذا رأى الإنسان ما يعجبه في ماله فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله؛ لِئَلاَّ يعجب بنفسه وتزهو به نفسه في هذا المال الذي أعجبه، فإذا قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فقد وكل الأمر إلى أهله تبارك وتعالى "
وبناء على ما سبق : فقول : تبارك الله ، أو اللهم بارك ، أو نحو ذلك من الدعاء بالبركة تشرع عند إعجاب المسلم بالشيء الذي انعم الله به على ذات الشخص أو غيره.
وكذا قول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
سواء كانت النعمة على النفس أو على الغير ، لأن ذكر الله تعالى يضعف العين أو يمنعها عند وجود الشروط وانتفاء الموانع .
والقاعدة : الشريعة لا تفرق بين متماثلين ولا تجمع بين متفرقين ، والعلة هي الإعجاب بالشيء الذي بسببه تقع العين ، ويستوي في ذلك ماكان ملكاً للغير أو للذات.
والقاعدة : الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
وإذا كان المراد هو ذكر الله تعالى في إزالة أثر العين ، كان تقييده بما ورد فيه على سبيل الاستحباب، لأن المطلق إذا قيد بقيود متعارضة ، تساقطت القيود وبقي المطلق على إطلاقه، علما بأن الدعاء بالبركة عند الإعجاب بالشيء ورد فيما كان للذات من النعم أو كانت للغير- كما سبق -، وذكر : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ورد فيما إذا كانت النعمة على الذات، فيقاس عليه ما إذا كانت للغير ، بجامع الإعجاب بالشيء الذي يكون سبباً لحدوث العين ، والله تعالى أعلم .
كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق