إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

الاثنين، 15 فبراير 2021

المحاضرة الثالثة في فقه المعاملات المالية// لفضيلة الشيخ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي.


المحاضرة الثالثة في فقه المعاملات المالية. 

————-

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

 

* حكم البيع:

الأصل في البيوع: الحل وقد تطرأ عليه الأحكام التكليفيه الخمسة التي هي:

1- المندوب.

2- والاستحباب. 

3- والاباحة.

4- والكراهية. 

5- والتحريم.

بحسب ما يترتب عليه من المصالح والمفاسد والذي يدل على أن الأصل فيه هو الحل هو في قوله تعالى: ((و أحل الله البيع وحرم الربا)). وقال تعالى: ((سخر لكم مافي السموات وما في الأرض جميعا منه)). 

وهذه الأدلة تدل على مشروعية البيع والأصل فيه الحل. 

ولما حرم الله عز وجل الربا،  اعترض المشركون، فقالوا: البيع مثل الربا،  فقال الله عز وجل: ((وأحل الله البيع وحرم الربا 

فمن جاءته موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف  وأمره إلى الله)).

 

قد يكون البيعُ محرماً فيما إذا ترتب على هذا البيع مفسدة، بناء على غلبة الظن أو يقيناً.


وقد روى في ذلك حديث في سنده ضعف: (من باع العنب لمن يتخذه خمراً فقد تقحم نار جهنم على بصيرة).

 

(قاعدة)

بيع المباحات لمن يغلب على ظنه أو يتيقنه  استخدامه في حرام فهو حرام. 

 

فمثلا الشاشات أو الجوالات هذه الأصل فيها الحل ولكن عندما تبيع هذا الرجل أو هذه المرأة أو هذا الغير ويغلب على ظنك أنه يستخدمه في حرام؛ فبيعك له حرام.

بيع التلفاز نقول الأصل فيه الحل، ولكن عندما يأتيك إنسان يغلب على ظنك أنه يستخدمه في حرام فبيعك له حرام.

سواء كان هذا غلبة ظن أو يقيناً؛ لأن القاعدة: غلبة الظن تنزل منزلة اليقين.

أما بيع المحرمات هذا حرام من أصله.

و بيع المباح لمن اتخذه في حرام فبيعه له حرام.

وقد يكون بيعه واجب لمن يتعين عليه  كمن لا يتم فكاكه من الهلكة إلا ببيعه الماء.

وقد يستحب لك بيعه، بحيث ينتفع المشتري، ولا ضرر عليك في ذلك.


 والقاعدة: كل مافيه منفعة لغيرك ولا ضرر عليك فيه، فطاعة الغير فيه غير واجبة.

بل يستحب لك استجابة طلب أخيك فيما ينتفع به ولا ضرر عليك فيه. 


قال صلى الله عليه وسلم: (لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره).

فإذا كان هذا الرجل لو لم تبعه هذا الماء لعطش وهلك لبيعك له واجب، وقد يكون في ذلك أمرا مستحباً، كأن تعلم بأن هذا الإنسان يستعين على هذا الشيء الذي تبيعه في أمر مطلوب شرعاً؛ فإنه يكون بيعك له على سبيل الاستحباب في ما إذا كانت نيتك لله عز وجل أي كنت محتسباً في هذا البيع.

وإذا استوى الطرفان ولا مرجح فالأصل فيه الحل وهو الجواز، وإذا كان يغلب على ظنك أن هذا الرجل يستخدم هذا الشي في أمر مكروه فإن بيعك له مكروه.

إذاً يختلف ذلك بحسب المفاسد والمصالح في كل أمرٍ بحسبه ولكن الأصل في ذلك الحل والقاعدة هي: بيع المباح لمن يتخذه في حرام فبيعك له حرام، سواء كان هذا العلم يقينا أو غلبة للظن لأن غلبة الظن تنزل منزلة اليقين.

 ———


*  رابعاً: أركان البيع: 

 

1- الصيغة: والقاعدة: العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.

فإن البيع يجوز أيضاً بالمعاطاة. كما وضحنا سابقاً.


2- العاقدان: أي: البائع، والمشتري.


3- المعقود عليه: قد بينا ذلك في ما مضى.

 ———

 *  خامساً: شروط عقد البيع إجمالا:

 فقد تقدم الكلام عنها بالتفصيل ولكن الآن نذكر شروط عقد البيع:

1- رضى المتعاقدين أي البائع والمشتري فإذا كان ذلك على سبيل الكراهة بغير حق لم يكن ذلك جائزاً.

 وإذا كان الإكراه بحق فإن ذلك يكون جائزاً وقد سبق أن بينا ذلك.

 

2- توفر أهلية الأداء في المتعاقدين -وسبق بينا أن الأهلية تنقسم الى ثلاث أقسام أن يكون الإنسان تام الأهلية أو يكون ناقصَ الأهلية أو يكون فاقداً للأهلية-.

 

3- أن يملك كلٌّ من المتعاقدين التصرف في المعقود عليه، أو يكون وليا أو وكيلا؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تبع ما ليس عندك).

بهذا نعرف أن الذين يشترون في بيع المرابحة للآمر بالشراء يذهبون يشترون العقار من صاحب العمارة ويدفع له عربوناً ثم بعد ذلك يأتي بالبنك ليشتري له، وهذا خطأ وأمرٌ محرمٌ،  فلا يجوز؛ لأن هذا الرجل يريد أن يشتري ممن لا يملك بعد، فالمصرف لم يتملك بعد، فكيف يشتري ممن لا يملك، فالشراء لا يكون إلا ممن يملك، فهذه الطريقة نوع من التحايل على الربا ولا يجوز.

 

4- أن يكون المعقودُ عليه معلوما، لا مجهولا.

لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن الغرر) -وقد سبق إيضاحه-.  

 

5- أن يكون المعقودُ عليه موجودا، لا معدوماً -وقد سبق أن بيناه-. 

هذا في بيع معين أما في بيع الأوصاف، مثل السلم لا يشترط أن يكون موجوداً -وقد بينا شروط السلم- فيما مضى لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم).

 

٦- أن يكون المعقود عليه مقدوراً على تسليمه -وسبق أن بينا ذلك ووضحناه؛ وقلنا: أن يكون الإنسان قادراً على تسليمه، وقد يكون في معنى القادر على التسليم لأن القاعدة: إذا تعارض اللفظ والمعنى قدم المعنى إذا ظهر، وإن لم يظهر فإتباع اللفظ أولى-.

 فإذا قلنا: إنسان يبيع عبده الشارد.

فإذا كان عبده شارداً فإنه لا يجوز بيعه وهو شارد إلا إذا كانت عنده القدرة على  أن يأتي به حينئذ، لكون ذلك في معنى القدرة على التسليم، فلم يكن قادراً الآن لكنه في معنى المقدور عليه فإذا كان الأمر كذلك: نقول هنا إذا كان في معنى المقدور عليه عندنا في ذلك قاعدة: إذا تعارض اللفظ والمعنى قدم المعنى إذا ظهر وإن لم يظهر فاتباع اللفظ أولى. 

فإذا كان ذلك الرجل قادراً على التسليم نقول: المنصوص عليه وما في معناه حكمهما واحد، فيكون هذا في حكم القادر على التسليم، وإن لم يكن قادراً عليه في وقته ولكنه في معنى القادر عليه فإذا كان الأمر كذلك فإن من نظر للفظ قال: لا يجوز، ومن نظر للمعنى قال: يجوز. 

 والقاعدة: الأصل في الأحكام الشرعية التعليل.

وبما أن العلة هي التسليم وهذا الرجل قادر على التسليم أو في حكم القادر على التسليم فعند ذلك نقول يجوز أخذاً  بالمعنى.

وتعارض اللفظ والمعنى  وارد في النصوص الشرعية، فمثلاً النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة)، فلما انطلقو أدركهم المغرب قبل أن يصلوا بني قريظة، فمنهم من قال نصلي في الوقت قبل أن يخرج لما ضاق عليهم الوقت نصلي العصر في وقته لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد منهم الإسراع، فصلى بعض الصحابة في الوقت وقالوا مراده ﷺ أننا نسارع إلى الذهاب إلى بني قريظة ولا نؤخرها، وآخرون: أخروها تبعاً لظاهر الأمر ولم يصلوها إلا بعد خروج وقت العصر.

من أخذوا بالمعنى قال: أراد منا أن ندرك العصر في بني قريظة فإن لم ندرك نصلي العصر في وقته ثم نواصل وهذا أقرب.

 فهنا تعارض اللفظ والمعنى؛ فمن نظر إلى اللفظ قال لا نصلي العصر إلا في بني قريظة ولو خرج وقت العصر، ومن نظر إلى المعنى قال أراد منا الاسراع حتى نتمكن من صلاة العصر في بني قريظة فإن لم نتمكن نصلي العصر في الطريق ثم نواصل. وهنا تعارض اللفظ والمعنى والقاعدة: إذا تعارض اللفظ والمعنى قدم المعنى إذا ظهر، وإن لم يظهر فاتباع اللفظ أولى.

 

7- أن يكون المعقود عليه قابلا للعقد عليه شرعا -مباح-: فلا يصح أن يكون محرما فإذا كان المعقود عليه محرماً،  فإن هذا البيع لا يصح -وقد سبق شرحه وإيضاحه-. 

 ————-

 

* سادساً: الشروط في عقد البيع:

وهي: الشروط التي يضيفها المتعاقدان أو أحدهما في عقد البيع.

الشروط في عقد البيع تعرف بأنها: إلزام أحد المتعاقدين الآخر بسبب العقد ما له فيه منفعة -أي: غرض صحيح-.

 فإذا شرطت ما لك فيه غرض صحيح ولم يخالف هذا الشرع فإنه في الحالة تلك يكون هذا الشرط شرطاً معتبراً شرعاً.


وتختلف الشروط في عقد البيع عن شروط عقد البيع من عدة أوجه: 

أولاً:

١- شروط عقد البيع.

٢- وشروط  في عقد البيع.

 

ما معنى ذلك؟ 

الأول:  أن واضع شروط البيع هو الشارع بينما الشرط في البيع يشترطه أحد المتعاقدين على الآخر.

 

ما معنى ذلك؟ يعني عندما نقول: شرط البيع يعني جاءت هذه الشروط من قبل الشارع.  

 

وعندما نقول: شرط في البيع معناه: هذه الشروط جاءت من المتعاقدين.


ثانياً: أن شروط البيع لا يصح إسقاطها لأنها جاءت من الشرع فلا تسقط في حال ما إذا كان الحق فيها لله تعالى.

أما الشروط في البيع فيمكن إسقاطها بتنازل من اشترطها -إذا كان الحق فيها للمخلوق-.

طبعا هذا إذا كانت هذه الشروط في البيع نقول هنا القسم الأول: الشروط في البيع جاءت من قبل الشارع فلا يسقطها أحد إلا إذا علمنا أن الشارع إنما جعلها من أجل حق أحد المتعاقدين أي الحقوق الآدمية.


والحقوق الآدمية تسقط بإسقاطهم، أما الشروط في البيع فهذه من المتعاقدين أو لأحدهما،  فتسقط بتنازل من له الشرط.


ثالثاً: أن شروط البيع لابد من توفرها قبل عقد البيع، بينما الشروط في البيع يمكن أن تكون قبل العقد ويمكن أن تكون فيه ويمكن أن تكون بعده، فالأولى شروط البيع من قبل الشارع فلا بد قبل أن يتم العقد على حسب ضوء العقد الشرعي.


رابعاً: إذا اختل شرط البيع فسد العقد، بينما إذا اختل أحد الشروط في البيع فإنه يثبت للمشترط الخيار ولا يفسد البيع.

  وقيل يثبت وله الأرش -والأرش: هو الفرق بين كون السلعه معيبة والسلعة سليمة-،  فمثلاً إذا قال: بعتك هذه السيارة بشرط أن لا تكون قد صدمت قبل ذلك -يعني لا تكون مسمكرة-، مثلاً قال:  بعتك هذه السيارة،  قال: اشتريتها بشرط ألا تكون مصدومة قبل ذلك يعني أحيانا تصدم السيارة ثم تدخل الورشة وتصلح ولا يتبين العيب،  فإذا صدمت السيارة هذا يؤثر على السيارة حتى وإن تم إصلاحها فماذا يفعل إذا شرط هذا الشرط قال قبلت قال قد اشتريتها بعشرة آلاف ثم أخذ السياره ثم بعد يومين أو ثلاثه أيام أو أكثر تبين أن السيارة قد صدمت قبل ذلك، فنقول: المشتري بالخيار إن شئت أمضيت البيع وإن شئت فسخت البيع.

 فإن قال أنا أريد السيارة ولكن أريد الأرش يعني الفرق بين كونها قد صدمت وكونها لم تصدم، والفرق ألفين،  نقول:  لا نعطيك الأرش حتى يتعذر الرد، إما تترك السيارة أو تأخذها بدون أرش إلا إذا تراضيا على ذلك.


فاذا تعذر الرد يكون لك الأرش،  وأما إذا لم يتعذر الرد  لا يثبت الأرش إلا بتراضيهما أو الرد.


ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد أن يحلبها، فهو بخير النظرين، إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر). 

صاع من تمر قيمة الحليب الذي ‏حلبه بعد أن أخذ هذه الشاة المحفلة أو  الناقة.


 فالشاة تترك حتى ينتفخ الضرع فيأتي الإنسان يشتريها بسعر عال،  يظن أنها حلوب وهي ليست حلوباً، وإنما تركت حتى ينتفخ ضرعها باللبن ثم بعد ذلك بيعت فمن يراها يظن أنها حلوباً وهي ليست كذلك.

ويدل على ذلك أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلقوا الجلب فمن تلقى الجلب فإذا أتى  سيده السوق فهو بالخيار).

‏لا تلقوا الجلب: يعني لا تخرجوا من السوق ‏وتتلقوا القادم لبيع سلعته فإنك إن فعلت ذلك فإنك‏ فعلت حراماً، لا يجوز ‏لما فيه من ضرر لهذا الرجل الذي قدم لبيع سلعته فأنت تعرف سعر  السوق اليوم -هذه السلعة بخمس مائة أو بألف ريال- ولكنك تذهب وتستقبله عند دخوله للمدينة التي قدم لأجل بيع السلعة فيها من أجل أن تأخذها بثمن بخس ثم تبيعها بالسوق بثمن أكثر منه فهذا فيه نوع من الغبن لهذا قال الرسول: (لا تلقو الجلب)،  الذي يجلب ويقدم لبيع سلعته يأتي بها من أجل أن يبيعها في السوق قال النبي صلى الله عليه: (لا تلقو الجلب فمن تلقى الجلب فإذا أتى سيده السوق) وسيده هنا المراد به البائع فهو بالخيار.

والقاعدة: ما نهي عنه لظلم أحد المتعاقدين، فالمظلوم بالخيار بين الفسخ والإمضاء.

—————-

 

* الفروق بين شروط البيع، والشروط في البيع:

 

١- شروط البيع من قبل الشارع، والشروط في البيع من قبل المتعاقدين الآدميين.

٢- شروط البيع لا يصح إسقاطها إلا إذا علمنا أن الشرط من أجل حق المخلوق، وأما الشروط في البيع فيمكن إسقاطها لمن له حق الشرط.

٣- وكذلك أيضا من الفروق أن شروط البيع لابد من توفرها قبل العقد، بينما الشروط في البيع يمكن أن تكون في العقد أو قبله أو بعده.

٤- وأيضا شروط البيع إذا اختل شرط فسد العقد؛ لأن الشرط ما لا يتم العقد إلا به، وأما الشروط في البيع يكون للمشترط الخيار هذا إذا لم يعلم المشترط بأن  شرطه باطل، فإذا علم،  يجوز اشتراط الشرط  لتحقيق بطلانه؛ ويدل على ذلك ما جاء في حديث عائشة، قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية، فأعينيني، فقالت: إن شاء أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها، فقالت لهم فأبوا عليها، فجاءت إلى عائشة، فأخبرتها، فقالت: إني عرضت ذلك عليهم، فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء، فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "خذيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق"، ففعلت عائشة، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد، فما بال رجالٍ يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق".

 ———-

 

*  الاصل في الشروط: هو الصحة واللزوم لكل من طرفي العقد أن يضيف على أصل  العقد شرطاً يلتزم بهذا الشرط الطرف الآخر.

فهل الأصل في الشروط الصحة أم الأصل: عدم الصحة؟

الأقرب: أن الأصل في الشروط الصحة.


* وذهب بعض أهل العلم أو كثير من أهل العلم أن الأصل في الشروط عدم الصحة إلا ما دل الدليل على صحته والذين ذهبوا إلى هذا القول:


استدلوا: 

 ١- بقول الرسول  صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ‏وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق و إنما الولاء لمن اعتق).

 

٢- حديث: (لا يحل سلف في بيع، ولا شرط في بيع). 

 

٣- وحديث: (ولا شرطان في بيع).

 

وهذه الأدلة ليس فيها دليل أن هذا هو الأصل.

والجواب عن الدليل الأول: أن المراد به: ليس في كتاب الله لا بعمومه ولا بخصوصه. 

 

والجواب عن الدليل الثاني: أن  المراد بالشرط فيه: هو الشرط الفاسد فإنه لا يكون حلالاً ولا يجوز  اشتراطه.

 

والجواب عن الدليل الثالث: على فرض صحتة، فإن المراد به:  الشرطان اللذان إذا اجتمعا فإنهما يفسدان العقد،  ‏مثاله: أن يقول الرجل زوجني موليتك -يعني زوجني المرأة التي أنت وليها-، قال: أزوجك موليتي بشرط أن تزوجني موليتك ولا مهر بينهما؛ هذا يسمى في الاسلام الشغار، قال: صلى الله عليه وسلم: (لا شغار في الإسلام).

فنكاح الشغار منهي عنه شرعاً، ولا يصح.

فالمراد هنا  بـ(شرطان) هما اللذان إذا اجتمعا  أفسدا  العقد فيكون هذا غير جائز.

 

والقول الثاني -وهو الأقرب في نظري والعلم عند الله تعالى-: أن الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دل  الدليل على تحريمه، وعدم انعقاده والذي يدل على أن الأصل في الشروط الصحة الأدلة التالية:

١- قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، ومن ‏الوفاء بالعقد الوفاء بما شرط فيه.

 

٢- عن عمرو بن عوف المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون على شروطهم،  إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراما)، وهذا حديث تكلم فيه بعض أهل العلم وحسنه بعضهم.


٣- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن  أحق ما أوفيتم به من الشروط؛ ما استحللتم به الفروج)، فدل على أن الأصل في الشروط الصحة، ومن أعظمها ما استحللنا به الفروج. 


٤-  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون على شروطهم".


والأدلة على ذلك كثيرة فالأصل في الشروط في سائر العقود هي الصحة ولكن هناك استثناءات من هذا الشرط.

ومتى يكون الشرط فاسداً؟ يكون الشرط فاسد إذا كان مخالف للشرع فإن هذا أمر محرم لا يجوز؛ مثل أن يقول: أضارب معك -أي: أعطيك مالاً لتضارب به- وعلى أن يكون الضمان عليك -أي: أنت العامل-، يعني يعطيك مئة الف ريال وإذا كانت خسارة فهي عليك وهذا الشرط مخالف للشرع؛ لأن القاعده في الشركات: أن الربح يكون من نصيبهما، أما الخسارة تكون على صاحب المال في ماله وصاحب العمل في عمله، فإذا كان المال مشارك فيه فإن كل واحد منها أو لا يكون عليها من خسارة بحسب نسبته ونصيبه وسهمه من رأس المال. 

فلو اشترك الاثنان على أن يعطوا زيداً مائة ألف ريال -هناك اثنان واحد زيد وواحد عمر- كل واحد دفع لخالد مائة ألف، وقالوا: لخالد إذا خسرت فالخسارة تكون عليك وإذا ربحت فلك النصف ولنا النصف -يعني كل واحد يأخذ الربع- هذا حرام لا يجوز؛ لأن الربح يكون بحسب الاتفاق الذي بينكم بنصيب المشاع بالربع والثمن والنص ولا أقول خمسة الاف والباقي لك أو عشرة الاف والباقي لك ونحو ذلك-. 

الخسارة تكون على صاحب المال بماله وصاحب العمل بعمله، فإذا تمت الخسارة فإن العامل لا تكون عليه خسارة إلا عمله؛ لأنه لم يشارك إلا بعمله، والاخران تكون عليهما خسارة نصف ماله -لماذا-؛ لأن الخسارة على صاحب المال في ماله وعلى صاحب العمل في عمله.

 

وكذلك أيضاً من الشروط الفاسدة:

الشرط المخالف للشرع: كاشتراط القرض أفضل منه؛ أقول أعطيك مائة ألف ريال قرضاً إلى سنة، على أن ترد علي  ومائة ألف وألف أو مئتي ألف، أو تدفع رسوم اشتراك مثل بطاقة الفيزا إذا كانت ليست من الدفع المسبق، يقول: تأخذ عشرة آلاف يعطيك بطاقة فيزاعلى أن تدفع ثلاث مائة ريال رسوم إدارية أحيانا يسمونها اشتراك فهذا يكون تكييفها أن تأخذ عشرة، وترد عشرة آلاف وثلاث مائة؛ فهذا شرط فاسد لا يجوز -ربا-.

اذاً كل شرط خالف الشرع هو محرم. 

 

أيضا من الشروط الفاسدة أن يكون الشرط مخالف للمقصود من العقد؛ والمقصود من العقد: هو ما قصده الشارع من وضع هذا العقد، مثل انتقال الملكية وملك التصرف المبيع فهذا يحرم الشرط يعني هذا يكون به الشرط حرام مثل أن يشترط بالبيع عدم انتقال الملكية للمشتري هذا المقصود الشارع من البيع أو يشترط من الاجارة عدم انتفاع المستأجر هذا يخالف مقصود الشارع، إذا خالف مقصود الشارع من كل جانب فهذا لا شك أن هذا الشرط باطل؛ مثل أن أقول: أبيعك هذه السيارة بشرط ألا تنتفع بها بأي وجه من وجوه الانتفاع هذا مخالف بمقصود الشارع فيكون هذا الشرط باطل، أو يكون الشرط مخالفاً للمقصود الأعظم من هذا العقد. 

 

متى يكون الشرط فاسداً نقول: 

أولاً: اذا خالف الكتاب والسنة، يعني اذا خالف الشرع.

 

ثانياً: إذا خالف مقتضى العقد من كل جانب؛ مثل أن أقول بعتك السلعة بشرط ألا تنتفع بها.

 

ثالثاً: إذا كان مخالفاً للمقصود الأعظم والأهم من العقد؛ مثل: أخذ الإنسان  دورةً تدريبيةً من أجل أن يدرب، فيقول نعطيك هذه الدورة بشرط ألا تدرب أحداً، فنقول هنا هذا خالف المقصود الأعظم من العقد -والمقصود الأعظم هو أنك إذا تدربتَ تُدَرِّب.

 

رابعاً: إذا كان فيه نفع للمشروط عليه، ولم يكن فيه مضرة على المشترط. 

 إذا كان مخالفاً المقصود الأعظم من العقد فإنه في الحالة تلك يكون السبب غيرَ معتبر؛ ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاتعمروا ولا ترقبوا، فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له حياته ومماته). 

ما معنى العمرة أو الرُقبة؟ 

هي الهبة طول العمر؛ يقول هذه السيارة هبة لك طول العمر حتى تموت فإذا مت فهي لي؛ 

وسميت عمرة لأنها تتعلق بالعمر، (ولا ترقبوا)، وسميت هبة بهذا القيد؛ لأن كل واحد منهما يرتقب موت الآخر بما أن هذا الشرط الرجوع في الهبة بعد هذا العمر، فنقول هذا باطل إذا وهبت أنساناً فشرطك عليه في هذه الهبة غير معتبر. 

 

وكذلك قلنا بالأمر الرابع؛ إذا كان فيه نفع للمشروط عليه ولا يكون فيه مضرة على المشترط، مثل: رجلٌ قال تعمل عندي بالشهر بخمسة آلاف ريال بشرط ألا تؤجر نفسك لأحد فجاء هذا الرجل بهذا الوقت رجل وطلب منه أن يكتب له معروضاً أو كتاباً أو برقيةً بمائة ريال؟

قلنا: يجوز أن تؤجر نفسك إذا كان فيه منفعة لك ولا يتضرر من استأجرك؛ يعني كل ما كان فيه نفعه لك ولا ضرر على غيرك فيه فطاعة الغير فيه غير واجبة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: (لا يمنع جار جاره أن يغرس خشبة في جداره). 

يعني إذا كان لجارك جدار فوضع في جدارك خشبة أو ليسه أو أجرى فيه اسلاك كهرباء أو مما نحو ذلك مما ينتفع جارك ولا تتضرر أنت لا يجوز لك أن تمنعه منه، فقلنا كل مافيه نفع للمشروط عليه ولا يكون فيه ضرر على المشترط فإن هذا الشرط لا يكون لازم كما بيناه الان. 

 

مقصود العقد وما قصده الشارع من وضع هذا العقد قبل انتقال الملكية وملك التصرف في المبيع  فهذا يحرم الشرط في إذن المشترط في البيع عدم انتقال الملكية للمشتري أو في الإجارة عدم انتفاع المستاجر. 

 

وينبغي أن يفرق بين الشروط التي تخالف مقصود العقد، والشروط التي تخالف مقتضى العقد دون أن تخالف مقصوده؛ لأن مقتضى العقد ما يقتضيه العقد من آثار؛ مثل انتقال الملكية هذا مقتضى العقد وحرية التصرف، لكن مقتضى العقد أوسع من المقصود منه فيدخل فيه المقصود أساساً من العقد وما هو من الجزئيات التي يمكن يوجد المقصود الأساسي من دونها؛ مثال: لو شرط البائع المشتري أنه متى رغب فالبيع فإن البائع القديم يكون أحق بالشراء هذا لا يخالف المقصود بالعقد ولا يخالف المقصود الأعظم بالعقد؛ لأن الملكية انتقلت والتصرف متاح لكن الشرط قيد التصرف دون أن يبطله بكلية.

 

أنواع الشروط في البيع: تنقسم إلى خمسة أنواع:

 

النوع الأول/ ما هو من مقتضى العقد: 

كاشتراط التسليم، وخيار المجلس، والتقابض في الحال، والرد بالعيب؛ فهذا وجوده كعدمه، لا يفيد حكما ولا يؤثر في العقد؛ لأنها من صلب العقد.

-نقول هذه شروط تؤكد ما جاء به العقد الشرعي-.

يعني تؤكد مقتضى العقد الشرعي يعني إذا اشتريت شيء يقتضي أن يسلم لي ذلك الشيء ويقتضي إن كان العقد بالمجلس أن يكون له خيار مجلسٍ؛ فهذه كلها من مقتضيات العقد فلا تزيدها إلا تأكيداً.

ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا بعت قل لا خلابة) أي: لا خديعة. 

نقول هذه الشروط جائرة لأنها تؤكد مقتضى العقد مع أنه حتى وإنه لم يقل لا خلابة فإن إذا كان مضمون له الخيار هنا ما هو من مقتضى العقد، فهذا نقول لا يزيد اشتراطه إلا تأكيداً.

 

النوع الثاني/ ماتتعلق به مصلحة العاقدين:

كالأجل، وخيار الشرط، والرهن، والضمين، والشهادة، وكاشتراط صفة مقصودة في المبيع، مثل كون الدابة سريعة، ونحو ذلك، فهذا شرط جائز يلزم الوفاء به. ولا خلاف بين أهل العلم في صحة هذين النوعين.

المرأة تقول للزوج أوافق عليك بشرط أن تنفق علي،  بشرط أن تنفق علي حتى وإن لم تقل فإنه واجب ويلزمه أن ينفق عليها، ولكنها قالت أن تسكنني في مكان يليق بي نقول نعم هذا أيضاً من مقتضيات عقد النكاح حتى وإن لم يتم شرطه فإنه من شروط الشارع. 

 

النوع الثالث/ اشتراط ما ينافي مقتضى البيع: مثل أن يشترط أن لا يبيع المباع، ولا يهبه، أو يشترط عليه أن يبيعه، أو يقفه. وقد اختلف العلماء في حكم هذا النوع من الشروط، على قولين:

القول الأول: أن الشرط فاسد، وهو مذهب الجمهور. ومن أدلتهم: ما روت عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة رضي الله عنها أن النبي قال:"من اشتراط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وان كان مائة شرط"، متفق عليه. 


ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله حكم ببطلان اشتراط الولاء لغير المعتق فيقاس عليه سائر الشروط، التي تنافي مقتضى العقد الشرعي؛ لأنها بمعنى المنصوص عليه.

والقاعدة: المنصوص عليه وما في معناه حكمهما واحد.

وهذا أقرب: فما ينافي مقتضى البيع مثل أن يشترط ألا يبيع المباع أو لا يهبه أو يشترط عليه أن يبيعه أو يوقفه ونحو ذلك. 

مخالف لمقتضى النص الشرعي من تصرف الإنسان فيما ملكه؛ لدخوله في ملكه.


  القول الثاني: أن الأصل في مثل هذا النوع من الشرط الصحة.  

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم".


والجواب: أن النص العام يخصص عنه ما ورد النص بتخصيصه وعدم صحته من الشروط، أو كان في معنى ما استثناه النص الشرعي.


النوع الرابع/ اشتراط منفعة معلومة في المبيع:

كاشتراط البائع سكنى الدار المبيعة شهرا، وكذا اشتراط المشتري نفعا من البائع في مبيع، كأن يشترط المشتري على البائع حمل الحطب المباع أو تكسيره. والصحيح هو جواز هذا الشرط؛ لأن الأصل في الشروط هو الحل.

 

 ولما روى جابر: "أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فأراد أن يسيبه قال: ولحقني النبي  فدعا لي وضربه فسار سيرا لم يسر مثله، فقال: "بعنيه"، فقلت: لا، ثم قال: "بعنيه"، فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلي". 


وقيل بأن هذا النوع لا يصح؛ لحديث "نهى عن بيع وشرط"، ولكن الحديث ضعيف لا يثبت وعلى فرض صحته فإن المراد: هو بيعه وشرط  فيه شرطاً يخالف الشرع.


النوع الخامس/ أن يشترط عقدا في عقد:

نحو أن يبيعه شيئا بشرط أن يبيعه شيئا آخر، أو يشتري منه، أو يؤجره. والصحيح هو صحة هذا الشرط، وأما "النهي عن البيعتين في بيعة" فلا يشمل هذه الصورة؛ لأن المقصود بيع العينة، أو اجتماع بيعتين في اجتماعهما محظوراً  شرعياً.

ولهذا يحرم أن يجمع بين السلف و البيع؛ لحديث: "لا يحل بيع وسلف". 

ولأن اجتماعهما قد يجعل البائع يحابي المقرض في الثمن لأجل القرض إذا شرط عقداً  في عقد، والصحيح له لا بأس إلا إذا ترتب على  اشتراط عقد في عقد محظوراً شرعياً، كبيع العينة، فإذا قال أبيعك هذه السيارة بمائة الف مؤجلة بعد سنة على أن تبيعني إياها بثمانين الف، هذا حرام.

 ما يجوز، يعتبر بيع عينة.

 أو كان ذلك سلف وبيع: مثل أبيعك هذه العمارة التي قيمتها مليونين أبيعك إياها بمليون بشرط أن تقرضني ثلاثة ملايين نقول هذا ما يجوز، لأنه يترتب عليه قرض جر منفعة،  وكل قرض جر منفعة فهو ربا.

 

خلاصة الشروط في البيع: [أن الأصل صحة الشروط إلا  ما خالف الشرع، أو  أدى إلى محرم، أو خالف مقصود العقد، أو كان مخالفاً لمقتضى العقد، أو يكون فيه منفعة للمشروط عليه  ولا ضرر على المشترط؛  فعندئذ نقول إن هذا شرط غير لازم.

والله تعالى أعلم.

 

محاضرة الشيخ الدكتور/ محمد سعد العصيمي. 

 

كتابة الطالبة/ منار بنت سعود بن سعيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت