إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

الاثنين، 15 فبراير 2021

المحاضرة الرابعة في المعاملات المالية// لفضيلة الشيخ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي -حفظه الله-.


 المحاضرة الرابعة في المعاملات المالية.

——————

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

١- مسألة: هل يجوز تعدد الشروط:

الجواب: قيل لا يصح أكثر من شرط؛ لحديث: (لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع).

والصحيح جواز ذلك وأما هذا الحديث: (ولا شرطان في بيع)؛ فالمراد ما إذا كان في اجتماعهما محظوراً شرعيًا فإنه لا يجوز، أما إذا لم يكن فلا بأس أو كان هذا الاجتماع يؤدي إلى التحايل على المحرم فيحرم الشرطان وإن كان كل منهما مباحا على انفراده وذلك كمسألة العينة: (مثال العينة) مثلا: أقول لك أبيعك هذه السيارة بمائة ألف بعد سنة على أن أشتريها منك بثمانين نقداً فيعطيه الثمانين ويثبت في ذمة الآخر مائة فهذا تحايل على الربا فكان هذان الشرطان يؤديان إلى وقوع المحظور الشرعي أو التحايل على المحرم فيكون ذلك محرما؛ لأن الأصل في ذلك صحة الشروط كما ذكرنا في الأدلة السابقة قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم)، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أوفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج).

٢- مسألة: هل يفسد العقد باقتران الشرط الفاسد به:

هذا سبق بيانه وقلنا إن الشرط إما أن يعود على أصل العقد بالإفساد، أو يترتب عليه خلل، أو يترتب عليه فوات ركن، أو يترتب عليه وجود مانع، فإذا كان كذلك فإن الشرط يكون فاسداً مفسداً للعقد وأما إذا كان الفساد مختصاً بذات الشرط ويعود على أصل العقد بالإبطال فإن الأصل فساد الشرط وصحة العقد وهذا الشرط الفاسد غير المفسد للعقد ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: الشرط الذي يعلم المشترط ببطلانه، فهذا يجوز اشتراطه لتحقيق بطلانه.


القسم الثاني: الشرط الذي لا يعلم المشترط ببطلانه.

فيكون للمشترط الخيار بين الإمضاء والفسخ إذا علم ببطلان الشرط ولكن المذهب عند الحنفية والحنابلة في الرواية المشهورة أنه يصح العقد ويفسد الشرط لحديث عائشة في قصة بريرة حين اشترط أهلها في بيعها أن يكون الولاء لهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق)، فيصح العقد ويبطل الشرط.

 

٣- مسألة: البيع المعلق:

مثاله: أن يقول شخص لك بعتك كذا إن جئتني، أو إن رضي زيد، أو اشتريت كذا إن جئتني.

 ذهب المالكية إلى صحة تعليق العقد؛ لأن الأصل في العقود والشروط الصحة ما لم تخالف الشرع، وليس في شرط التعليق ما يخالف أحكام الشرع -وهذا هو القول الراجح-.

وذهب الحنابلة وبعض أهل العلم أن البيع المعلق لا يصح لما فيه من إشغال للذمم بلا تسليم ثمن أو مثمن، ويدخلونه في بيع الكاليء بالكاليء -وقد سبق أن بينا أن بيع الكاليء  بالكاليء إنما يكون محرما في حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون رأس مال  في السلم مؤجلاً. غير مقبوض في مجلس العقد.

الحالة الثانية: أن يكون بيع الكاليء  بالكاليء المؤخر الذي لم يقبض في الأموال التي يجري فيها الربا ويشترط فيها التقابض في مجلس العقد كما سبق بيانه وإيضاحه-.


٤- مسألة: بيع العربون:

صورة بيع العربون: أن تشتري السلعة وتدفع جزءاً من قيمتها للبائع على أنك إذا تراجعت تكون له.

اختلف العلماء في بيع العربون على قولين:

القول الأول: لا يصح بيع العربون.

أدلة القول الأول:

أ- استدلواعلى ذلك بما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان" وهذا الحديث ضعيف.

ب- أن في بيع العربون غرر وجهالة؛ وذلك لأن فيه جهالة تحديد مدة إمضاء البيع أو  فسخه.

ج- أن فيه أكل لأموال الناس بالباطل لأن البائع يتملك ما دفعه المشتري بلا عوض إذا اختار ترك البيع.

ونوقش بأن من شروط صحة بيع العربون أن يكون الرد مؤقتا بمدة معلومة فتنتفي الجهالة حينئذ.

وأن قولهم: بغير عوض غير صحيح، فأخذ العربون إنما هو لدفع الضرر الواقع على البائع بحبس السلعة عن عرضها للشراء بما قد يكون أكثر غبطة.


القول الثاني: يصح بيع العربون.

وهذا مذهب الحنابلة إلا أنهم اختلفوا هل يشترط تأقيته بمدة معينة أم لا؟

والمشهور في المذهب أنه لا يشترط تأقيته واستدل أصحاب هذا القول بما روي أن نافع بن عبد الحارث رضي الله عنه اشترى دارا للسجن من صفوان بن أمية رضي الله عنه بأربعة آلاف درهم قال: فإن رضي عمر فالبيع له وإن لم يرض فأربعمائة لصفوان.

* الراجح:

أن بيع العربون جائز بشرط تحديد المدة لفظاً أو عرفاً حتى لا يقع الغرر؛ لأن من الناس من يشتري ويعلق السلعة فيضع العربون ثم يذهب ويتركها سنوات طويلة أو نحو ذلك فهذا لا يجوز، لابد من تحديد مدة؛ لفظية، أو عرفية؛ لأن الأصل في الشروط هو الحل ويشترط أن يكون مؤقتا بأجل معلوم لأنه لو لم يؤقت لكان في ذلك جهالة وغررا، فبيع العربون من البيوع الجائزة والأصل في ذلك هو الجواز ولأن البائع قد حبس السلعة للمشتري فيكون قد فوت فرص البيع فيكون هذا هو السبب لأخذ العوض المدفوع -وهو الجزء المدفوع من الثمن-، ولأن ليس في ذلك غرراً وجهالة ويستأنس لذلك ما فعله والي مكة من قبل عمر رضي الله عنه أنه اشترى دارا  من صفوان بن أمية فإن رضي عمر وإلا فله كذا وكذا مما يدل أن البيع جائز، ولكن بشرط لابد من تحديد مدة محددة في التوقيت متى يكون فإما أن يكمل الثمن أو يذهب عنه هذا العوض الذي دفعه للبائع.


٥- مسألة: هل يصح البيع في البيوع المنهي عنها؟

البيوع الأصل فيها صحة البيع وإن الذي يقول بأن البيع غير صحيح يحتاج إلى دليل يدل على التحريم قال تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته)، وكان ذلك في عهد التشريع فقد نهوا عن كثرة الأسئلة حتى لا يحرج عليهم وعلى أمتهم فيكون الحرج بسبب أسئلتهم، أما بعد انقطاع الوحي فقد انتفت العلة التي من أجلها نهوا عن السؤال فلا بأس أن يسأل الإنسان عما أشكل عليه في أمر دينه.


أسباب النهي والتحريم للبيوع في الشريعة الإسلامية:

يرجع تحريم البيوع في الشريعة الإسلامية إلى ثلاثة أمور هي: 

الأمر الاول: الغرر.

الأمر الثاني: الربا.

الأمر الثالث: الضرر.

إذاً  هذه أصول المنع في البيوع المنهي عنها؛ إما الغرر، وإما الضرر، وإما الربا.

وبعض البيوع تحرم لحرمة المبيع في الشرع؛ كأن يكون نجسا أو مضرا كالخمر.

أو لأن البيع ذريعة للوقوع في الحرام؛ كمن يبيع العنب لمن يعلم أنه يصنع منه الخمر.


أولًا: الغرر.

الغرر: هو ما لا يعلم حصوله أو لا يعرف حقيقته ومقداره.

ويمكن أن يعرف: بأنه مجهول العاقبة.


والغرر: بيع مجهول العاقبة في أصل المال لا في ربحه، لنخرج التجارة؛ لأن أي شيء  تتاجر به فقد تخسر أو تربح. ولهذا قال بعضهم الغرر هو: كل معاملة تدور بين الغنم والغرم في أصل المال لا في ربحه -وهو مجهول العاقبة-، إذاً الغرر هو مجهول العاقبة أو ما لا يعلم حصوله، أو ما لا تعرف حقيقته ومقداره.


حكم الغرر:

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، وهذا في صحيح مسلم، والغرر حرام؛ لأنه من أكل أموال الناس بالباطل.

هل النهي في بيوع الغرر لحق الله أو لحق المخلوق؟

ما معنى ذلك؟ إذا قلنا من حق المخلوق يعني إذا أسقطه المخلوق سقط، وأما إذا قلنا أن النهي عنه لحق الله فإنه لو أسقطه المخلوق فإنه لا يسقط.

مثاله: هناك لعبة تسمى سابقا: (شختك بختك)، أو ما يسمى بلعبة الحظ وهذه اللعبة توضع مربعات -ثلاثون مربعا- وهذه المربعات تدفع ريالاً واحداً مثلا ثم تضرب ضربة واحدة في أحد هذه المربعات؛ فقد تضرب ضربة وتحصل على خمسة ريالات، وأحيانا تضرب ضربة تحصل على عشرة ريالات، وأحيانا تضرب ضربة فتحصل على صافرة، وأحيانا تضرب ضربة لا تجد شيئاً؛ إذا هذا مجهول العاقبة أو ما لا يعلم حصوله ولا تعرف حقيقته ولا مقداره هذا يسمى بيع الغرر، فإذا رضي الطرفان وقال كل منهما أنا راضٍ بذلك، قلنا لا يجوز -حرام- حتى وإن رضيت لأن الحق في الغرر لله وليس للمخلوق.


الحكمة من تحريم الغرر:

العقد مع الغرر يكون دائرا بين الغنم والغرم في أصل المال لا في ربحه فإذا غنم المشتري غرم البائع، وإذا غنم البائع غرم المشتري، أي: إذا غنم أحدهما غرم الآخر وفي ذلك أكل للمال بالباطل وحصول العداوة ببن الناس كما في الميسر.


الفرق بين الميسر والغرر:

الميسر يكون في اللعب والمغالبات والمسابقات، بينما الغرر يكون في المبايعات. والصحيح أنهما يشتركان في جهالة العاقبة، ولكن الميسر فيه مغالبة بينما الغرر لا تشترط فيه المغالبة.


أقسام المسابقات:

القسم الأول: ما يجوز من المسابقات بعوض؛ قال رسول الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر).

(لا سبق) بفتح الباء: أي لا مال مدفوع بمسابقة.

(نصل) النصل: الرمي والنصل المراد به المسابقة في الرمي.

(خف) المراد به: المسابقة على الإبل.

(حافر) المراد به: المسابقة على الخيل.

المسابقة في هذه الثلاث تجوز؛ بعوض من أحدهم، أو من غيرهم،  أو من غيرهم ومن أحدهم، أو منهم ومن غيرهم. هذه المسابقات على الإبل أو الخيل أو على الرمي أيهم يصيب الهدف فإنه يكون له مائة ألف ريال أو مليون ريال أو سيارة أو نحو ذلك فهذا جائز في هذه الثلاث فقط ويقاس عليها ما كان من آلات الجهاد في سبيل الله.

كالسباق على الطائرات ونحوها.


القسم الثاني: مايجوز من المسابقات بدون عوض فإن دخلها العوض فهي محرمة.

مثاله: المسابقة في المباحات.

الأدلة:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا سبق) أي: لا مال مدفوع بمسابقة، (إلا في النصل أ و خف أو حافر)،  فالمسابقة في المباحات ليست من هذه الثلاث ولا تقاس عليها.


الأمثلة:

١- لو صارع زيد عمرا وقال من صرع منا الآخر فله مائة ألف ريال؛ فإن هذا محرم ولا يجوز، أما مجرد المصارعة بدون عوض فهي جائزة.

٢- المسابقة بين فرقتين رياضية قالوا: نتسابق والفائز له مائة ألف أو لكل واحد منهم عشرة آلاف ريال فهذا لا يجوز وهو حرام، لكنها إذا كانت مسابقة رياضية مباحة غير محرمة بلا عوض كانت جائزة.

وقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم، وسابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة مرتين، فسبقته في الأولى، وسبقها في الثانية.


القسم الثالث: ما لا يجوز بعوض وبدون عوض.

-حشفاً وسوء كيلة- يعني محرم بدون عوض فإذا دخله العوض ازداد تحريما على تحريمه

مثاله: اللعب بالنرد أو البلوت، فهذه محرمة لما فيها من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة غالبا "فالعبرة بالجنس لا بالمفرد" هذه قاعدة: العبرة بالجنس لا بالمفرد.

 نقول هذه محرمة فإذا دخلت عليها المسابقة من فاز منهم فله كذا وكذا ازدادت تحريما على تحريمها.


أنواع الغرر:

أولا: عدم معرفة المعقود عليه.

مثل: أن يبيعه أحد السيارات في المعرض دون تحديد، أو يبيع الحمل في بطن الناقة؛ فإنه من المحتمل أن يخرج الحمل ذكراً أو أنثى، أو ميتاً او معيباً، وقد ورد النهي عن بيع الملامسة؛ وهو أن يقول البائع للمشتري أي ثوب لمسته فهو لك بكذا، والمنابذة؛ أي ثوب نبذته إلي فهو بكذا وكذلك نهى عن بيع الحصاة؛ وبيع الحصاة أن يقول ارم الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا وهذا كله محرم.

ثانيا: عدم تحديد الثمن.

مثل: قول البائع للمشتري أبيعك هذه السيارة ولم يحدد الثمن، فقد تكون بعشرة وقد تكون بعشرين وقد تكون بأكثر أو أقل؛ فهذا لا يجوز إلا إذا كان لها ثمن عرفي في السوق فيعرف ثمن السلعة بالعرف، أو كان ذلك الفرق يسيرا لا يضر -الفرق بين سعر البضاعة والسعر العرفي في السوق-.


ثالثا: بيع ما ليس عند الإنسان.

المقصود به: أن يبيع البائع ما لا يملكه في السوق ثم يسعى في تحصيل السلعة ليسلمها للمشتري وهذا لا يجوز.


رابعا: بيع المبيع الغير مقدور على تسليمه.

مثاله: الجمل الشارد ونحو ذلك.


ماهي شروط كون الغرر مؤثراً؟

١- أن يكون في عقود المعاوضات.

فإن كان في عقود التبرعات؛ مثل الإنسان يهدي لك هدية فقال: عندي لك هدية، فتقول: أنا لا أقبل هذه الهدية حتى أعرف ماهي وما صفاتها وما وزنها وما عددها حتى لا يقع الغرر، قلنا له هذا ليس فيه غرر. فعقود التبرعات ليس فيها غرر، فلو أن إنسانا قال: عندي لك هدية ثم أعطاه هدية مغلفة لا يعلم ما فيها قلنا هذا جائز؛ لأن هذا ليس فيه غرر، لأن هذا من عقود التبرعات وليس ذلك من عقود المعاوضات، وبهذا نستطيع أن نفرق بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري؛ فالتأمين التجاري نقول: ادفع في كل يوم خمسة ريالات أو ادفع في كل شهر ألف ريال وإذا حصل لك حادث فإنني أقوم بتحمل خسائر ذلك الحادث، فهذا لا يجوز لأن هذه معاوضة وليست تبرع. لكن لوجاء إنسان وقال: أنا أريد أن أفتح شركة أو صندوق ليس الهدف منها الربح وإنما نقول ادفع اشتراك شهري وإذا حصل ما تنطبق عليه بنود هذه الشركة لك أو لغيرك فإننا ندفع هذا المبلغ منه على أن نستثمره ونوظف فيه من يقوم بشؤونه، فيأتي الإنسان يشترك معه طوعاً، أو يدفع به الإكراه فنقول هذا تأمين تعاوني وليس تأميناً تجارياً؛ لأن هذا التعاوني غير مملوك لإنسان بعينه وإنما دفعه لوجه الله عز وجل لمن وقعت لديه مصيبة أو كارثة أو حادث وهو منهم وريعه وما ينتج منه لا يكون ملكا لأحد بعينه وإنما تقوم بنود هذه الشركة عند تأسيسها ووضع أسهم من أجل توظيف الناس فيها.

مثال: لو أن عمرا احترق بيته فأخذ بطانية زيد فكتم بها النار فأطفأها واحترقت بطانية زيد، هل يضمن عمرٌو هذه البطانية لزيدٍ أو لا يضمنها؟

يضمن عمرو هذه البطانية لزيد؛ لأنه دفع الإكراه بها، أي لأنه دفع الاضطرار بها فيضمن عمرو  لزيد بطانيته، ويكون الضمان بأن يأتي ببطانية مثلها، فإن لم توجد مثلها يدفع لزيد قيمتها. لكن لو أن زيدا أخذ بطانيته وكتم بها أنفاس عمرٍو حتى يموت فأشعل بها عمرٌو النار حتى ينجو من الهلاك هل يضمن عمرو هذه البطانية لزيد أم لا؟

لا يضمن عمرو البطانية لزيد؛ لأنه أحرقها حتى ينجو بنفسه. فلو أن إنسانا أجبرك أن تلبس ثوبا وأنت محرم لا فدية عليك، ولو قال: لا تمر حتى تلبس ثوبك، ففعلت: عليك الفدية، لأنك دفعت الإكراه بلبس الثوب، والأول: لا فدية عليك، لأنك مكره على لبس الثوب. ففرق بين الإكراه على الشيء ودفع الإكراه بالشيء.


مثلا: لو أن إنسانا وضع مسدسا في رأسك وقال: اشرب هذه القارورة -قارورة ماء- ليست ملكا له وإنما هي ملك لخالد فشربتها، فلا ضمان عليك؛ لأن الإنسان مكره على ذلك الشيء.

نضرب مثالاً أوضح: لو أن حيوانا -ناقة- هجمت عليك فلم تستطع أن تدفعها إلا بقتلها فقتلتها هل تضمن هذه الناقة لصاحبها؟

لا  تضمنها لصاحبها؛ لأن هذه الناقة هي التي هجمت عليك، ولأنك دفعت الإكراه عن نفسك. لكن إذا جاء العدو وأراد أن يرميك بالسهام فوضعت ناقة خالد بينك وبين السهام لتتقي السهام -أي: اتخذتها سترة- فإنك تضمن هذه الناقة لخالد؛ لأنك دفعت الإكراه عنك بها. ففرق بين من أكره على الشيء ومن دفع الإكراه بالشيء؛ فمن أكره على الشيء فلا ضمان عليه، ومن دفع الإكراه بالشيء فعليه الضمان.


من شروط كون الغرر مؤثراً: أن يكون في عقود المعاوضات -وقد تكلمنا عن التأمين التعاوني والتأمين التجاري وذكرنا الفرق: بأن التعاوني تبرع، بينما التجاري معاوضة-. والتجاري أنت تقصد أنني أنا أفتح الشركة من أجل أن أكسب ربحا فأقول: ادفع عشرة ريالات كل يوم أو مائة ألف أو اشتراك أو نحو ذلك فإذا حصل لك حادث أتحمل ألف ريال فبعد ذلك يكون عندي مبلغ رأس مال وقد أفلس هذا فيه ضرر إما غانم أو غارم فهذا لا يجوز، لكن عندما أقول أنا صندوق قبيلة أو شركة مساهمة وأنا لا أجبر الناس على الاشتراك معي لكن من أراد أن يشترك معي فعندي بنود وهذه البنود كذا وكذا ومنها: إذا حصل لك حادث أدفع لك قيمة هذا الحادث والخسائر التي في الحادث، على أن تدفع كل شهر مائة ريال أو اشتراك سنوي قدره ألف ريال، وتكون متبرعا فإذا بقي شيء من هذا المال فإنه يكون من أجل تطوير هذه الشركة والقيام عليها بموظفين وما زاد على ذلك يكون لمن كان في مثل هذه الحال سواء أكان أنت أم غيرك، فعند ذلك نقول هذا تأمين تعاوني وليس بتأمين تجاري، فإذا قال الإنسان أنا مكره بأن أجيء بتأمين قلنا أنت لست مكره على ذات الشركة وإنما تدفع الإكراه عنك بهذه الشركة أنت لم تجبر على هذه الشركة وإنما دفعت الإكراه عنك بهذه الشركة.


٢- أن يكون الغرر في المعقود عليه أصالة.

أي المقصود بالبيع في العقد فإن كان تابعا غير مقصودٍ صح البيع؛ ولهذا جوز العلماء بيع الحمل تبعا لأمه، لو اشتريت أنا مثلا جنين في البطن هل يجوز؟ لا يجوز لكن لو اشتريت شاة فيها جنين وهي حامل جاز.

لو كانت هناك أمة حامل يملكها زيد فجاء إنسان وقال: أنا أشتري الحمل الذي في بطن هذه الأمة بمائة ريال هل يجوز؟ لا يجوز. لكن لو قلت: أنا أشتري هذه الأمة الحامل يجوز؛ لأن ولد الأمة في الحرية والرقية يتبع أمه وفي النسب يتبع أباه وفي الدين يتبع أفضل أبويه دينا. 

 القاعدة: أن الجنين يتبع أفضل أبويه ديناً؛ يعني: لو تزوج مسلمٌ يهوديةً، فإذا جاء هذا الجنين قبل أن يبلغ هل نحكم عليه بأنه مسلم أو نحكم عليه بأنه يهودي؟ نحكم بأنه مسلم؛ لأنه على الفطرة، ولأنه يتبع أفضل أبويه ديناً في الدنيا، ولو أن مسلمة تزوجت نصراني فجاء ولد ماذا نحكم عليه؟ لا يجوز للمسلمة أن تتزوج نصراني، يعني الرجل الذكر المسلم يجوز له أن يتزوج يهودية أو نصرانية، لكن المسلمة بالإجماع لا يجوز لها أن تتزوج نصرانياً ولا يهودياً ولا مشركاً، والمسلم لا يجوز له الزواج من مشركة غير الكتابية. أما المسلمة فبالإجماع لا يجوز لها الزواج بكتابي ولا يهودي ولا نصراني فهذا بالنسبة للدين.

أما في الحرية والرقية فالجنين يتبع أمه فإذا تزوج رجل حر أمةً من سيدها فإن ولد هذه الأمة يكون ملكا لسيد هذه الأمة ويكون الولد سواء كان ذكرا أو أنثى يكون عبدا أو أمة.


٣- أن يكون الغرر كثيراً.

لأن المقصود هو منع المضرة والعداوة، واليسير لا يقع فيه هذا؛ ولهذا جوزت الشريعة بيع السلم مع أن فيه شيء من الغرر وللحاجة له ويستثنى من الغرر:

١- أن يكون تابعاً لغيره.

٢- أن يكون يسيراً.

٣- أن لا يكون مما فيه مشقة فادحة.

فمثلا: كوثر باعت دارها لمنار، ومنار قبل أن تدفع المبلغ لكوثر أتت بشيول وبدأت تحفر عن قواعد العمارة تحت الأرض، فسألنا منار قلنا: لماذا حفرت يا منار عن قواعد العمارة؟ قالت حتى أعرف هل كوثر غشت هذه القواعد ووضعت فيها حديداً يسيراً أو كانت الصبة فيها إسمنت كاف أو غير كاف أو نحو ذلك، نقول يا منار هذا ليس من الفقه في شيء لأن في تتبع مثل هذه الأمور مشقة فادحة فإذا أتيت وحفرت عن أساسات العمارة أتلفت العمارة في الغالب لذلك نقول لا تفعلي يا منار هذا الشيء ولا يجوز لك فعله.

—————

ثانيا: الربا.

هناك بعض البيوع حرمتها الشريعة الإسلامية لأجل الربا مثل بيع العينة فإما أن يكون الربا فيها يقينا وإما أن يكون الربا غالبا، والعبرة بالجنس لا بالمفرد، لو أن إنساناً يلعب بالنرد قلنا: النرد هذا يصد عن ذكر الله ويصد عن الصلاة، قال: أنا بالذات ما يصدني أنا قبل ما يؤذن المؤذن أنا بالمسجد، قلنا: يورث العداوة والبغضاء، قال: أنا بالذات ما أجد على نفسي لأحد شيئاً، قلنا: العبرة ليست بك وحدك وإنما العبرة بالجنس وإذا كان في الغالب أنها تورث العداوة والبغضاء وفي الغالب أنها تصد عن ذكر الله فهي حرام عليك وحرام على غيرك.


أولا: بيع العينة.

بيع العينة: أن يبيع السلعة بثمن مؤجل على أن يشتريها بأقل من ثمنها حالا نقدا، فهذه العينة فيها تحايل على القبض وزيادة ربوية حيث تباع سلعة بلا أجل ثم يشتريها البائع من المشتري بأقل من ثمنها بثمن حال فحقيقتها مبادلة مال بمال بينهما سلعة تجعل من باب الحيلة فقط، وجاء في حديث حكيم بن حزام أنه قال: قلت يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تبع ما ليس عندك).

واختلف العلماء في بيع العينة على قولين:

القول الأول: إذا كان هناك شرط فهذا لا يجوز لأنه واضح، قال: أبيعك هذه السلعة بمائة ألف ريال بعد سنة على أن أشتريها بأقل من ثمنها الآن حالا نقدا؛ يعني: أبيعك هذه السلعة بمائة ألف على أن أشتريها منك بثمانين حالا نقدا؛ فهذا لا يجوز.


القول الثاني: إذا لم يكن فيه شرط ولم يكن فيه تحايل جاز.

وإنما أقول بعتك هذه السلعة بمائة ألف بعد سنة وبعد شهر أو شهرين أو بعد فترة من الزمن، أتيت واشتريت منك السلعة بدون شرط فهذا الصحيح أنه لا بأس فيه، فإذا لم يكن هناك تحايل ولم يكن هناك شرط ولم يكن هناك مواطأة على الربا فلا بأس بذلك؛ لأن المواطأة وقصد الربا غير مراد وغير مشروط.


ثانيا: الجمع بين السلف والبيع.

الجمع بين السلف والبيع في الغالب يؤدي إلى وقوع الزيادة الربوية؛ مثل: أقول عمارتي هذه تساوي مليون ريال أنا أبيعك العمارة بخمسمائة بشرط تقرضني ثلاثة مليون ما معناه؟ معناه: أنه يقرضني ثلاثة ملايين وأدفع له خمسمائة ريال هذه زيادة كأنه يقول: اعطني ثلاثة ملايين وأرد عليك ثلاثة ملايين وخمسمائة، إذن أين ذهبت الخمسمائة الأخرى؟ قال: هذا ثمن العمارة فهذا لا يجوز ولهذا إذا كان السلف من شروط البيع كان محرما وإذا كان هناك تواطؤٌ أو اتفاق على أنه سلف وبيع كان هذا محرما لما فيه من الربا.


ثالثا: التورق المنظم وغير المنظم.

الغير منظم: يشتري من يحتاج إلى نقد سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها على غير من اشتراها منه بثمن حال. ولأجل عدم وضوح شبهة التورق في القرض الربوي كما هو حال العينة أجازها جمهور العلماء.


فالتورق الغير منظم: كما سبق ومثل أن أشتري سلعة -مثل السيارة- من المعرض بمائة ألف ريال وأنا لا أريد ذات السيارة وإنما أريد قيمتها فأذهب وأشتري السيارة بمائة ألف ريال ثم أخرجها من المعرض وأبيع هذه السيارة على آخر بثمانين نقداً فهذا المقصود به الانتفاع من هذه السيولة بهذه الطريقة فهذا يسمى تورق غير منظم؛ فهذا لا حرج فيه والصحيح أن هذا التورق الغير منظم جائز.


القسم الثاني: التورق المنظم.

مثاله: أن أتفق مع إنسان أن يشتري لي سلعة لا يملكها، ثم يسعى في تحصيلها ممن يملكها بثمن مؤجل بعد أن اشتراها بثمن نقداً. هذا تحايل على الربا بطريق غير مشروع.

ومثلا أيضاً: أقول له اقرضني خمسين ألف ريال، فقال: أنا لا أقرضك لكن اشتري لك سيارة بخمسين وأشتريها منك بثمانين ألف فهذا لا يجوز لماذا؟ لأن هذا ربا  كما قال ابن عباس: (ربا جعل بينهما حريرة).

وهنا ترد مسألة وهي: 

بيع المرابحة للآمر بالشراء: فإذا أردت أن أذهب وأشتري وأريد سيولة فاشتريت بطريقة التورق المنظم فهذا لا يجوز، هناك شروط حتى يكون بيع المرابحة للآمر بالشراء جائزا فإن لم تتوفر هذه الشروط لم تكن جائزة وهي:

أولا: أن أشتري السلعة ممن يملك، فإن اشتريت السلعة ممن لا يملك من أجل أن يتملك ثم يبيع السلعة لي بثمن مقسط كان هذا من التورق المنظم وكان ذلك غير جائز.


إذاً: أن أشتري السلعة ممن يملك وعلى هذا فإن الذين يذهبون ويشترون من المصارف يشترون السلعة من أصحابها ثم يدفعون لهم عربوناً  ثم يذهبون إلى البنك ويقولون: اشتر لنا هذه السلعة أو هذه العمارة فهذا لا يجوز؛ لأنه اشترى السلعة قبل أن يتملك البنك والمفروض أن يشتري من البنك والبنك لم يملك بعد فنقول: انتظر حتى يملك البنك ثم اشترِ من البنك ولا علاقة لك بصاحب العقار الأول.

إذاً: هذا هو الشرط الأول: أن تشتري ممن يملك.

ثانيا: ألا يشتري أمرا فيه محرم.

مثل أن يشتري أسهماً ربوية، أو من شركة تتعامل بالربا أو تقرض أوتقترض بالربا؛ فهذا لا يجوز.


ثالثا: أن لا يبيع السلعة في المكان الذي اشتراها فيه.

سؤال: ماهي الأسهم الربوية؟

أكثرها ربوية مثلاً عندنا شركة حديد وكانت شركة الحديد هذه تقرض أو تقترض بالربا، فنقول هذه شركة لا يجوز أن تشترك فيها لأنها تقرض أو تقترض بالربا فيدخل في ذلك من لعنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لعن آكل الربا مؤكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء).


قلنا بيع المرابحة للآمر بالشراء: أنني أريد سيولة فأذهب وأشتري سلعة من أجل أن أسيل هذه السلعة إلى نقد فأذهب إلى الرجل فأقول له: اشتر لي هذه السلعة ثم بعنيها بالتقسيط هذه يشترط لها شروط:

١- أن تشتري ممن يملك.

٢- ألا تكون هذه الشركة محرمة أي لا يشتري الإنسان أمرا محرما.

٣- ألا يبيع السلعة في المكان الذي اشتراها فيه؛ (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلعة حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم)، لحديث ابن عمر قال: (كنا نبيع الطعام جزافا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فيبعث إلينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه).

ـــــــــــــــــــــــــ

الأمر الثالث من أسباب تحريم البيوع في الشريعة: الضرر.

الضرر يعود لحق المخلوق فإذا أسقطه المخلوق سقط بخلاف، والربا فإن النهي يعود لحق الله، فلو جاء إنسان يرابي قال: أعطني ألف بألفين أنت راضٍ وأنا راضٍ، قلنا لا يجوز فهذا محرم؛ لأن الحق لله وليس للمخلوق. أما الضرر فإن الإنسان قد يتحمل هذا الضرر لغيره فيكون الضرر يعود لحق المخلوق، هناك بيوع حرمت لأجل ما فيها من ظلم وضرر أهمها:

أولا: بيع الرجل على بيع أخيه وشراؤه على شرائه.

كأن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة أنا أعطيك مثلها بتسعة، أو يقول لمن باع سلعة بتسعة عندي مثلها بعشرة؛ والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبع بعضكم على بيع بعض)، لما في ذلك من إثارة للعداوة والبغضاء بين المسلمين، وكل ما فيه إثارة للعداوة والبغضاء فإن الشريعة تمنعه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره)، وكذلك السوم على سوم أخيك كما قال في الصحيح: (ولا يسم على سومه) وصورته: أن يتفق مالك السلعة والراغب فيها على البيع ويتراضيا عليه ويركن كل منهما للآخر لكنهما لم يعقدا البيع بعد فيقول آخرللمالك: استردها فأنا أشتريها منك بأكثر، أو يقول للمستام رده لأبيعك خيرا منه بثمنه أو مثله بأرخص. ويستثنى من هذا النوع المزاد أن تعرض السلعة في المزاد ويعرف ذلك باللفظ أو بالعرف؛ مثلا يبيع تاجر شاة في المزاد ويقول: من يزيد، فقال زيد من الناس بعشرة، وقال آخر: باثني عشر، ويقول ثالث: ثلاثة عشر، ويقول آخر: خمسة عشر؛ وهذا نقول بيع المزاد من يزيد فهذا لا بأس فيه وهو يستثنى من بيع الرجل على بيع أخيه ومن سوم الرجل على سوم أخيه.


ثانيا: بيع الحاضر للبادي.

الحاضر: الذي في حاضر البلد.

البادي: القادم لبيع سلعته من خارج البلد؛ لحديث جابر قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) رواه مسلم.

وقيل لابن عباس رضي الله عنه ما قولك في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبع حاضر لباد) قال ابن عباس: لا يكون له سمسارا. وهذا تفسير للشيء ببعض أجزائه. 

الحاضر هو الشخص المقيم بالبلد العارف بأسعارها والبادي هو الغريب عن البلد، فإذا تولى الحاضر البيع وصار سمسارا فإن النتيجة التي تحصل هي أن الحاضرة يحرمون من الشراء بسعر رخيص مع أن السعر الرخيص مناسب للحاضر والبادي وفيه رفق بالجميع ويحرم البيع بما يأتي من شروط.

وهذه الشروط ترجع إلى قاعدة وهي إذا تعارض اللفظ والمعنى أيهما يقدم؟ الجواب نقدم المعنى إذا ظهر فإن لم يظهر فاتباع اللفظ أولى.

إذن الحاضر هو المقيم في البلد والبادي هو القادم من خارج البلد لبيع سلعته عندما يبيع البادي سلعته فإنه يبيعها بأرخص الأثمان يعني بالسعر الذي يناسبه أو يتناسب معه وكذلك لا يكون في ذلك ارتفاعاً للأسعار وضرراً على من كان مقيماً في البلد بخلاف إذا تولى الحاضر بيع سلعة البادي فإنه يرفع السعر حتى يصل إلى أعلى سعر ممكن أن تباع به فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) ويحرم البيع بالشروط التالية:

١- أن يكون البادي قاصدا بيع سلعته، فإن قدم لتخزينها أو أكلها فلا يحرم على الحاضر أن يعرض عليه بيعها له لماذا؟ قالوا: لأنه إذا عرض بيعها له وهو لا يريد البيع وإنما يريد التخزين أو الأكل فإن هذا ليس فيه ضرر على أهل البلد بل فيه منفعة لهم وذلك لأن رخص الأسعار يكون بكثرة العرض وهذا يكون لتكثير العرض فيكون في ذلك نفعا لهم و لا ضرر عليهم فيه مع أن ظاهر اللفظ المنع ولكن هذا إنما استثني من ذلك نظرا للمعنى والقاعدة إذا تعارض اللفظ والمعنى قدم المعنى إذا ظهر وإن لم يظهر فاتباع اللفظ أولى.

٢-أن يكون البادي جاهلا بسعرها، فإذا كان البادي غير جاهل عن سعرها في السوق فإنه لا ينهى أن يبيع الحاضر للبادي، لكن هذا الشرط يحتاج إلى نظر فإذا كان البادي عالما بسعر سلعته في السوق وتولى هو بنفسه بيعها فإنه يكون أخف ضررا مما لو كان المتولي لها هو الحاضر.

٣-أن يقصد الحاضر البادي، فلو كان القاصد هو البادي فلا يحرم -يعني قال: لا يبع حاضر لباد- قال: إذا كان الحاضر هو الذي قصد البادي أما إذا كان العكس فلا والصحيح أن هذا الشرط أيضا فيه نظر، لماذا؟ لأنه لا يفرق بين أن يكون القاصد هو البادي أو العكس لأن هذا إنما يكون فقط في تلقي الركبان وأما في بيع الحاضر للبادي فإن العلة على أهل البلد واحدة سواء قصد البادي الحاضر أو قصد الحاضر البادي.

٤- أن يكون بالناس حاجة إليها، فإن كانت من الأمور الكمالية فلا يحرم بيعها له لأنه لم يتوفر المعنى الذي من أجله حرم؛ وهو التضييق على الناس، وهذا أيضا فيه نظر فإن الأمور الكمالية أيضا يحتاجها عدد من الناس أو يريدها عدد من الناس فيكون تولي البادي لها أولى من تولي الحاضر لبيعها، على كلٍّ الذي يظهر أن الشرط الأول وهو ألا يكون البادي قاصدا بيع سلعته وإنما يريد أكلها أو تخزينها فهذا الشرط هو المستثنى وما عدا ذلك فإن في استثنائه نظرٌ، وعلى كل فهذا يرجع إلى القاعدة وهي: إذا تعارض اللفظ والمعنى فتقديم المعنى إذا ظهر وإن لم يظهر فاتباع اللفظ أولى، فكل هذه الشروط تعود إلى هذه القاعدة فينظر في المعنى فإذا كان فيه توسعة على أهل البلد كان ذلك جائزا وإن كان في ذلك تضييقا عليهم ورفعا للأسعار فإنه يكون محرما والله تعالى أعلم.  


ثالثا: تلقي الركبان.

وهو الخروج إلى المكان الذي يجلب له البضائع لتلقي القادم من السفر فيأتي البائع ويقابله المشتري قبل وصوله إلى السوق فيشتري منه وهو لايعلم بقيمة السلعة فيغبنه في الثمن، وهذا يحصل إذا ذهب الإنسان إلى مداخل المدينة فينظر إلى الذين يقدمون بسلعهم من غنم أو حطب أو غير ذلك متجهين للسوق فيقول: يا فلان تبيع هذه السلعة، فيقول: نعم، ويعلم الحاضر قيمتها في السوق وهذا الآخر الذي هو البادي القادم لبيع السلعة لا يعلم بقيمتها في السوق فيشتري الحاضر منه بسعر أقل  من سعر السوق وهذا يسمى بتلقي الركبان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تلقوا الجلب ومن تلقى الجلب فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار)، وهذا النهي لما فيه من مضرة للبائع فإذا رضي البائع بذلك كان جائزا وإن وصل السوق فله الخيار بين الإمضاء والفسخ.


رابعا: النجش.

وهو أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد الشراء ليرغب غيره أو ليمدح المبيع بما ليس فيه أو ليروجه، وهو محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تناجشوا)،  فالزيادة في ثمن لسلعة لمن لا يريدها على من سام السلعة هذا من النجش -مثل أن توضع السلعة في المزاد العلني فيقول إنسان: بعشرة، فيقول الذي لا يريد الشراء بعشرين ليرفع قيمة السلعة إما من أجل نفع صاحب السلعة أو من أجل أن يتضرر المشتري أو من أجل أن يعلق البيع حتى لا يشتري السلعة أحد-، فنقول: هذا من باب الضرر وهو أمر محرم ولا يجوز وفيه غش وخديعة وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تناجشوا)، وقال: (من غشنا فليس منا)،

 وقد ذهب جمهور العلماء إلى صحة البيع؛ لأن النجش فعل الناجش لا العاقد ولكن يثبت به خيار الغبن.


خامسا: ربح ما لم يضمن.

والتصرف في المبيع قبل القبض؛ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وهذا القسم تتعلق به مسائل:


١- معنى الضمان: الضمان هنا معناه تحمل تبعة الهلاك والتعيب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الخراج بالضمان)، وهذا إنما يكون فيما اتفق ملكا ويداً، وأما إذا كان الملك لأحدهما، واليد لآخر، فإن الضمان قد يكون على صاحب اليد -كما في المغصوب-، والخراج يكون للمالك، وقد جاء حديث أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرأيت إن حبس الله الثمرة عن أخيك بأي حق تستحل ماله)، وأيضا ورد في السنة حديث ابن عمر: (مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حباً مجموعا فهو من ضمان المشتري).

فالعبرة من الضمان هو تمكن المشتري من القبض فإذا تمكن المشتري من القبض فالضمان عليه وإن لم يتمكن من القبض فالضمان على البائع هذه هي القاعدة في ذلك.


٢- معنى ربح ما لم يضمن: أخذ ربح المال ببيعه قبل أن يكون عليه تحمل هلكة وتعيب المبيع، والهلاك: أن يتلف الشيء أو يفنى.

والتعيب: أن تنقص قيمته بحدوث عيب، ويدخل في ذلك أيضا ما يسمى بالجائحة، والجائحة هي: ما لا يمكن دفعه ولا تضمينه إذا أتلف أو أنقص العوض قبل التمكن من القبض.

فلو أن زيداً باع محصوله بعد بدو صلاح ثمر النخل، ثم جاء الجراد وأكله كله قبل أن يتمكن المشتري من القبض؛ نقول الضمان على البائع، لحديث: (أرأيت إن حبس الله الثمرة عن أخيك بأي حق تستحل ماله).


وإذا جاء جيش الجراد فأكله أو أكل نصفه فإن الذي أتلفه هنا هي جائحة الجراد ولا يمكن دفعها ولا تضمينها فيكون الضمان على البائع فكل ما يحصل من كوارث على المبيع قبل تمكن المشتري من قبضه فالضمان على البائع، أما بعد تمكن المشتري من القبض فيكون الضمان على المشتري، فلو أن زيدا اشترى سيارة من المعرض ثم قال له المعرض: لا نسلمك السيارة إلا بعد يومين حتى تنقل الملكية ثم احترقت السيارة قبل أن يتسلمها المشتري فإن الضمان على صاحب المعرض؛ لأن المشتري لم يتمكن من القبض وأما إذا اشترى السيارة من المعرض فقال المعرض: خذها الآن، فقال المشتري: دعها عندكم حتى آتي من السفر فتلفت السيارة بفعل فاعل لا يعلم من هو من غير تعد ولا تفريط فإن الضمان على المشتري؛ لأنه قد تمكن من القبض.

٣- حكمه: (نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن)، وهذا النهي يقتضي تحريم هذا البيع وعدم صحته وقد اتفق العلماء على ذلك في بيع الطعام قبل قبضه لكنهم اختلفوا هل هذا النهي يعم كل السلع أو بعضها على قولين:


القول الأول: التحريم خاص بما فيه حق وتوفية من البائع للمشتري أي خاص بالسلع التي يجب على البائع أن يوفيها للمشتري ليتمكن من تسلمها وقد استدلوا بحديث النهي عن بيع الطعام قبل قبضه.

 ووجه الاستدلال: أنهم رأوا أن النهي هو لأن الطعام فيه حق توفية للمشتري.


القول الثاني: التحريم يعم كل السلع -وهو الراجح- لما في حديث زيد بن ثابت أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم)، ونأخذ من هذا الحديث أيضا أن الضمان ينتقل للمشتري بنقل السلعة والصحيح أنه ينتقل إلى المشتري بتمكنه من القبض -كما سبق أن بينا-.


٤- ما يحصل به الضمان: ويحصل الضمان بقبض السلعة عند جمهور الفقهاء وقد رأى بعض العلماء أن السلع وإن كان في بيعها قبل قبضها محرماً لعموم الأحاديث إلا أن الضمان ينتقل إلى المشتري بتمكنه من قبض السلعة حتى لو لم يقبضها فعليا -وقد رجح هذا شيخنا  العثيمين رحمه الله-.


٥- الحكمة من التحريم:

أولاً: منع الظلم لأن من الظلم أن تكون خسارة السلعة على شخص وربحها لآخر وفي منع ذلك منعا للتباغض أيضا لأن البائع يشعر بالغبن إذا بيعت السلعة بربح لغيره وهي من ضمانه، والظلم في ربح ما لم يضمن يشبه الربا؛ لأن الدائن في عقد الربا يربح ما لا يضمن فالضمان على المدين ومع ذلك يربح الدائن.


ثانيا: صورية البيوع التي لا ضمان فيها؛ لأن السلعة تكون غير مقصودة ومن هنا قد يوصل البعض للربا تحايلا كما أن منع الصورية يؤدي لرواج الأموال بالبيوع الحقيقية والتصرف التجاري المنتج بدلا من المضاربات على  فروق السعر دون تحرك منتج للبضائع.


ثالثا: منع الغرر؛ لأن العقد الأول قد ينفسخ بهلاك المعقود عليه فينفسخ العقد الثاني لأنه مبني عليه.

والله تعالى أعلم.


محاضرة الدكتور/ محمد سعد العصيمي.

كتابة الطالبة/ كوثر مطهر معلمي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت