——-
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه، أن رجلاً طعن رجلاً بقرن في ركبته، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقدني، فقال: (حتى تبرأ) ثم جاء إليه، فقال: أقدني، فأقاده، ثم جاء إليه، فقال: يا رسول، عرجت، فقال: (قد نهيتك فعصيتني، فأبعدك الله، وبطل عرجك، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه).
وهذا الحديث روي موصولا وروي مرسلا، ومن رواه موصولا: محمد بن إسحاق وابن جريج، وهما مدلسان ولم يصرحا بالتحديث وذلك عند أحمد والدارقطني، وابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب.
ورواه أيوب عن عمرو بن شعيب مختصراً مرفوعاً: (أبعدك الله، أنت عجلت)، وذلك عند عبدالرزاق في مصنفه.
ويشهد له حديث جابر عند ابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي من طريق ابن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عن جابر، موصولا، ونص أبو داود في المراسيل على أن ابن علية قد وهم فيه.
والحديث روي مرسلاً، عن أيوب عن عمرو بن دينار، ومن طريق حماد بن زيد ومن طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، وذكر الدارقطني أن المرسل هو المحفوظ، وكذا رجح أبو زرعة المرسل.
والذي يظهر لي: أن الحديث وإن ثبت كونه مرسلاً بهذه الطرق، فهو لا ينفي أن الحديث حسن لغيره بالطرق الأخرى، وخصوصاً مع اختلاف طرقه وتعددها، والمرسل يقوي كون الحديث له أصل، فالحديث لا يقل في نظري عن رتبة الحسن لغيره، والعلم عند الله تعالى.
———
والسراية: هي تجاوز العطب من محل الجناية إلى غيره.
ومعنى: أبعدك الله: جملة دعائية غير مقصودة؛ لأنه قد أساء الأدب، والدعاء عليه من باب الزجر عن هذه العجلة.
ومعنى بطل عرجك: ضاع عليك أرش عرجك بسبب تعجلك في القصاص.
——-
وقد ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى تحريم أن يقتص من الجاني قبل برء المجني عليه.
قال ابن المنذر: كل من نحفظ عنه من أهل العلم يرى الانتظار بالقصاص من الجرح حتى يبرأ صاحب الجرح.
وذهب الشافعية ورواية عن أحمد: لا يحرم، وإنما النهي للكراهة أو للإرشاد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقاد الرجل، ولو كان حراماً لم يقده.
والجواب: أنه قال: (ثم نهى أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه) مما يدل على نسخ الحكم الأول.
والقاعدة: ما ترتب على غير المأذون فهو مضمون، وما ترتب على المأذون فهو غير مضمون.
والله تعالى أعلم.
كتبه/ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق