حكم قتال المسلم مع الكفار ضد كفار آخرين تحت لوائهم:
————————
١- عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قُتل تحت رايةٍ عِمِّية يدعو عصبيةَ أو ينصر عصبيةَ فقِتْلَةٌ جاهلية". رواه مسلم.
أي: قاتل تحت راية أمرها أعمى لا يستبين وجهه، كتقاتل القوم للعصبية، كميتة أهل الجاهلية من حيث إنهم فوضى لا إمام لهم.
قال ابن تيمية عمن يقاتل مع التتر ضد كافرين آخرين: (لا يقاتل معهم غير مكره إلا فاسق، أو مبتدع، أو زنديق) [مجموع الفتاوى (28/ 552)].
٢- في الحديث: (الرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل حمية، والرجل يقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله، قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
وههنا لم يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ودين الله هو المحكم الذي لا يمانعه ممانع، وكون مجموعة من الكفرة أولى من مجموعة، وأكثر مصلحة لا يعني جواز بذل روحه من أجلهم وتحقيق مصالحهم.
وإن تمنى كون الأخف ضرراً على الإسلام والمسلمين هو المنتصر، كما تمنى المسلمون انتصار الروم على الفرس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال مالك: (إنما يقاتل الناس ليدخلوا في الإسلام من الشرك، فأما أن يقاتلوا الكفار ليدخلوهم من الكفر إلى الكفر ويسفكوا دماءهم في ذلك، فهذا مما لا ينبغي ولا ينبغي لمسلم أن يسفك دمه على هذا).
٣- ولأن المقاتلة مع الكافرين ضد آخرين منهم، نوع من أنواع الولاء من غير ضرورة، (ومن يتولهم منكم فإنه منهم).
وكل مصلحة تعود على النص بالإبطال فهي باطلة مردودة ملغاة.
فإن قيل: إن وجود المصلحة الشرعية الراجحة مبيح لإعانة الكافر على مثله في القتال.
فالجواب: أن المصلحة الشرعية الراجحة لا تقتضي أن تبيح إعانة الكافر على مثله في ما يؤدي به إلى إزاهاق روحه من أجل عدم تحقيق كون كلمة الله هي العليا، وقد تكون فيما هو أقل من مفسدة إزهاق روح مسلم معصوم.
ومجرد مصلحة انتصار كافر على كافر، فيما مصلحته أعظم للمسلمين شريطة أن لا يترتب عليها خروج نفس مسلمة، فهي أعظم من مصالح متوهمة لا تتحقق فيها كون كلمة الله هي العليا.
فإن تعريض إزهاق الروح من المسلم في القتال لا تكون مشروعة إلا لتكون كلمة الله هي العليا فقط، ومصالح انتصار الكفار بعضهم على بعض لا تحقق هذه الغاية، ويمكن دفعها بغير ذلك من الطرق المشروعة، وإعداد ما استطاعوا من قوة لقتالهم لا لمعونة بعضهم على بعض بأرواح المسلمين.
وليس ذلك محل اضطرار لا يندفع قتلهم للمسلمين إلا بكونهم مع غيرهم من الكفار لدفع القتل عن المسلمين.
فإن قيل: إن مافيه تقوية للكفار يحرم فعله وما فيه إضعاف لهم يجب فعله.
فالجواب: يجب فعله بلا مفسدة راجحة،
وشريطة أن لا يعارض النصوص الشرعية (أأنتم أعلم أم الله).
وكل اجتهاد يعود على النص بالإبطال فهو باطل.
وقد ورد النص: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا)
وقتاله تحت راية الكفار لا يحقق كون كلمة الله هي العليا.
بل قتاله تحت راية الكفر، مهما كانت المفسدة فليست بأعظم من إزهاق روح نفس مسلمة (ولا يزال المسلم في فسحة من دينه، ما لم يصب دماً حراماً).
وليس هو قتال اضطرار كدفع الصائل.
فإن قيل: في الحديث: "شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ [ يقصد حلف الفضول فهم في الأصل من جماعة المطيبين] مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلَامٌ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ " [ أحمد، برقم 1567، وهو في السلسلة الصحيحة].
وقال أيضًا:
"لَقَدْ شَهِدْت فِي دَارِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهِ حُمْرَ النّعَمِ وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْت" [ ابن هشام : 1/133]
إذا جاز لهم القتال مع الكفار لدفع الظالم الذي وقع ظلمه على غيرهم (بحلف الفضول) فلأن يجوز قتال الظالم الذي وقع ظلمه عليهم فذلك أولى.
فالجواب على الاستشهاد على فرض صحة الحديث:
١- أن هذا يكون في الحلف بين المسلمين وطائفة من الكافرين إذا اعتداء عليهم معتد ظالم، فبموجب هذا العهد تكون المناصرة إذا وقع عليهم الاعتداء، بدفع الظلم عنهم في حال قدرتهم وعدم عجزهم،
وأما عند عدم وجود الحلف بينهم وبين المسلمين القادرين على نصرتهم، فإن هذا من تسلط الظالمين على الظالمين، الذي يتمنى المسلم وقوعه بينهم، وأن يجعل بأسهم بينهم ويشغلهم عن حرب الإسلام والمسلمين.
٢- عدم قدرة المسلمين على نصرهم، ودخولهم معهم تعريض لأنفسهم للهلاك (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ).
٣ - مشاركة المسلم لهم في حربهم بدون حلف مسبق من مناصرتهم وولائهم المحرم.
٤- حلف المسلم لنصرة طائفة منهم، لكونهم تحت حماية المسلمين والتزامهم بالعهد والميثاق، فالراية للمسلمين لا لهم.
٥- ولأن القتال تحت رايتهم من تسلط الكافرين على المسلمين، وقد قال تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً)
٦- ولأن قتال المسلم تحت راية الكافر لا يحقق أن تكون كلمة الله هي العليا، بخلاف قتال المسلم تحت راية المسلم في قتال الكافر المعتدي على الكافر الذي تحت حماية المسلم من أهل الذمة ومن بيننا وبينهم عهد في نصرتهم عند ظلمهم من غيرهم فهو من تحقيق حكم الله تعالى في أرض الله.
٧ - ولأن وصف الظلم من تجاوز بلاد كافرة إلى بلاد أخرى كافرة، فيه تجوز، بل هم للمسلمين في وجوب قتالهم وعدم إقرارهم على كفرهم (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) فالأصل قتالهم وعدم إقرارهم على كفرهم، ولم يرد مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في حروب الكفار لنصر مظلومهم على ظالمهم، ولم يفعله الصحابة ولا سلف هذه الأمة.
وما وجب بالعقد والحلف تحت راية المسلمين، لا يكون مثل من لم يكن بينه وبين المسلمين حلف، ولا يقتضي وجود الحلف أن يكون القتال تحت رايتهم.
٨- ولأن هناك فرق بين نصرة مظلوم كافر من مظلوم كافر بدون حرب، وبدون ترتب مفسدة أعظم من إزهاق الروح المسلمة من أجل الكافر الغير مستحق لذلك أصلاً، وفي الحديث (لا يقتل مسلم بكافر) فلا تتكافأ دماؤهم، وبين المناصرة في الحرب التي تؤدي إلى مفسدة أعظم من إزهاق روح المسلم من أجل الكافر.
٩- ثم إن بني بكر لما اعتدت على خزاعة وهم حلف مع النبي صلى الله عليه وسلم، كان نقضاً من قريش للعهد لما أعانت قبيلة بني بكر على خزاعة، فلم يقاتل النبي صلى الله عليه وسلم مع خزاعة ضد قريش، ولكن غزا قريش بالمسلمين فقط.
والله أعلم.
كتبه/ د. محمد بن سعد العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى/ مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق