—————-
١ - المصائب والابتلاءات هي في الأصل تكفير للسيئات ، ورفعة للدرجات، لمن لم ينتج عمن وقعت عليه ما يسخط الله تعالى .
٢ - الأصل في الضرر الناتج عن فعل طاعة رفعة للدرجات ، كمن غدا للمسجد أو راح ، فتضرر بذلك الذهاب والإياب ، ونحو ذلك والضرر الناتج عن غيره تكفير للسيئات ، لقوله تعالى ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).
قال صلى الله عليه وسلم ( ما يصيب المؤمن من هم ولا غم ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله عنه من خطاياه).
٣ - أن تكفير السيئات بما يصاب به المسلم قد يكون عقوبة له ، وقد يكون تطهيراً له في الدنيا قبل الآخرة ، وقد يكون الأمران في آن واحد .وفي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت قال كنت من أصحابه ليلة العقبة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه : تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه قال فبايعته على ذلك ".
قال ابن حجر : ويستفاد من الحديث أن إقامة الحدّ كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود وهو قول الجمهور.
٤ - أن المنغمس في المعاصي والآثام تكفير السيئات في حقه أرجح، فما وقع له من مصيبة في الدنيا فهو تكفير لسيئاته ، وما زاد عن قدرها فهو رفعة لدرجاته ما لم يتسخط أو ينتج عن إصابته ما يذهب أجوره وحسناته.
٥ - أن من غالب حاله الاستقامة والتوبة ، ويقل منه الخطأ والزلل ظاهراً وباطناً ، سراً وعلانية ، فغالب الظن وقوع المصائب والكوارث عليه من باب رفع الدرجات ، إذا ثبت ولم ينحرف بما وقع عليه، قال تعالى ( ومن الناس من يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ).
وقال صلى الله عليه وسلم ( أشد الناس ابتلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)
أي الأشد والأقوى إيماناً.
٦ - ما يقال في الأفراد يقال في المجتمعات .
فالأمة التي تظهر المعاصي والفواحش ، فما وقع عليها من المصائب والكوارث في ظاهر أمرها : عقوبة لها بما حصل منها.
والقاعدة : الحكم على الظاهر لا على الباطن.قال صلى الله عليه وسلم: ((إن أوّل ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول له: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} [المائدة:78-79].
ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذنّ على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً أو لتقصرنه على الحق قصراً)).
وجاء في رواية أخرى أيضاً لأبي داود: ((أو ليضربن الله بقلوب بعضكم بعضاً ثم ليلعننكم كما لعنهم)) [رواه أبو داود].
وعن حذيفة رضي الله عنه عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ رواه الترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ.
والقاعدة : الحكم للأعم الأغلب لا للقليل والنادر ، ولهذا يقال : رجل مؤمن لأنه كثير الإيمان، ورجل فاسق ، لأنه كثير الفسق في الظاهر .
وأمة طائعة لأنها كثيرة الطاعة.
وأمة فاسقة لأنها كثيرة الفسق أي في الظاهر ، وهكذا.
قال ابن تيمية رحمه الله( وحيث ظهر الكفار فإنما ذاك لذنوب المسلمين التي أوجبت نقص إيمانهم ، ثم إذا تابوا بتكميل إيمانهم نصرهم الله ).
وقال تعالى ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ).
والله تعالى أعلم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق