حكم المطالبة بتحديد حد معين في الصلح في القتل العمد :
حكم دفع الزكاة في الصلح عن القتل العمد للعاجز عن سداده:
حكم إكراه أفراد القبيلة للدفع في الصلح عن القتل العمد:
—————————-
تحديد الصلح بمبلغ معين لا تقبل الزيادة عليه في التنازل عن القصاص في القتل العمد، لا يجوز ، ويجوز الزيادة عن الدية بالصلح في القتل العمد ولو كثر ذلك المبلغ وعظم للأسباب التالية :
١ - قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).
ووجه : أن من عفا عن أخيه من القصاص إلى بدل من الدية أو الصلح ، أو العفو المطلق فله ذلك ، وليس في الآية حجر العفو على الدية أو مال معين، والدنيا كلها أهون من النفس بعد أن تكن معصومة بسبب ما تكون مهدرة به.
والقاعدة : المطلق يبقى على إطلاقه ما لم يرد تخصيصه.
٢ - ولقوله تعالى : ( مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ).
ووجه: أن النفس المعصومة أغلى من أموال الدنيا كلها، فمهما بلغ المبلغ في فداء النفس لأولياء الدم لتكن معصومة ، فالمال أدنى مرتبة من النفس.
ولهذا شرع دفع الزكاة للجاني العاجز عن المبلغ المطلوب من أولياء الدم ليتم التنازل عنه إذا توفر، لأنه من الغارم لنفسه، وغرم المال لبقاء النفس أو من بذل المال للغرم بأي سبب آخر.
٣ - ولحديث عبداله بن عمرو بن العاص مرفوعاً:(- مَنْ قَتلَ مُتعمِّدًا دُفِعَ إلى أولياءِ المقتولِ ، فإنْ شاءُوا قتَلُوا ، وإنْ شاءُوا أخَذُوا الدِّيَةَ ، وهِيَ ثلاثونَ حِقَّةً ، وثلاثونَ جذَعةً ، وأربعونَ خَلِفةً وما صُولِحُوا عليه فهوَ لهمْ).
٤ - وروى أبو داود وغيره : - أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَث أبا جَهمِ بنَ حُذيفةَ مصدِّقًا فلاجَّه رجُلٌ في صدقتِه فضرَبه أبو جَهمٍ فشجَّه فأتَوُا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالوا: القَوَدُ يا رسولَ اللهِ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( لكم كذا وكذا ) فلم يرضَوْا فقال: ( لكم كذا وكذا ) فلم يرضَوْا فقال: ( لكم كذا وكذا ) فرَضُوا وقال: ( أرضيتم ؟ ) قالوا: نَعم).
٥ - وحكى ابن قدامة وغيره : الإجماع على مشروعية الصلح عن دم العمد.
وفيه نظر : فقد خالف فيه بعض الحنفية ، وهو وجه عند الحنابلة : لا تصح المصالحة على الدية بأكثر منها عندهم ، وأجازه الشافعية : إذا كانت المصالحة من غير جنس الدية.
٦ - إن حق إستيفاء القود قد يؤول إلى المال عند تعذر الاستيفاء فيصح إسقاطه بمال بطريق الصلح كحق الرد بالعيب ،وهذا بخلاف حد القذف فإنه لايؤول إلى المال بحال.
وبهذا يتقرر : جواز المصالحة في القتل العمد على أكثر من الدية، من جنس الدية أو غير جنسها ، وهو قول الجمهور من الحنفية ، والمالكية ، والحنابلة، وهو قول عند الشافعية .والله تعالى أعلم .
تنبيه : لا يجوز إحراج الناس في الأخذ من أموالهم بغير طيب نفس منهم للدفع في صلح قتل العمد، بل يجب أن يكون بطيب نفس منهم، لأنها تجب على الجاني في ماله، وغيره على سبيل التبرع لا الوجوب .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق