٢٣ شوال ١٤٤٣
——————————
• القاعدة التاسعة:
• في العبادات الواقعة على وجه محرم، قسمها المصنف إلى أربعة أقسام بالنسبة إلى عود النهي إلى ذات العبادة على وجه يختص بها أو لا، وما كان النهي فيه عائدا إلى شرط العبادة على وجه يختص بها أو لا، ثم بين أمثلة ذلك وذكر الخلاف في بعض ذلك.
• يمكن نظم فروع هذه القاعدة بضابط أسهل وأكثر اطرادا، وذلك بقاعدة قررها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم، ومضمونها أن النهي إما أن يكون في العبادات أو المعاملات .
فإذا كان النهي في العبادات إما أن يختص بذات العبادة فاإن النهي يقتضي الفساد، أو لا يختص بذات العبادة فلا يقتضيه إذن،
وأما في المعاملات فإما أن يعود النهي إلى حق الله فيقتضي الفساد، أو يعود إلى حق المخلوق فلا يقتضي الفساد.
• ودليل هذه القاعدة هو الاستقراء، فإن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات، والأصل في الأحكام التعليل .
أ - • أمثلة القسم الأول (العبادات): إذا اختص النهي بذات العبادة كان مقتضيا لفساد تلك العبادة، .
، فالصلاة مثلا منهي عن الكلام فيها، ومن ذلك حديث النبي ﷺ حين قال للرجل الذي قال لصاحبه يرحمك الله "قالَ: إنَّ هذِه الصَّلَاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ" لكون ما قاله ليس من جنس الصلاة، بخلاف قول الحمدلله في حق العاطس، فإنه من جنس أذكار الصلاة، ففي حديث رفاعة حين عطس فقال "الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى" فأقره ﷺ وأثنى على محامده .
فإذا تكلم بكلام البشر في الصلاة فسدت صلاته ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس)، ولكن لو وكز رجل رجلاً في صلاته بغير حق، وكزاً ضاراً، حرم عليه، ولم يبطل بهذا الفعل صلاته.
- تنبيه : ما يفعله البعض من القيام عند خاتمة الخطبة، فهل يدخل في قوله "من مس الحصا فقد لغا"؟،
الصواب أن جمعته صحيحة، فإنه قد أتى بفعل من جنس أفعال الصلاة والجمعة من القيام ونحوه-.
ب - ومن النهي الذي يختص بذات العبادة : الأكل والشرب في الصيام ، فمن فعل ذلك عالماً ذاكراً متعمداً، بطل صيامه .
بخلاف الغيبة والنيمة في الصيام لا تبطله، لأنهما محرمتان في الصيام وفي الفطر ، فلا يختص النهي بذات العبادة .
ج - ومن النهي الذي يختص بذات العبادة : الجماع في الاعتكاف
( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد).
بخلاف الغيبة والنميمة في المسجد لا تبطل الاعتكاف، وقد يكون إثمهما أكثر من أجر اعتكافه.
ومن ذلك : الصلاة في الثوب المغصوب والبقعة المغصوبة والحرير، فتصح الصلاة في كل مع الإثم.
لكون النهي لا يختص بتلك العبادة .
——
• أما المعاملات فإذا عاد النهي إلى حق الله فإن النهي يقتضي الفساد، و مثال ذلك عقد الربا فاسد، ولو تراضى عليه طرفا العقد، وأما إذا عاد النهي إلى حق المخلوق فلا يقتضي النهي الفساد، وأمثلة ذلك كثيرة، فمنه ما ورد في الخيار في مسألة تلقي الركبان والجلب، وما ورد في بيع المصراة والخيار فيه ثلاثا،
حديث( لا تصروا الإبل والغنم ، فمن ابتاعها بعد فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء امسكها وإن شاء ردها وصاعاً من تمر)، وحديث:( لا تلقوا الجلب فمن تلقى الجلب فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار ).
وبناء على ذلك : يصح بيع الفضولي مع إجازة صاحب المال.
—————————————————-
• القاعدة العاشرة:
• الألفاظ المعتبرة في العبادات والمعاملات.
• قسم المصنف الألفاظ إلى ثلاثة أقسام، الأول ما يعتبر لفظه ومعناه، وهو القرآن، لإعجازه بلفظه ومعناه، فلا يجوز الترجمة عنه بلغة أخرى، ومن هذا القسم الأذكار المشروعة بلفظها، وقريب من هذا المأخذ ما قرره أهل العلم من عدم جواز رواية الحديث بالمعنى إلا بشروط، منها أن يكون عالما باللغة العربية، وألا يحيل المعنى بروايته، وأن يكون المروي مما لا يشترط لفظه.
• ومنها وهو القسم الثاني ما يعتبر معناه دون لفظه، كألفاظ البيع وغيره من العقود، وألفاظ الطلاق، .
والقاعدة في هذا أن العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني، فلو أشار لزوجته إشارة مفهمة طلقت، وسبق التفريق في قواعد سابقة بين المكتوب هل يأخذ حكم المنطوق أو لا ؟
وتقرر أنه يأخذ حكم المنطوق مطلقا في الأحكام الوضعية دون التكليفية فلا يأخذ المكتوب حكم المنطوق إلا بعذر .
• وأما القسم الثالث فهو ما كان متردداً بين القسمين السابقين،
والقاعدة : أن الفرع إذا تردد بين أصلين يلحق بأكثرهما شبهاً .
ويعمل بالقرائن التي تدل على إلحاق الفرع بأشبه الأصلين،
لأن القرائن ترجح بين ما يتردد فيه ، ويستوي طرفاه، للقاعدة : الظاهر مقدم على الأصل.
ومن ذلك خطبة الجمعة، هل تصح بغير العربية أو لا؟
فمن جهة أن خطبة الجمعة عبادة يكون الأصل إيرادها بالعربية للتعبد بها على وفق ما ورد،
ومن جهة المعنى "الأصل في الأحكام التعليل" نجد أن المقصود بالخطبة هو الوعظ والإرشاد فيجوز أن تقع بغير العربية، فننظر في القرائن والأدلة لإلحاقه بأحد قسمي الألفاظ، إذ إن الاعتماد على الأصل هو أضعف الأدلة كما يقرره شيخ الإسلام، وقد سبق أن "الأصل والظاهر إذا تعارضا قدم الظاهر "،
فلا يصار إلى الأصل إذن إلا عند عدم الترجيح، وبالنظر في أمر خطبة الجمعة هنا نجد أن الأرجح هو أن المقصود الأعظم بالخطبة هو الوعظ والإرشاد،
ولا يلزم من هذا صحة الاكتفاء بالخطبةالأولى ، دون الثانية .
وذلك لأن كلا المعنيين من التعبد والوعظ والإرشاد مقصودان، والله تعالى أعلم.
محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
كتبها عنه من شرحه على قواعد ابن رجب، تلميذه : هنيدي بن يحى الزهراني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق