————————————
درس القواعد، ٨ شوال ١٤٤٣ للهجرة.
——
القاعدة الحادية عشرة:
*نص القاعدة*
*من عليه فرض، هل له أن يتنفل قبل أدائه بجنسه أم لا؟*
يمكن أن تعاد صياغة هذه القاعدة بقاعدتين :
١ - إذا تعارض الفرض والنفل قدم الفرض.
، وهل يصح النفل إذا وقع قبل الفرض أو لا ؟
إذا كان هناك تعارض من حيث الوجوب أو الصحة مع النفل، لم يصح في العبادات، وصح في المعاملات .
لكون الحق في العبادات لله تعالى، وهي مما اختص بذات العبادة ، ، وفي المعاملات لا يجوز - من حيث الخطاب التكليفي-، لتوجود الضرر لمن تعلق به حق غيره به من المخلوقين ، ويصح - من حيث الخطاب الوضعي - ، لأن فوات حق المخلوق لا يبطل العقد ، لكون النهي في المعاملات إذا كان يعود لحق المخلوق لا يبطل العقد، لحديث( لا تلقوا الجلب فمن تلقى الجلب فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار ). كما سبق تقريره.
وبناء على ذلك : إذا تعارض الفرض والنفل لم يصح النفل في العبادات دون المعاملات .
وأما ما كان وقته متسعلاً للفرض والنفل لم يحصل التعارض فلا يشكل على هذه القاعدة .
أو كان الفعل يتسع له ولغيره ، ونواهما فلا تعارض أيضاً.
ولا يشكل على ذلك الحج : فإنه يستثنى من هذه القاعدة
لأدلة تخصه عن غيره كما سيأتي، فمن نوى النفل في الحج ولم يحج انقلب حجه فرضاً.
٢ - "المشغول لا يشغل إذا كان الشاغل أجنبياً ، وكان المشغول لا يتسع .
من أمثلة ذلك:
• الرهن المنعقد على دين لا يصح أن يوثق به دين آخر إلا إذا كانت قيمته تكفي لقضائهما، أو كان الدين لذات الدائن
الأول ، لأن الحق لا يعدوه، وقد رضي بتوثقة هذه الديون بهذا الرهن وإن قلت قيمته عن قضائهما.
• ومن ذلك الموطوءة بنكاح فاسد أو شبهة يصح أن يعقد النكاح عليها ممن وطئها قبل أن تستبرأ بحيضة ، دون غيره لكونه أجنبي عن الماء الذي وقع فيها قبل أن تستبرأ بحيضة ، وفي الحديث( لا يحل لمريء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره).
وكذا المرأة المختلعة : يجوز أن يعقد عليها الزوج قبل أن تنتهي عدتها بحيضة، ولا يجوز لغيره أن يعقد عليها حتى تنتهي عدتها بحيضة، وقيل : عدتها : ثلاث حيض.
وكذا من تسرى بالأمة ثم أعتقها وتزوج بها قبل أن تحيض حيضة، وإذا تزوج بها من تسرى به غيره ممن يملكها لا يجوز أن يتزوج بها حتى تستبرأ بحيضة.
——-
• وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى أمثلة في تعارض الفرض مع النفل ، وذكر الخلاف في صحة التنفل الواقع فيها، مع التنبه إلى الفرق بين العبادة الموسعة والمضيقة، والتفريق بين التصرفات المالية للمتسع أمره والمحجور عليه، فمن أمثلة العبادات المحضة:
• إذا تضايق وقت المكتوبة هل ينعقد النفل حينئذ؟ على وجهين.
• ومن عليه صلاة فريضة فائتة، هل يصح التنفل المطلق قبل قضائها؟ على وجهين، وينبغي أن يعلم أن الصحة تنبني على ما سبق تقريره في قاعدة النهي هل يقتضي الفساد أو لا، والتفريق بين النهي الذي يختص بذا ت العبادة أو لا، وبين النهي في المعاملاتت هل يختص بحق الله أو بحق المخلوقين، ويتفرع عليه الصحة من عدمها.
• ومنها إذا شرع في التنفل بعد إقامة الصلاة المكتوبة فهل يصح؟ الأقرب عدم الصحة *لقوله ﷺ "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".*
والأصل في النفي للوجود ، فإن وجد، فلا صحة، فإذا ثبتت الصحة فلا كمال .
ويقاس عليها غيرها عند التعارض في وقت واحد .
وعلى هذا من نوى النفل من الصيام في وقت الفرض في رمضان لم يصح فرضاً ولا نفلاً.
ومن باب أولى : من نوى النفل في وقت ضاق فيه وقت المفروضة لم يصح فرضاً ولا نفلاً، لأنه إذا لم يصح الشروع في النفل عند حضور صلاة الفرض التي لم يضق وقتها، فمن باب أولى فيما ضاق وقتها، لأن شرط الصحة مقدم على شرط الوجوب.
وبه يتضح عدم صحة صيام النفل في رمضان، ولا ينقلب عن الفرض إلا على القول بعدم وجوب نية التعيين.
• ومنها إذا حج تطوعا قبل حجة الإسلام لم يقع عن التطوع، وينقلب عن فرضه بحجة الإسلام على الصحيح، .
والحج يفارق عامة العبادات في مسألة النية وتعيينها، ولهذا أدلة، فمنها أنه ﷺ سمع رجلًا يقولُ : لبَّيْكَ عن شُبْرُمَةَ ، فقال : مَنْ شُبْرُمَةُ ؟ فَذَكَرَ أخًا له أو قرابةً، قال: أحَجَجْتَ قَطُّ ؟ قال : لا ، قال : فاجعلْ هذه عنك ، ثم حُجَّ عن شُبْرُمَة" فإنه ﷺ أمره بالحج عن نفسه ولم يأمره بتصحيح النية وإعادتها .
ولأن المأمور بهو هو نية الفرض في الحج : هو النافذ دون ما في نفسه.
فالقاعدة في الحج : المعتبر النافذ الشرعي من الفعل
لا نية الفعل .
بمعنى : إذا تعارض المأمور به شرعاً من الفعل مع نية الفاعل، فالمعتبر النية الشرعية المراد تحقيقها من الشارع لا نية الفاعل .
ويدل على ذلك فير حديث شبرمة السابق : حديث: لما دنوا من مكة أمر من لم يسق الهدي أن يفسخ حجه إلى عمره .
حيث أمر الشارع بتغيير النية ولم يعد على النسك بالبطلان
ولهذا من اعتمر في أشهر الحج ولم يعد إلى أهله أو إلى أحد المواقيت وما حاذاها ، وحج من عامه ، وقع حجه تمتعاً، ولو نوى الإفراد بالإجماع .
مما يدل على أن تغيير النية في النسك لا يفسده ، بخلاف غيره فالأصل في تغيير النية في الأصل يفسده.
ويدل على أن المعتبر في الحج هو المراد الشرعي ولو خالفت ذلك نية الفاعل ، ولا يفسد ذلك النسك .
وعلى هذا من فعل فعل المتمع ونوى الإفراد وقع تمتعاً.
فالمعبرة فيه بالنافذ لا بما في نيته.
*أما التصرفات المالية فلها أمثلة، منها:*
• العتق والوقف والصدقة والهبة إذا تصرف بها وعليه دين ولم يكن حجر عليه فالمذهب صحة تصرفه وإن استغرق ماله كله، وهو الأقرب، لأن الحق في عدم نفوذه للآدمي ، فلا يعود على أصل العقد بالإبطال ، فما نهي عنه لحق المخلوق، فإن النهي فيه لا يقتضي الفساد - وقد سبق تقرير هذه القاعدة بأدلتها في القواعد -.
واختار شيخ الإسلام أنه لا ينفذ شيء من ذلك مع مطالبة الغرماء، وحكاه قولا في المذهب، وله تخريجان على أصلين من نصوص أحمد، :
منها ما نص عليه أحمد رحمه الله : أن من تبرع بماله بوقف أو صدقة وأبواه محتاجان أن لهما رده، واحتج بالحديث المروي في ذلك، - وهو ضعيف لا يثبت -
والثاني ما نص عليه أحمد أن من أوصى لأجانب وله أقارب محتاجون أن الوصية ترد عليهم .
والصحيح نفاذ ذلك ووجوبه لقوله تعالى في الوصية *"فمن بدله من بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه"*، ونقل ابن منصور عن أحمد فيمن تصدق عند موته بماله كله قال: هذا مردود، ولو كان في حياته لم أجوز له ذلك إذا كان له ولد .
والصواب والله أعلم جواز ذلك في حال الحياة، لا سيما لمن قوي توكله وقدر عليه، لإقرار النبي ﷺ لأبي بكر حين أتى بماله كله صدقة في سبيل الله فقال له *"ما أبقيت لأهلك"* قال أبقيت لهم الله ورسوله، والله تعالى أعلم.
محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
كتبها عنه في أثناء شرح القواعد لابن رجب ، تلميذه : هنيدي بن يحى الزهراني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق