———————
الحلاصة : يكره إذا كان لغير حاجة دينية، ويجوز بلا كراهة إذا لم يترتب عليع فوات مقصود شرعي من منع التبكير من قرب الإمام ، ونحو ذلك .
———————————
روى أبو داود وأحمد وغيرهما : أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم: (نهى عن الحِلَق يوم الجمعة قبل الصلاة).
١ - الحديث مختلف فيه بين التحسين والتضعيف، والأظهر : كونه حسناً بمجموع طرقه، فإن الضعيف إذا تعددت طرقه، وكان ضعفه يسيراً يرتقي إلى درجة الحسن لغيره .
٢ - الحديث محمول على الكراهة، لأنه من باب الآداب وتهذيب السلوك.
٣ - النهي في الحديث لعلة : قطع الصفوف ، والتضييق على المصلين في المسجد من أجل حلق العلم ، أو ما إذا كان التحلق للحديث بأمر الدنيا.
والقاعدة : الأصل في الأحكام التعليل .
٤ - جمهور الفقهاء الذين ذكروا النهي في الحلق يوم الجمعة لم يعتبروه نهياً مُحرّماً بل نهياً على سبيل الكراهة :
أ - قال العلاّمة الطحاوي: (النهي عن التحلق إذا عم المسجد وغلبه فهو مكروه وغير ذلك فلا بأس به، وقال العراقي حمله أصحابنا والجمهور على بابه لأنه ربما قطع الصفوف مع كونهم مأمورين يوم الجمعة بالتبكير والتراص في الصفوف الأول فالأول).
ب - وقال ابن العربي في عارضة الحوذي بشرح سنن الترمذي (2/119) :
" وإنما نهى عنه يوم الجمعة لأنهم ينبغي لهم أن يكونوا صفوفا يستقبلون الإمام في الخطبة و يعتدلون خلفه للصلاة ".
ج - ذكر صاحب تحفة الأحوذي(1/351):
" وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَطَعَ الصُّفُوفَ مَعَ كَوْنِهِمْ مَأْمُورِينَ بِالتَّبْكِيرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالتَّرَاصِّ فِي الصُّفُوفِ ، الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَلِأَنَّهُ يُخَالِفُ هَيْئَةَ اِجْتِمَاعِ الْمُصَلِّينَ".
د - قال السندي في حاشيته على سنن النسائي (1/348): " وَقِيلَ النَّهْيُ عَنِ التَّحَلُّقِ إِذَا عَمَّ الْمَسْجِدَ وَعَلَيْهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ"
ه - جاء في كشّاف القناع : (2 / 48) "( ولا أن يصلي ) لما تقدم من أنه يحرم ابتداء غير تحية مسجد بعد خروج الإمام ( أو ) أي ولا أن ( يجلس في حلقة ) قال في الشرح : ويكره التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة } رواه أحمد وأبو داود والنسائي ."
تنبيه : ورد عن جماعة من السلف الصالح من الصحابة والتابعين، إلقاء دروسٍ ومجالس علميّة قبل صلاة الجمعة، وهي ثابتة بأسانيد حسان وجياد وصحاح ومنهم عدد كثير من كبار الصحابة، وعلى رأسهم أبو هريرة رضي الله عنه حيث كان يحدث حتى إذا سمع باب المقصورة لخروج الإمام للصلاة جلس) كما هو في المستدرك بسند صححه الحاكم والذهبي.
ومِمَّن نُقِلَ عنه جواز ذلك والعمل به كذلك: عمر بن الخطاب وإذنه بالتدريس، والسائب بن يزيد، وعبد الله بن بسر،وعبد الله بن عمر، وسلمان الفارسي.
فقد ورد في مصنف ابن أبي شيبة (5590) بإسناد جيد أن معاوية بن قرة قال ( أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من مزينة ليس منهم إلا من طعن أو طعن، أو ضرب أو ضرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الجمعة اغتسلوا، ولبسوا من صالح ثيابهم، ونسموا من طيب نسائهم، ثمَّ أتوا الجمعة، وصلوا ركعتين، ثم جلسوا يبثون العلم والسنَّة حتَّى يخرج الإمام).
وقد ورد كذلك هذا الفعل عن جماعة من أهل العلم منهم الإمام مالك ، ويحيى القطان.
قال الخطيب البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه : (وقد رأيت كافة شيوخنا من الفقهاء والمحدثين يفعلونه، وجاء مثله عن عدة من الصحابة والتابعين).
وبهذا يتبين جواز ذلك للحاجة الدينية، وكراهة التحلق عند تحقق فوات مقصود شرعي بسببه، وأما إذا ترتب على التحلق فوات أمر واجب فهو حرام ، كالتحلق بعد خروج الإمام للخطبة، والإعراض عن الاستماع للخطيب بالانشغال عنه بحضور الدرس . والله تعالى أعلم .
محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق