تأملات في قوله تعالى :( وخلقناكم أزواج ).
القواعد الأصولية ، والفقهية في الآية :
—————-
1 - قوله تعالى ( وخلقناكم ): الواو ههنا حرف عطف على ما سبق .
والخلق : الإيجاد من العدم ، ولا يوجد من العدم إلا الله ، ومن اعتقد أن هناك من يوجد من العدم غير الله تعالى فقد أشرك شركاً أكبر في توحيد الربوبية ، وبهذا نعرف خطأ القاعدة الفيزائية : الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم .
بل الموجد لها من العدم هو الله سبحانه وتعالى .
2 - يستلزم توحيد الربوبية توحيد الألوهية .
فتوحيد الربوبية : إفراد الله بأفعاله .
فتعتقد اعتقاداً جازماً : أن المالك الخالق المدبر هو رب العالمين وحده لا شريك له .
فتوحيد الربوبية متعلق "بأفعال الرب، والأمور الكونية؛ كالخلق، والرزق، والإحياء، والأمانة وغيرها".
وتوحيد الألوهية متعلق "بأفعال المكلفين من صلاة، وصيام، ومحبة، وخوف، ورجاء، وأوامر، ونواهي، ومن واجب، ومحرم، ومكروه".
فإفراد الله تعالى بجميع العبادات الطاهرة والباطنة هو توحيد الألوهية .
والعبادة : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة منها والباطنة .
وتوحيد الأسماء والصفات : هو إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات ، في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل ، ولا تعطيل ، (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ).
3 - ( أزواجاً): اسم للعدد الزوجي عكس الفردي، أي ذكراً وأنثى .
والزوج يطلق على الدكر والأنثى ، وفي الحديث:( ما حق زوج أحدنا عليه؟ ، قال: ( أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت).
وقال تعالى :( ( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة …).
قال تعالى ( وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ).
ويطلق ويراد بالأزواج : الأصناف .
أصنافاً: في اللون ، واللسان ، والشكل .
أي: الأصناف المتقابلة: فيكون المراد منه كل زوجين و[ كل ] متقابلين من القبيح والحسن والطويل والقصير وجميع المتقابلات والأضداد، كما قال : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين ).
وقال تعالى :( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم)
وقد يراد به : الخلق من مني الذكر والأنثى .
ولا شك أن الإطلاق الأول : هو الأعم الأغلب .
والقاعدة : النص يحمل على الأعم الأغلب .
والقاعدة : أن النص إذا كان يحتمل بأكثر من معنى بحسب أوضاع متعددة ، لم يحمل على أحد تلك المعاني إلا بدليل أو قرينة .
4 - كون الذكر والأنثى يطلق على كل واحد منهما زوج، لا يعني اشتراكهما في جميع الأحكام .
والقاعدة : الاشتراك في الاسم لا يعني الاشتراك في الحكم .
وبالإجماع أن الذكر أفضل من الأنثى من حيث الجنس، كما أن جنس العرب أفضل من جنس العجم بالإجماع ، قال تعالى :( وليس الذكر كالأنثى ).
وفرق بين العدل والمساواة ، فالشارع جاء بالعدل: وهو وضع الشيء في موضعه الذي له، ولم يأت بالمساواة بين الذكر والأنثى في كل شيء.
5 - قاعدة : ما ثبت للرجل ثبت للأنثى ، وما ثبت للأنثى ثبت للرجل من الأحكام إلا ما دل الدليل على تخصيصه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :( إنما النساء شقائق الوجال ).
6 - وفي قوله : وخلقناكم أزواجا إيماء إلى ما في ذلك الخلق من حكمة إيجاد قوة التناسل من اقتران الذكر بالأنثى ، وهو مناط الإيماء إلى الاستدلال على إمكان إعادة الأجساد ، فإن القادر على إيجاد هذا التكوين العجيب ابتداء بقوة التناسل قادر على إيجاد مثله بمثل تلك الدقة أو أدق .
7 - وفيه استدلال على عظيم قدرة الله وحكمته ، وامتنان على الناس بأنه خلقهم ، وأنه خلقهم بحالة تجعل لكل واحد من الصنفين ما يصلح لأن يكون له زوجا ، ليحصل التعاون والتشارك في الأنس والتنعم ، قال تعالى : ( وجعل منها زوجها ليسكن إليها )
8 - وفي ذلك حمل لهم على الشكر بالإقبال على النظر فيما بلغ إليهم عن الله الذي أسعفهم بهذه النعم على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعريض بأن إعراضهم عن قبول الدعوة الإسلامية ومكابرتهم فيما بلغهم من ذلك كفران لنعمة واهب النعم .
كتبه / أ . د . محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى . مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق