حكم جمع الشعر على هيئة الكعكة فوق الرأس أو على الرقبة؟
—————————
الخلاصة : يجوز للمرأة وضع شعر رأسها على هيئة الكعكة .
—————————————————-
في صحيح مسلم : عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -ﷺ-:
«صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذ ».
( رؤسهن كأسنمة البخت المائلة ): هل هو لتحريم هذا الوصف،
أو هو تحريم الكاسيات العاريات ،والمائلات المميلات ، وعلامة وجودهن عند ظهورهن بعد عصر النبوة مع اتصافهن بما سبق كون رؤوسهم كأسنمة البخت المائلة .
احتمالان
على الاحتمال الثاني لا يفيد تحريم هذا الفعل، بكون رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة .
وعلى الاحتمال الأول / يفيد التحريم .
يؤيد التحريم
كون المحتمل للصفة المقيدة أو الكاشفة ، فالأصل فيه التقييد .
ويؤيده أيضاً قاعدة : التأسيس أولى من التأكيد .
ويدل على الاحتمال الثاني
ما يلي :
1 - الأصل الجواز إلا ما دل الدليل على تحريمه، والنص يحتمل أكثر من معنى ، والقاعدة : النص إذا كان يحتمل معنيين بحسب أوضاع متعددة لم يحمل عليهما.
2 - أن هذه الثلاث أجزاء لعلة واحدة ، فيكون التحريم لمن جمع بينها وهي من كانت كاسية عارية ، مائلة مميلة، رأسها كأسنمت البخت المائلة ، وما عدا ذلك لا يدخل في نص تحريم هذا الحديث، وإن وجدت أدلة أخرى تدل على تحريم بعض أجزاء هذه العلة من دليل آخر ، ككونها مائلة مميلة .
—وقد سبقت قاعدة : فرق بين أجزاء العلة ، والعلل مجتمعة . فالأصل أن الحكم إذا علق على أوصاف متعددة مناسبة لتعليق الحكم عليها ، لا يجوز تعليق الحكم على بعض تلك الأوصاف دون بعض بلا دليل . ويعبر عن ذلك بأسلوب آخر وهو أن الشارع إذا علق الحكم على وصفين لا يجوز تعليقه على أحدهما دون الآخر ، وإذا علقة على ثلاثة أوصاف لا يجوز تعليقه على اثنين ، وهكذا. وذلك كقوله صلى الله عليه وسلم ( تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقوأها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً) يستدل به الحنابلة على أن آخر وقت العصر الاختياري ينتهي بصفرار الشمس ، ويجاب عنه بالقاعدة السابقة : أن الحكم علق على أشياء متعددة فلا يصح تعليقه على بعضها دون بعض ، فيكون الراجح القول الآخر : وهو أن وقت الفضيلة ينتهي إلى إصفرار الشمس ، لحديث عبدالله بن عمرو مرفوعاً ( ووقت العصر مالم تصفر الشمس ) ويستمر وقت الجواز إلى غروب الشمس لقوله صلى الله عليه وسلم ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ). هذا مالم يقم الدليل على أن كل وصف إذا انفرد صالح أن يكون علة مستقلة لثبوت الحكم ، كوجوب الوضوء على من بال ، ونام نوماً عميقاً، وأكل لحم الإبل ، فإن كل وصف إذا انفرد استقل بوجوب الوضوء ، وإن وجدنا الشارع لا يرتب الحكم مع كل واحد من هذه الأوصاف بمفرده قلنا : هي علة واحدة مركبة من تلك الأوصاف—.
والذي يظهر لي الجواز وعدم تحريم هذا الفعل وهو وضع الشعر على هيئة الكعكعة للمرأة ما لم يصل ذلك إلى حد التبرج وهو إبراز المحاسن أمام الرجال الأجانب( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، ولقوله تعالى :( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن )، أو كان ذلك من باب الغش والتزوير في إبراز ما ليس على حقيقته ( المتشبع بما لم يعط كلبس ثوبي زور ) ، أو كان ذلك من الوصل الذي لعن الشارع فيه الواصلة والمستوصلة .
وذلك للأسباب التالية :
1 - أن الاستدلال بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - السابق على التحريم فيه نظر ، لكونه تطرق إليه الاحتمال المساوي أو الراجح فبطل به الاستدلال ، والقاعدة : النص إذا تطرق إليه الاحتمال الراجح أو المساوي بطل به الاستدلال .
2 - أن المراد بكون الشعر على هيئة الكعكة هو المراد من الحديث ( رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة) ، فيه نظر ، بل المراد من قوله : كأسنمة البخت المائلة أي من الهزال كما في الصورة 👇
وفي الحديث قال :( رؤوسهن )
ولم يقل : شعورهن .
وهذا يقوي ما ذهب إليه ابن الأثير .
قال رحمه الله : «هنّ الاتي يتعمَّمن بالمقانع على رؤوسهن، يكبّرنها بها. وهو من شعار المغنيات».
3 - أن الحديث وصف صنفاً لم يره النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعت فيه هذه الصفات الثلاث، فلا يدخل في نص الحديث من اتصف بأقل من هذه الصفات الثلاث، وإن أخذ تحريم بعض تلك الصفات من أدلة أخرى .
4 - الميل في الحديث للرؤوس لا للشعر، وإن كان يحتمل أن المراد به الشعر ، ولكنه حقيقة على الرأس ، ومجاز على الشعر ، والقاعدة : الأصل في الكلام الحقيقة .
وبما أنه يمكن حمله على الرأس في الميل ، فهو أولى من حمله على غيره، فيكون ذلك الميل للرأس بسبب الهزال ، كما سبق بيانه .
وهذا فيه نظر، لأنه خارج المتبادر للذهن، ولكون هذه الوصاف جرت مجرى الفسق والفجور والظهور والبروز لا على سبيل الهزال والضعف الغير موجب للبطر والفسق .
5 - وللقاعدة : وصف الشئ على العموم مع الذم ليس ذماً في ذاته .
كذكر النبي صلى الله عليه وسلم اناس ياتون اخر الزمان يصبغون كحواصل الطير
ليس فيه ذما' للسواد ، وزيادة السواد في حديث( غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد ) شاذة، أي( وجنبوه السواد ).
كما وجهه الطحاوي وغيره
مع العلم بأن حمل الرأس في الحديث على الشعر احتمال وجيه وقوي و إليه ذهب جمع كثير من الفقهاء، ومع ذلك منهم من حمل ذلك على التحريم ، ومنهم من حمله على الكراهة ، ومنهم من يرى أن النهي لأمر خارج عن ذات ميل الشعر ، وإنما ذلك لكونه شعاراً للمغنيات ، أو لكونه تكثيراً للشعر على غير حقيقته، ومنهم من يرى أن هذا الوصف غير مؤثر بذاته وإنما هو وصف طردي ، وعلامة من العلامات عند تحقق ما قبله من الأوصاف، وهو في نظري أقرب .
والله أعلم .
كتبه / أ . د . محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى . مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق