قاعدة : المعاقبة بالمثل مشروعة ما لم تكن محرمة لحق الله تعالى .
لما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن جارية وجد رأسها قد رُض ّ بين حجرين ، فسألوها: من صنع بكِ هذا ؟ فلان، فلان، حتى ذكروا يهودياً ، فأومأت برأسها ، فأخذ اليهودي، فأقر. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين ).
ولما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : " قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ ، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِقَاحٍ ، وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا ، فَانْطَلَقُوا ، فَلَمَّا صَحُّوا ، قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ ، فَجَاءَ الخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ ، فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ، وَسُمِّرَتْ أَعْيُنُهُمْ ، وَأُلْقُوا فِي الحَرَّةِ ، يَسْتَسْقُونَ فَلاَ يُسْقَوْنَ " .
و في رواية أخرى عند البخاري ( ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ بِهَا ) .
ولقوله تعالى ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين )
ولقوله تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ).
ما لم ).يكن محرماً لحق الله تعالى ، لا لحق المخلوق، لما في البخاري مرفوعاً( وإن النار لا يعذب بها إلا الله ).
وفي لفظ آخر له ( لا تعذبوا بعذاب الله ).
وكذا من فعل اللواط بآخر حتى مات، لا يفعل به اللواط حتى يموت، وإنما يقتل بفعل لا حرمة فيه لحق الله تعالى .
والفرق بين حق الله تعالى ، وحق المخلوق، أن حق المخلوق إذا تنازل المخلوق عن حقه ارتفع الإثم كالخطبة على خطية أخيك .
بخلاف حق الله تعالى، فإذا تنازل المخلوق ورضي لا يرتفع المأثم، كمن زضي بالزيادة في الأموال الربوية إذا كانت من جنس واحد، فإذا تواضى الطرفان ، لم تحل، فلا أثر لرضاهما.
- وقد سبق ذلك في. حكم القتل بالنار -
فإذا قتله بوسيلة محرمة فإنه لا يقتل بها، كاللواط والسحر ، أو سقاه خمراً.
وقيل : بل يفعل به ولو كان محرماً، ولكن لا نفعل المحرم، فإذا قتله باللواط، أُدخل خشبة في دبره حتى يموت، وهكذا.
والصحيح أن المحرم ينقسم إلى قسمين :
أ - محرم لذاته، فلا يجوز فعله في الغير ، ولو كان من باب المماثلة.
ب - محرم للعدوان : فيجوز فعله بالغير من باب المماثلة لا ابتداء.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن القصاص لا يستوفى في النفس إلا بضرب العنق بالسيف، ولو كان الجاني قتله بغيره ،لما رواه ابن ماجة مرفوعاً ( لا قود إلا بالسيف ).وهو حديث ضعيف ، والضعيف لا يحتج به في الأحكام الشرعية .
والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق