حكم اغتسال المرأة للجمعة في يوم الجمعة:
----
يشرع الاغتسال يوم الجمعة لكل من أراد أن يحضر الجمعة، لما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من جاء إلى الجمعة فليغتسل).
فإن قيل: هذا لا يخصص قول النبي صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم).
لأن القاعدة: أحد أفراد العام لا يخصص به إذا كان موافقاً له في الحكم.
فمثلاً (وفي الغنم الصدقة -الزكاة-) وفي الأثر الآخر (وفي الغنم في سائمتها...)، السائمة لا تخصص النص الأول -الغنم-، لأنه أحد أفراده موافقاً له في الحكم.
فالجواب: أن القاعدة الأصولية: أحد أفراد العام لا يخصص به إذا كان موافقاً له في الحكم صحيحة كحديث: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) في الصحيحين، وفي صحيح مسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وتربتها طهوراً) والتربة أحد أفراد العام -الأرض-، فلم يحصل التخصيص، لأن الحكم فيهما واحد.
وأما الأثر (وفي الغنم ..)، والآخر (في سائمة الغنم): فالجواب:
١- من أهل العلم من أوجب الزكاة في الغنم مطلقاً إذا بلغت نصاباً حتى وإن لم تكن سائمة، وكذا في جميع بهيمة الأنعام، ومنهم المالكية.
٢- أن العام يخصص بالقياس.
وفي الغنم غير السائمة لا زكاة فيها، لأنها لم تعد للنماء، وكل ما لم يعد للنماء فلا زكاة فيه،
لحديث: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) ولهذا إذا أعدت للربح والتجارة فزكاتها زكاة عروض التجارة.
فالقياس على العبد والفرس يخصص عموم لفظ وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام- (وفي الغنم...)
واختلف في الحلي، فمن أوجب فيه الزكاة لتصحيح النصوص الواردة فيه بخصوصه، لا إشكال عنده على القاعدة، لأن عين الذهب والفضة مما تجب فيه الزكاة بخلاف غيره من الأجناس، ولأن الذهب والفضة هي بعينها نماء، بخلاف غيرها فالنماء في غير عينها.
٣- ولأن هذه القاعدة لا تعارض القاعدة الأخرى: إذا تعارض اللفظ والمعنى، قدم المعنى إذا ظهر، وإن لم يظهر فإتباع اللفظ أولى.
ومعنى السوم ظاهر في وجوب الزكاة، فتقييد الجمهور وجوب الزكاة بكونها سائمة تقييد للفظ بالمعنى، لا لكون لفظ (سائمة) أحد أفراد العام.
وبناء على ذلك: فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) من إضافة الشيء إلى سببه، فإضافة الغسل للجمعة من أجل الجمعة.
أي صلاتها، فهو من تقييد اللفظ بالمعنى، إذ الاغتسال بسببب حضور الجمعة، لا من أجل ذات اليوم، وعلى فرض التعارض، يرجع للقاعدة: إذا تعارض اللفظ والمعنى قدم المعنى إذا ظهر.
وبهذا يرد على الظاهرية الذين قالوا باستحباب غسل الجمعة ولو كان ذلك بعد الانتهاء من صلاة الجمعة.
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها زوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالت: ((كان الناسُ يَنتابونَ يوم الجُمُعةِ من منازلِهم والعوالي، فيأتون في الغُبارِ، يُصيبُهم الغبارُ والعَرَقُ، فيخرج منهم العرقُ، فأتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنسانٌ منهم وهو عندي، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لو أنَّكم تَطهَّرتُم ليومِكم هذا))
فقد بينت عائشة رضي الله عنها: أن الناس يجتمعون من بعيد فتخرج لهم رائحة يوم الجمعة، فأمروا بالغسل يوم الجمعة.
فإن قيل: هذه حكمة وليست علة، بدليل أن الإنسان لو كان من أنظف عباد الله كلهم ولا تخرج منه زهومة، فهل لا يشرع له الاغتسال، وكذا لو كان الناس في جو بارد لا تخرج لهم رائحة كريهة، هل يشرع لهم الاغتسال.
فالجواب: نعم يشرع لكل من أراد حضور الجمعة: الاغتسال لحضور الجمعة.
ولا يرد عليه ما سبق، لأن العبرة بالأعم الأغلب لا للقليل والنادر، فالأعم الأغلب عند اجتماع الناس في مكان عام ولم يغتسلوا يحصل ذلك منهم، وعند عدم وجوده في القليل والنادر لا ينافي التعليل به، والقاعدة: الشاذ لا حكم له.
وكذا التعليل: في كون الخمر والميسر: يصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، ويورث العداوة والبغضاء، لا ينفي التعليل به عند من لا يوجد منه ذلك، لأن العبرة بالأعم الأغلب، لا بالقليل والنادر، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون). فلا ينتفي الحكم من لا يصده ذلك عن الصلاة وذكر الله، ولا يورث له العداوة والبغضاء.
وعليه: فلا يستحب للمرأة الاغتسال في يوم الجمعة للجمعة وهي لا تريد حضورها، ولا يشترط الاتصال بين الاغتسال والذهاب للجمعة، للقاعدة السابقة: أحد أفراد العام لا يخصص به إذا كان موافقاً له في الحكم.
والله تعالى أعلم.
كتبه / أبو نجم : محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق