حكم مزاحمة السيارات الخاصة للسيارات المخصصة لنقل الركاب:
--------
الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه، لقوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه).
وعلى هذا يجوز أن يعمل الإنسان على سيارته الخاصة به تأجيراً، ولا يعارض ذلك وجود سيارات أجرة خاصة.
١- فإن قيل: إن هذا يعارض تقييد الإمام للمباح، والإمام قد قيد ذلك: بأن تأجير السيارات خاص بالسيارات التي رخص لها بذلك، كسيارات التكاسي ونحوها.
والجواب: أن الإمام ليس له أن يحرم ما أباح الله تعالى، وإنما له تقييد المباح فيما مصلحته أعظم في حالات معينة وخاصة لا مطلقة ولا عامة: (قل أأنتم أعلم أم الله).
وعليه لا يجوز للإمام تحريم المباح أو إيجاب فعله، أو تقييده بإذنه كتشريع عام، وإنما يجوز له التدخل بالمنع أو الإلزام في بعض أفراد المباح، وفي حالات مخصوصة بهدف تحقيق مقصد شرعي من ذلك، لأن الإباحة حكم من خالق العباد وربهم، ومتى ثبت بالدليل الشرعي إباحة الفعل فليس لمخلوق المنع أو الإلزام به على وجه العموم والإطلاق.
وبناء عليه: لا حرج على الشخص في أن يعمل على سيارته الخاصة كأجرة لرفع مستواه المعيشي، ولو منعه الإمام.
لأنه من قطع أرزاق الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض، رواه مسلم.
٢- فإن قيل: إن منع الإنسان في المطارات خاصة متوجه، لأن المكان ملك للمستثمر، أو أحياه ولي أمر المسلمين من بيت مال المسلمين، فلا يتصرف فيه أحد إلا بإذنه.
فالجواب: أن المستثمر والإمام ليس له التصرف المطلق، في كل ما كان بحوزة هذا المكان، فوجود الشيء في المكان الذي أحياه، لا يعني أنه يملك كل الذوات والأعيان والتصرفات، قال تعالى: (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون)، فيجوز دخول البيت الذي لكزفيه متاع لكم، ولا يمكن استئذان أهلها لعدم تضررهم، وليس لأهلها منعكم منها إذا لم يكن عليهم في ذلك ضرراً.
والانتفاع مما ينتفع به المسلم ولا يضر غيره، لا يجوز منعه منه، لحديث أبي هريرة: (لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره).
فإن قيل: إن هذا يتضرر، لأنه يأخذ على المرخص لهم بأخذ الركاب مالاً مادياً، فلو جاز لغيرهم لتضرر.
فالجواب: أن هذا الضرر مهدر، لأنه يأخذ عليهم رسوماً غير مشروعة، فهو لا يؤجرهم ما أحياه، ولكنه يمنعهم من الانتفاع الذي سبقوا إليه إلا بأجرة، وفرق بين المنفعة والانتفاع، فالمنفعة مملوكة، والانتفاع غير مملوك، فأصحاب السيارات لا يستأجرون المكان المحيا، وإنما يمنعون من أخذ الناس إلا برسوم مادية.
ففرق بين الانتفاع بالمملوك، ومنفعة المملوك -كما سبق في القواعد: الفرق بين المنفعة والانتفاع-.
فأخذ الركاب من المطار: انتفاع، وليس منفعة مملوكة.
ثم إن هذا الضرر إنما لحقهم بسبب الأحتكار الممنوع، ودفع الاحتكار أولى، فليست مضرة الركاب أولى من مضرة أصحاب الأجرة (دعوا الناس، يرزق الله بعضهم من بعض) فدفع مضرة الاحتكار المحرم، أولى من دفع مضرة من تضرر بسبب عدم الأحتكار، (لا يحتكر إلا خاطيء).
٣- فإن قيل: إن هذا فيه معنى تلقي الركبان، لأن من أهل السيارات الخصوصي من يدخل إلى الصالات الداخلية، ويعرض أسعاراً أقل من سعر سيارات الأجرة في مكانها.
فالجواب: أن في تلقي الركبان ضرراً على صاحب السلعة، ولهذا جعل له الخيار إذا أتى السوق، (فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار). بينما هذا ينتفع الطرفان ولا مضرة على الزبون ولا على صاحب السيارة فكلاهما منتفع.
بل بو قيل بأن منع السيارات من التأجير للركاب إلا من أصحاب السيارات المرخص لها -كسيارات الأجرة- من الاحتكار لكان وجيهاً.
وذلك أن الاحتكار: حبس السلعة من البيع إرادة الغلاء.
وفي الحديث: (لا يحتكر إلا خاطيء) والخاطيء: فاعل الإثم عن عمد.
وهؤلاء يمنعون غيرهم حتى يكون الركاب لهم، ثم يرفعون عليهم السعر كيفما أرادوا، ولا يجعلون الناس يرزق الله بعضهم من بعض.
٤- فإن قيل: إن في ذلك بيع الرجل على بيع أخيه، وسومه على سوم أخيه.
فالجواب: أن هذا فيما اتفق المؤجر والمستأجر على ثمن معين، أو ركن بعضهم إلى بعض، ثم جاء الآخر، وقال: عندي هذا المشوار أو هذا العمل بثمن أقل منه، فحينئذ يكون من بيع المسلم على بيع أخيه، أو سومه على سوم أخيه.
وعليه: فلا يجوز لصاحب السيارة الخاصة أن يأتي لمن اتفق معهم صاحب الأجرة المرحص له، ويقول للراكب: أوصلك بأجرة أقل.
٥- فإن قيل: إن هذا فيه تعد على حق المسلم، وحقوق المسلمين معتبرة، فهؤلاء المرخص لهم يأتون بترتيب معين، الأولوية للأول فالأول، ويأتي غير المرخص له، ويأخذ حقهم في هذا الترتيب. (كل المسلم على المسلم حرام...).
والجواب: أن هذه الأولوية تكون لمن التزم نظامهم، وأخذ بمقدار أجرتهم، فتكون الأولوية للأول منهم فالأول، وأما من لم يلتزم بأجرهم، ولا بمكانهم ولا بنظامهم.
فلا أولوية لهم عليه ولا عليهم، فمكانه غير مكانهم الذي اصطفوا فيه، ومقدار الأجرة مختلف عنهم، وليس بينه وبينهم رابط يلتزم فيه معهم، وهم كذلك.
أما من اصطف معم والتزم أجرتهم ونظامهم فالأحقية للأول فالأول.
كتبه / أبو نجم / محمد العصيمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق