————
(الخلاصة: الجواز، والأحوط تركه).
—————-
هذه المسألة القول فيها كالقول في حكم من سافر ليفطر:
وكمن سافر بزوجته ليطأها في نهار رمضان:
————
القول الأول: يحرم ذلك، ولا يجوز له السفر، ولا يجوز له الفطر.
وذلك للأدلة الآتية:
١- ان هذا سفر معصية، ولا يجوز الترخص برخص السفر في سفر المعصية، لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان. فالعذر المبيح للفطر: هو السفر المباح، وهنا لا يعتبر مباحاً من أجل قصد الفطر لا السفر.
والجواب عنه من أوجه:
أ- أن الجهة منفكة؛ فالسفر له أحكام، وفعل المحظور لا يجوز في السفر ولا في الحضر، وكون الإنسان مقيماً أو مسافراً تتعلق بإقامته أحكام: فلا يجوز له الفطر من غير عذر، وفي حال السفر: يجوز له الفطر، نظير القصر والإتمام.
ب- لا يسلم أن سفر المعصية لا تتعلق به أحكام السفر، بل الأصح أن أحكام السفر تتعلق بكل مسافر.
ج- عدم التسليم بأن سفره من أجل الفطر، سافر لمحرم -كما سيأتي في أدلة القول الثاني-.
٢- ولأن العلة في سفره الفطر، لا السفر، فيعامل بنقيض قصده. والقاعدة: من استعجل شيئاً قبل أوانه، عوقب بحرمانه.
والجواب: أن العلة هي السفر حتى ولو قصد الفطر، لأن الفطر ضمنه له الشارع وحققه له بسفره سواء نواه أو لم ينوه، فهو تحصيل حاصل له بالشرع، وقصده إنما هو من باب التأكيد على ما شرعه وأجازه له الشارع في حال سفره.
٣- ولأن الأمور بمقاصدها، والوسائل لها أحكام المقاصد.
والجواب: أن هذا المقصد محقق له من الشارع عند وجود السفر، وقصد ما كان الشارع محققه له من باب التأكيد، ولا يناقض مقصود الشارع، كمن أقرض إنساناً من أجل أن يكون المال المقرض من ضمانه صح، ولم يكن من القرض الذي جر نفعاً.
٤- ولأن هذا من التحايل من أجل إسقاط حكم شرعي، والتحايل لا يزيد الأمر إلا تحريماً.
والجواب: أن هذا من باب الأخذ بالوسيلة الشرعية وتلك الوسيلة المحرمة في الفطر، كما في حديث أبي سعيد (أكل تمر خيبر هكذا؟) قالوا: لا والله يا رسول الله: (إنا لنأخذ الصاع بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال صلى الله عليه وسلم: (أوّاه عين الربا ردوه، ولكن بع الجمع بالدراهم، واشترِ بالدراهم جنيباً).
فبين لهم الطريق المحرم من الوسائل، وأرشدهم إلى الطريق المشروع.
القول الثاني: يكره ذلك ولا يحرم، ويجوز له الفطر. حكاه ابن مفلح في المبدع.
وذلك:
١- لأن الحكم معلق على السفر وقد وجد، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
٢- ولأن الفطر في السفر ليس بمحرم، فمن سافر ليفطر، سافر ليفعل المباح الذي يجوز في السفر ولا يجوز في الحضر.
٣- ولأن من فعل ذلك لم يتحايل على محرم، بل قصد ما أحل الله تعالى عند وجود سببه وهو السفر.
٤- ولأن التعليق على السفر أو عدمه ليس من خطاب التكليف بل من خطاب الوضع، فإذا وجدت العلامة التي نصبها الشارع الحكيم، تعلقت به الأحكام الشرعية المتعلقة به شرعاً.
وهذا في نظري أقرب والعلم عند الله تعالى، مع أن الأخذ بالورع وترك ما يخشى مضرته في الآخرة هو الأولى.
فإن قيل: أليس من عزم على شرب الماء ولم يمنعه إلا عدم وجوده يكون مفطرا
وذلك أن للصيام ركنان النية والإمساك عن المفطرات فمن سافر للجماع فقط فقد هتك الركن الأول.
فالجواب: فرق بينهما: هنا عنده قدرة على الجماع ولم يجامع في حال الحضر.
وذاك ليس عنده قدرة على شرب الماء وهو يحاول أو يقول -بما جاوز الصدر- ولهذا لو كان عنده الماء وهو يقول سأفطر ولم يشرب لم يفطر لأنها ليست نية جازمة.
فالنية الجازمة عند القدرة والإرادة على الفعل ولم يفعل فهي نية غير جازمة ولا يفطر بها -كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله-.
فنية الفطر لم تكن في حال الإقامة، بل كانت في حال السفر.
كالفرق بين من طلق ومن سيطلق.
تقع في الأولى ولا تقع في الثانية.
كتبه/ د.محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق