المطلقة الرجعية هل يلزم زوجها القسم لها:
حكم خروج المطلقة الرجعية من بيت زوجها بغير إذنه:
————-
الخلاصة: يجب أن يقسم لزوجته الرجعية مع سائر زوجاته.
ولا يجوز للمطلقة الرجعية الخروج من منزل زوجها إلا بإذنه، كسائر زوجاته.
———————
المطلقة الرجعية، يتجاذبها أصلان:
الأصل الأول: أنها خرجت بالطلاق فتحتاج إلى إرجاع وإمساك عند رغبته في عودتها إلى ذمته، ولهذا قال تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف) فإذا لم يتم الإمساك بالمراجعة في العدة بقيت على أصل خروجها، فإذا انتهت فترة المراجعة ولم يراجع تأكد أصل الخروج من الذمة، ولم يبق له حق الرجعة بعد مضي زمنه.
وبناء على هذا الأصل: لا يجوز لزوجها أن يجامع ولا أن يطأ في وقت العدة، ويؤيده حديث ابن عمر (مره فليراجعها) فدل على أنها بعد الطلاق وقبل الرجعة ليست زوجة له.
ويترتب على ذلك أنه لا قسم للمطلقة الرجعية مع سائر زوجاته، لأنه لا يتكمن من الاستمتاع بها في تلك المدة إلا بالرجعة.
ويؤيد ذلك: أنه لو جاز له الجماع في فترة العدة، حتى تنتهي، لترتب على ذلك عدم العلم ببراءة الرحم بانتهاء العدة، والعلم ببراءة رحم المرأة من زوجها المطلق من أعظم مقاصد اشتراط العدة، وهو على أقل الأحوال جزء علة، وإن لم يكن هو كل العلة من اشتراط العدة للمطلقة.
- فإن قيل: إنه إذا جامعها في تلك الفترة فترة العدة، فإنه يعتبر من الزوج رجعة بالفعل، وبناء على ذلك تنتهي فترة العدة، وتكون زوجة لا مطلقة رجعية.
- فالجواب: سبق أن ذكرنا اختلاف العلماء في كون الجماع فقط رجعة أم لا، ورجحنا كونه رجعة مع نية المراجعة.
- وعلى فرض كونه رجعة بلا نية، كيف نوجب على الزوج القسم مع رغبته في عدم المراجعة.
ولهذا ذهب الحنفية إلى أن الزوج يقسم لمطلقته الرجعية مع غيرها من زوجاته إذا قصد رجعتها، وإذا لم يقصد رجعتها فلا يقسم.
خلافاً للشافعية والحنابلة، حيث ذهبوا إلى أن الزوج ليس له أن يقسم لمطلقته الرجعية، لأنها ليست زوجة من كل وجه.
وفيه نظر: وذلك أنهم يعتبرون المطلقة الرجعية زوجه ولها حكم الزوجات ثم يستثنون القسم بما لا يوجب الاستثناء.
الأصل الثاني: أن المطلقة الرجعية زوجة، ولها حكم الزوجات، وذلك لقوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن) فإذا كان لها حق المسكن، وهو جزء من النفقة دل على أنها لم تخرج خروجاً نهائياً، وأن خروجها في مرتبة أقل من الخروج النهائي كالبائن بالثلاث التي لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم لها سكنى ولا نفقة -كما في حديث فاطمة بنت قيس (لا نفقة لك ولا سكنى) ما لم تكن حاملاً.
ويجوز له أن يفعل ما يفعل مع امرأته غير المطلقة اللهم إلا الجماع فإذا وقع منه إن اعتبرناه رجعة فلا إشكال، وقد ذهب إلى ذلك الحنابلة، وقالوا: إن الرجعة تصح بالوطء من الأفعال لا بغيره.
لأن الطلاق سبب لزوال الملك ومعه خيار في العدة، فتصرف المالك بالوطء يمنع عمله. كمن له الخيار في المبيع المعين إذا تصرف ببيع السلعة أو هبتها كان دليلاً على فسخ الخيار.
وهذه المسألة ترجح هذا القول لعدم وجود الإشكال عليها.
وإن لم يعتبر رجعة إلا بالنية، وقيل بالقول فقط، وقع الإشكال، إذ كيف تنتهي العدة من طلاقها بثلاثة قروء -حيضات- وهي حديثة عهد بجماع منه، لم يتحقق مقصود الشارع به إلا إذا قيل إنها تستبريء بحيضة بعد الجماع كالمفسوخة والمختلعة ونحوهما، وهذا متجه جداً، وبه يرتفع الإشكال عن القولين السابقين.
وبناء على سبق يتبين: أن المطلقة الرجعية في حكم الزوجات، وكونها مطلقة طلاقاً غير بائن لا يسقط شيئاً من حقوقها إلا بدليل، والشارع جعل فرصة لعدم الاستمرار في الفراق ورغب في اجتماع الزوجين، وفي القسم لها سبب لاجتماعهما وعدم تفرقهما.
تنبيه: المطلقة الرجعية على المذهب عند الحنابلة، كالمحد لا تخرج إلا لحاجة أو ضرورة، والأصح: أنها كسائر الزوجات لا تخرج من بيت زوجها لأي غرض إلا بإذنه.
فإذا تعذر استئذان زوجها، أو تعنت، فلا تخرج إلا لحاجة أو ضرورة، وكذا كل ما فيه نفع لها ولا ضرر عليه فيه، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: (لا يمنع جار جاره أن يغرس خشبة في جداره) فكل ما فيه نفع لأخيك ولا ضرر عليك فيه، لا يجوز لك منع غيرك منه -وقد تقدم بيان هذه القاعدة في القواعد-.
والله أعلم.
كتبه/ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق