هل الهواء الخارج من رحم المرأة ينقض الوضوء:
——————
الهواء الذي يخرج من القبل لا ينقض الوضوء على الأصح، وذلك للأسباب التالية:
١- لأن النواقض للوضوء تعبدية محدودة، فلا يقاس عليها غيرها؛ لأنها غير معقولة المعنى.
والقاعدة: لا قياس في التعبدات.
وإنما القياس في العبادات -وقد تقدمت في القواعد-.
٢- ولأن الخارج من الدبر يكون من مكان تخرج منه النجاسة بخلاف الهواء الخارج من الرحم الذي غالب مصدره من الهواء الخارجي الداخل للجسد، لا متكون في الجسد خارج منه، فكان قياسه على الهواء من الدبر من القياس مع وجود الفارق المؤثر.
٣- ولأن الأصل عدم النقض، ومن قال بكونه ناقضاً يلزمه الدليل الناقل عن هذا الأصل.
٤- ولتوفر سببه في عهد النبوة ولم يرد النص بنقضه، مما يدل على عدم كونه ناقضاً.
والقاعدة: ما توفر سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله، مع وجود المقتضي وانتفاء المانع، فتركه هو السنة -وقد تقدمت في القواعد-.
٥- فإن قيل: حديث: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) يشمل الهواء الخارج من قبل المرأة.
فالجواب: أن هذا الحديث من العام الذي يراد به الخاص، فهو محمول على المعهود مما ينقض الوضوء، ولهذا قال أبو هريرة، لما سئل عنه قال: (فساء أو ضراط).
ولأن الكلام يحمل على غالب استعمالاته لا على القليل والنادر.
ولأننا لو أخذنا بعموم الحديث لأدى إلى ما لم يقل به أحد من أهل العلم.
فعمومه يشمل صوت الناقض للوضوء وغير الناقض، ويشمل الهواء الخارج من الحلق، ونحو ذلك وهو غير مراد من هذا النص بالاتفاق.
٦- فإن قيل: إذا ثبت أن ريح الدبر خرجت من غير موضعه، هل ينتقض وضوؤه.
فقد تكون الريح ناشئة عن تسرب الغازات من المصران الغليظ إلى الفرج؛ لوجود شق بين جدار المهبل الخلفي والمصران الغليظ، وقد ثبت طبيا مثل هذا، وفي هذه الحال تعتبر هذه الريح ناقضة للوضوء؛ لأن حقيقتها فساء، لكنه خرج من غير مخرجه.
فالجواب: ريح الدبر إذا خرجت من أي مكان من الجسد نقضت.
والعجز وعدمه ليس مناط النقض.
وأما من به سلس بول أو المستحاضة، يتوضأ لكل صلاة، على رأي الجمهور، أو يكتفي بالوضوء الأول، لضعف رواية (وتوضيء لكل صلاة) وصلاته صحيحية، لأن المشقة تجلب التيسير.
ولكن هل الريح لا تكون ناقضة إلا إذا خرجت من الدبر، أو أن ريح الدبر إذا خرجت من غيره نقضت، فيه احتمالان:
من نظر إلى المخرج، قال: لا نقض من غير الخارج من السبيلين، لأن الخارج المعتاد لا يكون إلا من أحدهما، فإذا خرج من غيرهما لم يكن ناقضاً، لأنه غير معتاد، ولهذا دم الاستحاضة: دم عرق، فإذا خرج من السبيلين نقض الوضوء، وإذا خرج دم العرق من غير السبيلين لم ينقض، إلا عند من يرى أن دم العرق إذا خرج فاحشاً من أي موضع من الجسد يكون ناقضاً للوضوء، فالعلة عنده والحالة تلك: كون الدم الخارج دم عرق، سواء من السبيلين أو من غيرهما،
أو يعتبر أن الناقض هو دم الاستحاضة لا أي دم من دماء العروق، سواء كان خارجاً من السبيلين أو أحدهما.
وبناء عليه: فإن ريح الدبر تنقض سواء كانت من الدبر أو من غيرهما، فالناقض ههنا كونه: ريح دبر لا المخرج.
وهذا وصف مناسب، ويؤيده (فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً). فعلق الحكم على وجود الريح لا على مخرجه.
والقاعدة: الحكم إذا علق على وصف لا يجوز تعليقه على غيره -وقد سبقت في القواعد-.
وكذلك البول إذا خرج من غير السبيلين، وعرف بأنه بول يكون ناقضاً كما يحصل في عمليات القسطرة ونحوها.
وكذا الغائط إذا عرف بأنه غائط وخرج من غير السبيلين فهو نجس وناقض، لأن البول والغائط لا يكتسبان وصف النجاسة إلا بعد خروجهما من البدن.
وأما من يرى العبرة بالمخرج لا بريح دبر، فيرى أن ريح الدبر إذا خرجت من غيره لا تنقض، فالعلة عنده المخرج، وهو كونه مخرجاً معتاداً، ونزل مظنة الشيء منزلة الشيء.
وفيه نظر، لأن المخرج ليس وصفاً مناسباً في التعليل، ولأن الحكم في النقض لم يعلق على المخرج.
وبناء على ذلك فإذا خرجت ريح الدبر من غيره نقضت إذا عرف بأنها ريح دبر، وأما إذا لم يعلم فخرجت ريح من القبل ولم يعلم بأنها ريح دبر لا تنقض.
والله أعلم.
كتبه/ د.محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق