القواعد والضوابط في باب السلم : -
السلم : تقديم الثمن وتأخير المثمن.
أو هو : عقد على موصوف في الذمة - أما على عين كدار فهو بيع - بثمن مقبوض بمجلس العقد.
١ - العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني - وقد تقدمت -
فيصح السلم بلفظ البيع ، والسلم ، والسلف ، وبكل لفظ دلّ على معناه .
٢ -كل ما يمكن ضبط صفاته يصح السلم فيه ، وما لا فلا، إلا إذا كان الاختلاف يسيراً.
لأن السلم عقد على موصوف ، فلا بدّ من انضباطه بالصفة حتى لا يؤدي إلى الغرر، ويعفى عن يسير الغرر - كما تقدم - .
فلا يصح السلم في الجواهر واللؤلؤ، لأنها تختلف في الصفا والضوء، ونحو ذلك مما لا يمكن ضبطه بالصفة ، فإذا فرض ضبطها بالصفة صح السلم فيها ، لأن الحكم يدور مع علته وجوداًوعدماً.
٣ - كل ما يفضي إلى النزاع والمشاقة والبغضاء بين المسلمين فهو حرام إلا إذا كان بحق.
لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا تباغضوا ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تناجشوا ...).
فإذا منع بحق فمنعه حق، وما ترتب على المأذون فلا إثم عليه إلا إذا كانت المفسدة أعظم من المصلحة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فيمن منع الزكاة ( إنا لآخذوها وشطر ماله ).
وجاز الهجر الشرعي الذي مصلحته أكثر من مفسدته ، فقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك لمّا تخلف هو وصاحباه عن غزوة تبوك من غير عذر حتى نزلت توبتهم .
والسلم الغير منضبط بالصفات يؤدي إلى الاختلاف والتنازع والتبغض، فكان من الغرر المؤدي إلى ذلك ، فكان محرماً.
٤ - كل رغبة أو صفة يختلف الثمن باختلافها لا يصح السلم فيها إلا بذكرها.،
فإذا قال : خذ مئة ألف ريال ووفر لي سيارة صفتها كذا وكذا - بصفات منضبطه - بعد سنة، ولم يذكر لونها ، والثمن لا يختلف باختلاف اللون، فجاءه بسيارة لونها أحمر، وهو لا يرغب هذا اللون ولا يحبه، فلا بد من ذكر اللون حينئذ عند عقد السلم . فإذا كان اختلاف اللون يؤثر في قيمة السيارة، كان ذكره في عقد السلم شرط.
٥ - لا يصح السلم في الأموال التي يجري فيها الربا.
فلا يجوز أن يسلم الأثمان بعضها في بعض،
فلو قال : خذ هذه الدنانير- عملة ذهبية - العشرة، ووفر لي بعد ثلاثة أيام عشرين درهماً - عملة فضية -لم يصح .
( فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شيئتم إذا كان يداً بيد).
٦ - كل خِلط متميز ، أو غير مقصود، أو يسير ،يصح السلم فيه.
فلا يصح السلم فيما يجمع أخلاطاً من الطيب أو المعاجين ، مقصودة ، غير متميزة ، إذا لم نعلم نسبة كل نوع من تلك الأخلاط ، وذلك للجهالة التي تؤدي إلى الغرر. أما إذا كان الخلط غير مقصود كالخبز فيه الملح، أو كان الخلط متميزاً كالثياب المنسوجة من نوعين وعلم مقدار كل نوع جاز.لانضباطه بالصفة. أو كان يسيراً، لأن اليسير في الغرر يعفى عنه.
٧- كل ما يترتب عليه فوات غرض صحيح ، أو حصول ضرر ، عند الإخلال بالشرط ، لا يلزم قبوله.
وإن لم يترتب عليه فوات غرض صحيح ، أو حصول ضرر، لزمه قبوله .
فإن جآء المسلم إليه بما شُرِط للمسلم ، لزمه قبوله، أو جاءه بأجود منه من نوعه، ولو قبل وقت حلوله، لم يفت عليه نفع أو حصول ضرر في قبضه، لزمه أخذه، لأنه جاءه بما تناوله العقد، وزيادة تنفعه ولا تضره . والعبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني.
٨ - يُغتفر في القضاء من المعاوضة ما لا يُغتفر ابتداء.
وعلى هذا فإذا أخذ عن دين السلم الذي له في ذمة الآخربدلاً عنه من غير جنسه جاز وصار ذلك بيعاً ، والاعتياض عمّا في الذمة من جنس الاستيفاء ، وفائدته : سقوط ما في ذمته عنه، لا حدوث ملك له ، فلا يقاس هذا بهذا، فإن البيع المعروف هو أن يملك المشتري ما اشتراه ، وهنا لم يملك شيئاً، بل أسقط الدين من ذمته ، ولا يقال : إنه باعه دراهم بدراهم، بل يقال: وفاه حقه، بخلاف مالو باعه دراهم معينة ، فإنه بيع . والذي أجمع العلماء على عدم جوازه: هو أن يسلف إليه شيئاً مؤجلاً في شيء مؤجل ، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم ( من أسلف في شيء فليلسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) فليلسلف : أي فليقدم الثمن كاملاً في مجلس العقد .
فإن قيل : إن بيع دين السلم ( المسلم فيه) : بيع لما لم يقبض ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه )..
والجواب : النهي في الأعيان - السلع المعينة- لا في الديون، لحديث ابن عمر ، قال : كنت أبيع الإبل بالبقيع ، فأبيع بالدنانير وأخذ الدراهم ، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير؟ فقال صلى الله عليه وسلم ( لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء).
وأما حديث ( من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره) فضعيف ، ويحمل على فرض صحته إلى : فلا يصرفه إلى مسلم آخر فيربح فيما لا يضمن، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ربح مالم يضمن . فإن لم يربح فلا حرج في صرفه إلى سلم آخر.
وعلى هذا يجوز بيع الدين على غير من هو عليه إذا لم يربح البائع فيه ، وأن يحصل التقابض قبل التفرق فيما يجري فيه ربا النسيئة، وعنده قدرة على أخذه من الغريم حتى لا يكون غرراً.
وكذا يجوز بيع الدين على من هو عليه ،بقدر القيمة لئلا يربح فيما لا يضمن .وبالشروط السابقة.
قال ابن القيم : نص أحمد على جواز بيع الدين لمن هو في ذمته ولغيره .
ومذهب مالك يجيز بيعه من غير المستسلف ، كما يجوز عنده بيع سائر الديون مت غير من هو عليه .
فإذا تعذر أخذ الدين من المدين فللمشتري الفسخ، قياساً على بيع المغصوب على قادر على أخذه، فإذا تعذر أخذه فللمشتري الفسخ على مذهب الحنابلة.
فالخلاصة : أن بيع الدين بالدين : وهو المؤخر الذي لم يقبض ، بالمؤخر الذي لم يقبض، يجوز إلا في حالتين :
أ - إذا كان رأس مال لسلم، فلابد من تقديم رأس المال كاملاً في مجلس العقد ( ..فليسلف في كيل معلوم ...) أي فليقدم .
ب - إذا كان من الأموال التي يجري فيها الربا،( فإذا اختلفت هذه الأصناف ، فبيعوا كيف شيئتم إذا كان يداً بيد).
وماعدا ذلك فالأصل الجواز، لحديث جابر في الصحيح قال
frown رمز تعبيري
كنت على جمل لي قد أعيا ، فأردت أن أسيبه فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم ، فضربه ضربة ، فسار سيراً لم يسر مثله ، فقال
frown رمز تعبيري
بعنيه) فقلت: لا، فقال
frown رمز تعبيري
بعنيه بأوقية) ، فبعته ، وأشترطت حملانه إلى أهلي،
فلما قدمت المدينة، أتيته بالجمل فنقدني ثمنه، فأرسل في أثري، وقال
frown رمز تعبيري
أتراني ماكستك لأخذ جملك ، خذ جملك ودراهمك ، فهو لك). حيث تمّ العقد في السفر ، وتم تسليم الثمن والمثمن في المدينة، فهو مؤخر لم يقبض بمؤخر لم يقبض في مجلس العقد، .
مالم يحتو على محظور شرعي ، كالحالتين السابقتين ، فإذا كان بيع دين شرط فيه أن لا يربح البائع فيه، لأنه من ربح مالم يضمن، وأن لا يتضمن غرراً، كغلبة ظنه على عدم قدرة المشتري على الاستيفاء، وأن لا يكون من الأموال التي يجري فيها الربا، فلا يفترقا وبينهما شيء.
9 - المطلق يصح بأقل ما يتناوله اللفظ.
فإذا أسلمه ألف ريال بمئة صاع من الشعير الجيد بعد سنة، صح بكل شعير يسمّى جيد .
كتبه / محمد بن سعد العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق