البدل في فدية المحظور للمحرم : -
العذر في فعل المحظور إما أن يكون من باب دفع أذاه ، فلا شيء عليه لما في الصحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم (( من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ومن لم يجد الإزار فليلبس السراويل )) ولم يوجب عليهم شيئاً .
لأنه أشبه المكره على فعل الشيء ، لحاجته إليه، والحاجة تنزل منزلة الضرورة، متى ما دلّ الدليل عليها، أو كانت في معنى ما دلّ الدليل عليه ، أو أولى مما دلّ الدليل عليه ، وما لا فلا .
وإما أن يكون من باب دفع الأذى به ، - كمن قيل له : لا تعبر إلى مكة وأنت محرم إلا إذا لبست المخيط ، فهو لم يلبس المخيط إلا لدفع الإكراه به - فتكون عليه الفدية على التخيير لقوله تعالى (( وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك )) .
ولحديث كعب بن عجرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية فقال (( آذاك هوام رأسك ؟ )) قال : نعم : فقال صلى الله عليه وسلم (( احلق رأسك ثم اذبح شاة نسكاً أو صم ثلاثة أيام أو أطعم ثلاثة آصع من تمر ، على ستة مساكين )) .
فهو رضي الله عنه حلق رأسه ليدفع الأذى - القمل - به ، فوجبت عليه الفدية، بخلاف من أكره على تغطية رأسه ، أو لبس مخيطه في حال الإحرام، فهذا لا فدية عليه، لأنه أكره على الشيء، ولم يدفع الإكراه به، فإذا دفع الإكراه به كانت عليه الفدية، ففرق بين من أكره على فعل الشيء - لا فدية عليه - ومن دفع الإكراه بالشيء - لا تمر وأنت محرم إلى مكة حتى تلبس المخيط - فعليه الفدية إذا فعل المحظور .
قال ابن كثير : (( وهو مذهب الأئمة الأربعة وعامة العلماء أنه يخير في هذا المقام ))
وأما من فعل محظوراً من محظورات الإحرام بلا عذر ، فعليه الفدية على التخيير عند الجمهور ، للأدلة السابقة .
خلافاً للحنفية : تجب عليه الفدية دماً أو الصدقة عيناً حسب جنايته لأن التخيير في الآية عند العذر ، فإذا عدم العذر فلا تخيير .
والجواب : بأن الشرط لجواز الحلق لا للتخيير .
قالوا : ولأن التخيير يكون للتيسير والتخفيف ، والجاني عمداً لا يستحقه .
والجواب : بأن الفرق بينهما أن العامد يستحق مع الفدية الإثم ، بخلاف المعذور فإن الإثم ينتفي عنه . والله أعلم .
وبهذا يترجح قول الجمهور والعلم عند الله تعالى .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق