البدل عن هدي الفوات : -
اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في لزوم الهدي وبدله لمن لم يجده ، عند فوات الحج عليه لعدم إدراكه الوقوف بعرفة على قولين :
القول الأول : يجب عليه الهدي ، فإن لم يجد الهدي انتقل إلى بدله ، فيجب عليه أن يصوم عشرة أيام ، وبه قال الجمهور من المالكية ، والشافعية ، والحنابلة .
1. لما روى البيهقي في السنن الكبرى ، والإمام مالك في الموطأ : أن أبا أيوب الأنصاري خرج حاجاً حتى إذا كان بالبادية من طريق مكة أضل رواحله ، ثم أنه قدم على عمر بن الخطاب يوم النحر ، فقال له عمر : اصنع كما يصنع المعتمر ، ثم قد حللت فإذا أدركت الحج من قابل فاحجج واهد ما استيسر من الهدي . وفي لفظ (( فإذا كان حج قابل حجوا واهدوا ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ، ( رجع إلى أهله )
والجواب عنه : بأنه قول صحابي وليس إجماعاً ، وقول الصحابي : ليس بحجة على القول الراجح ، لأن العلماء : أجمعوا على أن قول الصحابي ليس بحجة على صحابي آخر ، فلا يكون حجة علينا لأننا جميعا مخاطبون بالتشريع ، اللهم إلا إذا قال الصحابي قولاً لا مجال للإجتهاد فيه، وكان غير معروف بالأخذ عن أهل الكتاب، فيكون له حكم الرفع .
2. ولأنه أحل من إحرامه قبل إتمامه ، فوجب عليه كالمحصر .
والجواب عنه : بأن من فات عليه الحج تحلل بعمرة ، وهي أحد نوعي النسك فلم يجب عليه شيء بخلاف المحصر ، فإنه يلزمه الدم ، لأنه لم يتحلل بأحد نوعي النسك .
القول الثاني : لا يجب الهدي على من فاته الحج ، لعدم إدراكه الوقوف بعرفة ، ويتحلل بعمرة وبه قال الحنفية ، وهو رواية عند الحنابلة .
1 - لما روى الدارقطني في سننه عن ابن عباس مرفوعاً : (( من أدرك عرفات فوقف بها والمزدلفة ، فقد تم حجه ومن فاته عرفات فقد فاته الحج ، فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل )) .
2 - وروى الدارقطني في سننه () أيضاً : عن ابن عمر مرفوعاً (( من وقف بعرفات بليل فقد أدرك الحج ، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج ، فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل ))
3 - ولأن من فاته الحج تحلَّل بعمرة ، فكانت بمنزلة الدم للمحصر .
4 - ولأنه لم يرتكب محظوراً ، وقد أتى بأحد موجبي الإحرام .
وبعد هذا العرض ، يتبين رجحان القول الثاني ، وحديث ابن عباس يعتض بحديث ابن عمر إذا كان ضعفهما يسيراً ، لأن الضعيف إذا تعددت طرقه وكان ضعفه يسيراً ، يرتقي إلى درجة الحسن لغيره ، ولأن من فاته الحج قد تحلل بأحد موجبي النسك وهو لم يتركب موجب للهدي ، والأصل براءة ذمته إلا بدليل ، وأدلة القول الأول قد سبق الجواب عليها .
فإذا لم يستطع من فاته الحج أن يتحلل بعمرة، لزمه الدم كالمحصر، والله تعالى أعلم .
كتبه / أبو نجم / محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق