حكم لبس الخف بدلاً من النعل
حكى ابن قدامه () الإجماع على جواز لبس المحرم الخفين إذا لم يجد النعلين لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل ما يلبس المحرم قال : (( لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس () ، ولا الخفاف إلا أن لا يجد نعلين فليلبس الخفين ، وليقطعهما أسفل من الكعبين ، ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه زعفران أو ورس () )) ()
ثم اختلفوا في وجوب قطع الخفين لمن لبسهما عند عدم وجود النعلين على قولين :
القول الأول : وجوب قطعهما والحالة تلك وإلا وجبت عليه الفدية ، وبه قال الحنفية () ، والمالكية () ، والشافعية () ورواية الإمام أحمد ()
وذلك للأدلة الآتية :
1. حديث ابن عمر السابق وفيه (( وليقطعهما أسفل من الكعبين ))
وجه الدلالة : أن الأمر عند الإطلاق يفيد الوجوب .
والجواب عن ذلك : بأن الأمر منصرف من الوجوب إلى الاستحباب ، بحديث ابن عباس قال : خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فقال (( من لم يجد الإزار فليلبس السراويل ، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين )) () .
وفي عرفات كان معه خلق لم يكونوا معه عند الإحرام ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، إذ لو كان القطع واجباً لبينه لهم () .
وقيل : الأمر بالقطع منسوخ () وفيه نظر ، لأن النسخ لا يتم إلا بشرطين :
- أن نعلم المتقدم من المتأخر
- أن لا يمكن الجمع بينهما
وهنا يمكن الجمع بينهما ، لحمل القطع على الاستحباب .
وقيل : حديث ابن عمر مفسر ، وحديث ابن عباس مجمل ، فوجب ترجيح حديث ابن عمر ()
وفيه نظر : لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
2. ولأنه إذا قطع الخفين لم يكن لابساً للخف المحظور عليه شرعاً في الإحرام () ، وإنما فعل ما أمر به بحسب استطاعته والتكليف بحسب الاستطاعة .
والجواب عن ذلك : لا نسلم بأنه إذا قطع الخفين يجوز أن يلبسهما عند وجود النعلين ، ولكن إذا لم يجد النعلين جاز له لبسهما بقطع عند أصحاب هذا القول ، وبدون قطع عند أصحاب القول الثاني .
القول الثاني : لا يجب قطع الخفين ولا فديه عليه عند عدم وجود النعلين للمحرم وبه قال الحنابلة . ()
واستدلوا بالآتي :
1. عن ابن عباس قال : خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات ، فقال : (( من لم يجد الإزار فليلبس السراويل ، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين )) ()
وجه الدلالة : أن القطع لو كان واجباً لبينه للناس في عرفات إذ أنَ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ()
2. عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من لم يجد نعلين فليلبس خفين ، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل )) ()
3. ولأنه إذا قطعه لا يجوز لبسه عند وجود النعلين ، كما لو لم يقطعه ، فالحكم فيهما واحد ، وهو عدم جواز لبسهما عند وجود النعلين ، فيجوز لبسهما بلا قطع عند عدم وود النعلين ()
وبعد هذا العرض يثبت رجحان القول بجواز لبس الخفين بلا قطع عند عدم وجود النعلين ، والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق