هل المقاصة شرط في صحة التقابض :
إذا كانت المقاصة بين طرفين فقط، فالمقاصة ليست شرطاً في صحة التقابض.
لأن حقيقتها تمت بالتقابض في مجلس العقد، وكون الإنسان يقوم بالمقاصة من ماله في ماله، ونقله من بند إلى بند أو من فرع إلى فرع لا أثر له في تغير الحكم الشرعي ههنا .
فمثلا. إذا طلب العميل تحويل مبلغ بالريال السعودي إلى حساب آخر له في نفس المصرف
بالريال السعودي، فتمت بالأمر من المصرف لتنفيذ العملية ، واستطاع العميل أن يسحب ذلك المبلغ في نفس اللحظة - مجلس العقد- فالمصارفة تمت فوراً، ومن ثم يرجع المصرف على نفسه بالمقاصة والمراجعة .
@ وإذا كان التقابض لا يتم إلا عن طريق مقاصة محرمة - حيث لا يتم التقابض في مجلس العقد مما يشترط لصحته ذلك - فإن المقاصة تكون حينئذ شرط لصحة التقابض، ويكون إجراء العملية التي لا تتم لمجموعة من الأطراف إلا عن طريق المقاصة المحرمة ، محرم ، لأنه من التعاون على الإثم والعدوان .
وتسبب العميل في حصول تلك المعاملة المحرمة، والمعين كالفاعل .
فمثلاً : إذا كان عميل مصرف الراجحي حول لعميل مصرف الأهلي مبلغاً بغير العملة التي حولت له، فأمر مصرف الراجحي البنك الأهلي أن يعطيه ذلك المبلغ بنفس عملة البلد والتي تساوي نفس المبلغ الذي لعميل بنك الراجحي.
ولم يكن بينهما دين تتم المقاصة منه- لأنه يُغتفر في القضاء من المعاوضة ما لا يُغتفر ابتداء -
فيسلم البنك الأهلي لعميله بناء على أمر الراجحي من عميله.
فكان في هذه العملية مصارفة بين بنكين - الأهلي والراجحي ولم يتم القبض في مجلس العقد، كانت هذه العملية محرمة لأنها لا تتم إلا عن طريق المصارفة المحرمة .
وإذا كانت بنفس العملة ، فهي مصارفة بنفس العملة لم يتم التقابض فيها في مجلس العقد،
لأنها معوضة وليست من باب التبرعات
إذا الصورة الواحدة تكون حلالاً إذا كانت من عقود التبرعات ، وحراماً إذا كانت من عقود المعاوضات، كدرهم بدرهم إلى أجل ، يجوز في القرض، ويحرم في الصرف، ولا فرق بين الصورتين إلا بالنية .
فإن قيل : إذا لم يكن المصرف الثاني مديناً للأول، فما المانع من جعل ذلك قرضاً يرجع فيه المصرف الثاني على الأول بعد دفع المبلغ لعميل المصرف الثاني.
فالجواب من وجهين :
الأول : أن البنوك التجارية لا تتعامل مع الناس غالباً إلا بنية المعاوضة، إذ إنها قائمة على معاملات ربحية بأنظمة عالمية تحكمها المادة والمتاجرة والمعاوضة، وتلتزم بقوانين البنك المركزي الخاضع للقوانين العالمية .
ثانياً: على فرض أنه قرض لا مصارفة، فإنه بمعنى أقرضك - البنك الأول شريطة أن تقرضني عند حصول مثل تلك المعاملة للمصرف الأول- وهذه المصارف ملتزمة بنظام البنك المركزي الحاكم عليها.
فيكون ذلك من القرض الذي جرّ نفعاً، وكل قرض جرّ نفعاً فهو ربا.
وخرج بهذا الشرط من عقود التبرعات والإحسان إلى عقود المعاوضات.
وعلى هذا سواء اعتبرناه قرضاً أو مصارفة ، تكون المعاملة محرمة، ولا يجوز فعلها إلا عند الاضطرار.
وبالنسبة للطرف الرابع الذي يأخذ المبلغ : إذا كان يستطيع إتمام العملية بهذه الطريقة تعين عليه ذلك حتى لا يكون معيناً على الإثم والعدوان، وإذا كان لا يستطيع أخذ حقة إلا بها انطبقت عليه القاعدة : إنما الظلم يوجب التحريم على الظالم لا على المظلوم .
@ والضرورة تقدر بقدرها، فلا يجوز ما هو أكثر منها.
ولا تكن الضرورة ضرورة إلا بشرطين :
الأول : أن نتيقن أن بهذا الشيء تزول الضرورة.
الثاني : أن لا يوجد غيرها يقوم مقامها.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق