إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

الأحد، 30 ديسمبر 2018

حكم ترك إنقاذ المصاب في حوادث السيارات وغيرها // لفضيلة الشيخ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي -حفظه الله-.


حكم ترك إنقاذ المصاب في حوادث السيارات وغيرها:

من ترك إنقاذ المصاب الذي يغلب على الظن لولا إنقاذه لهلك، من غير عذر شرعي يحق له أن يمتنع من إنقاذه، فقد فعل أمراً عظيماً، وذنباً شنيعاً، وتسبب في إتلاف نفس معصومة، قال تعالى: { من أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } [سورة المائدة:32]، ومن فعل ذلك فقد دخل في العقوبة المستحقة في الآية.

والعذر المبيح له في ترك الإنقاذ: هو أن يكون الضرر الواقع عليه من الإنقاذ أعظم من الضرر الصادر منه، وأي ضرر أعظم من هلاك النفس المؤمنة.
إذ القاعدة في الإكراه: إذا كان الضرر الواقع عليك أعظم من الضرر الصادر منك، قُبِلَ العذر، وما لا فلا.
وأما العقوبة الدنيوية من حيث وجوب القصاص عليه أو الدية: فإذا كان قاصداً بهذه الفعل قتله بحسب الأدلة والقرائن مع وجود العداوة والبغضاء، أستحق القصاص، أشبه ما إذا حبسه في مكان ومنع عنه الأكل والشرب حتى مات، وجب فيه القود.
وذلك أن القتل العمد: ضرب الجاني المجني عليه بما يقتل غالباً، أو ما كان بمعناه.
والقاعدة: المنصوص عليه، وما كان بمعناه حكمهما واحد.
فالعبرة بالآلة التي تدل على قصد القتل، فإذا وجد ما يدل على قصده من إهلاك وقتل، كحبسه في مكان وقطع الأكل والشرب حتى يموت، أو صدمه بسيارته خطأ ثم وضعه في مكان لا يراه فيه أحد ينزف حتى مات، فإن القرائن تدل على قصده موته بتصرفه، فيكون في حكم القاتل عمداً.
وأما الممتنع عن الإنقاذ إذا كان متأولاً -مما يسوغ به التأول- فلا يجب عليه القصاص، وإنما تجب عليه الدية.
والقاعدة: كل من اعتقد حل شيء أو حرمته بتأويل سائغ، فلا إنكار عليه -وقد تقدمت في القواعد التسعون في الفقه والأصول-.
* ولهذا ذهب المالكية والظاهرية إلى القول بوجوب الضمان على من ترك إغاثة المضطر مما يلزم عنه وجوب الضمان على من ترك المصاب في حادث السير وإن لم يكن متسبباً بالحادث.
ثم إن المالكية ذهبوا إلى أن الضمان يكون بالقصاص إذا تبين أن الممتنع قصد بامتناعه قتل من كان بحاجة إلى عونه وهذا محل اتفاق عندهم. أما إذا لم يقصد قتله بالامتناع. فقد اختلفوا في نوع الضمان، فذهب بعضهم إلى أن الضمان يكون قصاصاً، وذهب آخرون إلى أن الضمان يكون بإيجاب الدية.

ويكون الضابط لذلك:  بأن الممتنع إذا كان متأولاً بامتناعه لزمته الدية، أما إذا لم يكن متأولاً فيجب عليه القصاص.

وقال ابن حزم: "أَن الذين لم يسقوه إن كانوا يعلمون أنه لا ماء له ألبتة إلا عندهم، ولا يمكنه إدراكه أصلاً، حتى يموت، فهم قتلوه عمداً، وعليهم القود، بأن يمنعوه -أي- يمنعوا الماء حتى يموتوا كثروا أو قلوا، ولا يدخل في ذلك من لم يعلم بأمره، ولا من لم يمكنه أن يسقيه.
فإن كانوا لا يعلمون ذلك ويقدرون أنه سيدرك الماء فهم قتلة خطأ، وعليهم الكفارة، وعلى عواقلهم الدية".
وبناء على ما ذهب إليه ابن حزم فإن من ترك إنقاذ المصاب في حوادث السير ينظر في حاله، فإن كان يعلم أنه لا منقذ لهذا المصاب إلا هو، أو يغلب على ظنه أنه إذا لم ينقذه يموت يكون تركه للإنقاذ هنا من قبيل القتل العمد المستوجب للقصاص، ولا يدخل في ذلك من لم يمكنه الإنقاذ، أما إذا كان من ترك الإنقاذ يقدر بأن المصاب سيجد من ينقذه إلا أنه مات قبل أن يتيسر ذلك، فيكون الترك هنا بمنزلة القتل الخطأ، فيجب على تارك الإنقاذ الكفارة، وعلى عاقلته الدية.

* وذهب الحنابلة إلى القول بوجوب الضمان إذا طلب المضطر المساعدة والعون، وإلا لم يجب الضمان على تارك الإغاثة.

وظاهر قول الإمام أحمد: بوجوب الدية في مال تارك الإغاثة؛ لأن تارك الإغاثة تعمد الفعل الذي يقتل مثله غالباً.
وقال القاضي عياض: بوجوب الدية في مال العاقلة؛ لأنه قتل لا يوجب القصاص فيكون شبه عمد.
وعلى هذه المسألة خرج أبو الخطاب كل ترك إنقاذ فيه فوات للنفس، لاشتراكهما في القدرة على سلامته، وخلاصه من الموت، فقد جاء في المغني: "وكذلك كل من رأى إنسانا في مهلكة، فلم ينجه منها مع قدرته على ذلك، لم يلزمه ضمانه، وقد أساء". وقال أبو الخطاب: "قياس المسألة الأولى وجوب ضمانه؛ لأنه لم ينجه من الهلاك مع إمكانه، فيضمنه كما لو منعه الطعام والشراب".
وخالف في ذلك بعض الحنابلة، وأجابوا عن تخريج أبي الخطاب بأنه في مسألة "منع الطعام" منعه منعاً كان سبباً في هلاكه، فيضمنه بفعله الذي تعدى به، أما ترك الإنقاذ بشكل عام كأن يهلك في الماء، أو النار وما شابه ذلك فإن الممتنع عن الإنقاذ لم يكن منه شيء ينسب إليه الهلاك، وصار كمن لم يعلم.
 وعليه يكون ترك الإنقاذ في حوادث السير مستوجباً للضمان عند أبي الخطاب بخلاف من خالفه من الحنابلة.

* وذهب أبو حنيفة والشافعي: إلى عدم وجوب الضمان على من ترك إنقاذ المعصوم الذي يغلب على الظن هلاكه إن لم ينقذه .
وذلك لقوله تعالى: { فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ } [سورة البقرة:194].
وذلك أن من كان قادراً على إنقاذ مسلم، فتعمد أن لا يفعل إلى أن مات فأنه يكون قد اعتدى عليه، وإذا اعتدى فالواجب بنص القرآن أن يرد الاعتداء بمثله، ولما أدى الاعتداء هنا إلى موت المعتدى عليه، فيكون الواجب القصاص من المعتدي، ليتحقق رد الاعتداء بمثله، ويقول ابن حزم في ذلك: "وبيقين يدري كل مسلم في العالم أن من استقاه مسلم، وهو قادر على أن يسقيه، فتعمد أن لا يسقيه إلى أن مات عطشاً، فإنه قد اعتدى عليه بلا خلاف من أحد من الأمة، وإذا اعتدى فواجب بنص القرآن أَن يعتدى على المعتدي بمثل ما اعتدى به، فصح قولنا بيقين لا إشكال فيه".

فإن قيل: بأن الإنسان حتى يوصف بالاعتداء لا بد أن يكون قد صدر منه تصرف إيجابي سواء أكان هذا التصرف فعلاً أم قولاً، ولا يوصف بالاعتداء لمجرد امتناعه؛ لأن الاعتداء هو وصف للأفعال والأقوال، والممتنع ليس بفاعل حتى يوصف بأنه معتدي.

فالجواب: أنه لا يلزم من الاعتداء: الإيجاد فقط، بل قد يكون الترك  اعتداء ويسمى فعلاً، قال تعالى: { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } [سورة المائدة:79]. فسمى الترك فعلاً. واستحقوا العقوبة عليه .
ونزل الله الحاضر في مجلس المنكر فاعلاً ، مع أنه كان سلبياً ولم يفعل إيجاباً محرماً، فقال تعالى: { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا } [سورة النساء:140].


والقاعدة: لا ينسب لساكت قول، والسكوت في معرض الحاجة إلى البيان. (إذنها -البكر- صماتها)
فكذا ترك الفعل مع الحاجة إلى الفعل يعتبر فعلاً، كما ان ترك القول مع الحاجة إلى القول يعتبر فعلاً . -يستحق به العقوبة -.

 * كما استدلوا أيضاً: بما روي عن أبي سعيد الخدري، قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له. قال: فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له. ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له. قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل".
وذلك أن الشريعة الإسلامية أوجبت التعاون بين المسلمين، وبالتالي يجب على المسلم أن يفعل كل ما فيه إنقاذ للنفس البشرية أو دفع الأذى عنها، فمن رأى إنساناً متعرضاً للأذى فعليه أن يعمل كل ما في طاقته لمنع الأذى عنه، ويدخل في ذلك دفع الأذى عن المصاب في حادث السير بإنقاذه.
فإن قيل نسليم بوجوب التعاون بين المسلمين لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ } [سورة المائدة:2]، إلا أننا لا يسلم لهم بأن ترك التعاون يلزم عنه العقوبة القضائية، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من باب التعاون على البر والتقوى، ومع ذلك لا يعاقب تاركه بعقوبة قضائية، وإن كان آثماً، وكذلك الصدقات المندوبة فإنها من باب التعاون، ولا يعاقب تاركها بعقوبة قضائية.

فالجواب: أن هناك فرق بين ما يتعلق بحقوق الله تعالى، وبين ما يتعلق بحقوق المخلوقين
فهدا فعل تعلق به حق المخلوق لا يسقط إلا بإسقاطه.
* كما استدلوا بما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة، لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله".

والجواب عن هذا: الحديث ضعيف.
 قال ابن حجر فيه: "ابن ماجة من حديث الزهري عن سعيد بن المسيبِ عن أبي هريرة ورواه البيهقي وفي إسناده يزيد بن زياد وهو ضعيف وقد روي عن الزهري معضلا أخرجه البيهقي من طريق فرج بن فضالة عن الضحاك عن الزهري يرفعه وفرج مضعف وبالغ بن الجوزِي فذكره في الموضوعات لكنه تبع في ذلك أبا حاتم فإنه قال في العلل إنه باطل موضوع".
* واستدلوا بما روي "أن رجلاً أتى أهل ماء فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات عطشا فأغرمهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الدية".

والجواب: أن هذا فعل صحابي وعلى فرض صحته، فإن قول الصحابي ليس بحجة -كما تقدم في القواعد-.

  فيكون ترك الإنقاذ سبباً للموت أو حصول الأذى الجسدي، ومن ثمَّ يكون من باب القتل بالتسبب.
ولا ترتبط الجريمة بالفعل الإيجابي فقط؛ لأن المهم في الجريمة تحقق الركن المادي سواء تحقق بفعل إيجابي أو باتخاذ موقف سلبي، فإن تحقق الركن المادي وكان الجاني مسؤولاً وجبت العقوبة.
 وترك الإنقاذ سبب لحصول الموت أو الأذى الجسدي، والاعتداء يتحقق بالامتناع كما يتحقق بالفعل.
* وفرق الحنابلة بين طلب المضطر للطعام والماء، فرتبوا الضمان في هذه الحالة، وبين عدم الطلب فلم يرتبوا الضمان؛ لأن الضمان منوط هنا بالمنع، ولا يوصف الإنسان بالامتناع إلا إذا طلب منه أن يفعل فأبى. أما إذا لم يطلب منه، فلا يكون ممتنعاً، وإذا لم يكن ممتنعاً لم يكن متسبباً في هلاك المضطر.
ويستند من فرق من الحنابلة بين مسألة منع الطعام والماء وغيرها من مسائل ترك الإنقاذ فلا يوجبون الضمان على من ترك الإنقاذ في غير مسألة منع الطعام والماء إلى أن من منع الطعام منعه منعاً كان سبباً في الهلاك، فيضمنه بفعله الذي تعدى به، أما ترك الإنقاذ بشكل عام كأن يهلك في الماء، أو النار وما شابه ذلك فإن الممتنع عن الإنقاذ لم يكن منه شيء ينسب إليه الهلاك، وصار كمن لم يعلم.
وقد سبق الجواب عليه، وأن الترك في مقام الحاجة إلى الفعل، ينزّل منزلة الفعل.

الرأي الراجح:
الذي يترجح في. نظري -والعلم عندالله تعالى- أن من ترك إنقاذ النفس المعصومة مع قدرته على إنقاذها، ووجدت الأدلة والقرائن الدالة على قصده بذلك الترك هو قتلها، ولم يوجد له مانع من الإنقاذ، أو تأويل سائغ في ترك الإنقاذ مع تعينه عليه لعدم وجود من يقوم بإنقاذها، فإنه يقاد به، فإن أختل شيء من ذلك فإنه يكون قتل شبه عمد إذا ترك الإنقاذ مع قدرته عليه وتعينه عليه، مع عدم وجود المانع إذا قام الدليل أو القرينة على عدم قصده؛ لأن تركه إنقاذه والحالة تلك  يكون سبباً في قتله غالباً، فلما انتفى القصد كان شبه عمد.
وإن كان ترك الإنقاذ المتعين عليه ليس بقصد قتله، وفعل ما لا يجوز، أو ترك ما وجب ، وكانت الأدلة أو القرائن تبين أنه لا يموت غالباً بترك هذا الإنقاذ فمات فهو قتل خطأ.
وذلك لأن ترك الإنقاذ مع تعينه، ينزّل منزلة الفعل كما سبق.
 فإن قيل:  إن القول بوجوب الضمان يعني القول بوجوب القصاص أو الدية، وهذا يعني أن تارك الإنقاذ قاتل، وهذا المعنى لا يستقيم؛ لأن القتل يكون بالمباشرة أو التسبب، ومن المعلوم بداهة أن ترك الإنقاذ ليس قتلاً مباشراً؛ لأن التارك أو الممتنع لم يباشر فعلاً ليوصف بالمباشرة، ولا يمكن اعتباره من قبيل القتل بالتسبب؛ لأن القتل بالتسبب لا بد له من سبب يقوم به الجاني بحيث تنسب الجريمة إلى ذلك السبب، كحفر حفرة في الطريق يسقط فيها المجني عليه، أو حبس شخص ومنعه الطعام والشراب إلى أن يموت، فحفر الحفرة والحبس مع منع الطعام والشراب هي الأسباب المؤدية إلى الجريمة، قام بها الجاني فتكون هنالك علاقة بين الجاني والنتيجة الجرمية، وهذه العلاقة كافية؛ لأن تنسب الجريمة إلى الجاني، بخلاف الترك المحض.
فالجواب: ان من ترك من وجب عليه إنقاذه مع تعينه عليه لعدم وجود غيره، تسبب في تركه في القتل، فإن كان قاصداً قتله بحسب الأدلة والقرائن فهو قاتل عمداً، وإن لم يكن قاصداً، وكان هذا الترك يموت به غالباً فهو قتل شبه عمد، وإن كان لا يموت به غالباً فمات فهو قتل خطأ، وقد سبق أن الترك يسمى فعلاً.

فإن قيل: أنه ليس من المنطق أن ننسب الجريمة إلى الشخص الذي يترك إنقاذ شخص مصاب بحادث سير كان غيره قد تسبب به، بل الأصل أن ننسب الجريمة إلى مرتكب الحادث، وليس من المستساغ أيضاً أن نجعله شريكاً في الجريمة؛ لأن امتناعه مستقل عن فعل مرتكب الحادث.
فالجواب: العبرة بمن تعين عليه الإنقاذ عند حصول الجريمة، فالعبرة بالمنظور لا بالمنتظر ولا بالماضي.

-فإن قيل: في مسألة منع الطعام والماء تكون حياة المضطر متوقفة على الماء والطعام الذي بيد الغير، لذا لا يصح المنع، فيكون الموت بسبب الجوع والعطش الذي لم يرفعه الممتنع، وهذا بخلاف مسألة حادث السير وما شابها من المسائل؛ لأن حياة المصاب غير متوقفة على الإنقاذ لأن المصاب قد يموت مع الإنقاذ والسبب في الموت هو ذات الحادث.

فالجواب: أن الموت إذا كان بسبب الحادث فالضمان على المتسبب سواء الذي فعل الحادث أو من ترك الإنقاذ، فمن كان منهما متسبباً كان عليه الضمان.  فإذا كان فعل كل واحد منهما صالحاً لكونه سبباًً في فوفاته ضمن الأخير منهما وهو تارك الإنقاذ؛ لأن الأصل في الأمور العارضة إضافتها إلى أقرب وقت ممكن.

فإن قيل:  إن حوادث السير تكون على الطرقات وهي غالباً ما تكون مكتظة بالمارة ومن ثمَّ إذا ترك أحد الأشخاص إنقاذ المصاب فأنه ليس من العسير أن يتيسر له من يقوم بإنقاذه، ومن ثمَّ لم يتعين عليه الإنقاذ.
فالجواب : إذا لم يتعين عليه الإنقاذ فلا ضمان.

فإن قيل:  إن الشخص المنقذ في الواقع الذي نعيشه يتعرض للمساءلة القانونية فيتحمل الكثير من العناء، مما يجعل الناس يتركون الإنقاذ ليس من باب التخاذل والتعمد إلى الأذى وإنما تجنباً لهذه المساءلة.
فالجواب: أن هذا العذر لا يسوغ لمن تعين عليه الإنقاذ تركه؛ لأن القاعدة في العذر بذلك: إذا كان الضرر الواقع عليك أعظم من الضرر الصادر منك فأنت معذور، وما لا فلا.
-وقد تقدمت في قاعدة الإكراه في القواعد- .

فإن قيل: أحياناً يكون الإنقاذ من عامة الناس ذا أثر سلبي على المصاب خاصة إذا كانت الإصابة عبارة عن كسور أو إصابة في العمود الفقري وما شابه ذلك.
فالجواب: أن غلبة الظن تنزل منزلة اليقين.
فمن غلب على ظنه أن نفعه في الإنقاذ أعظم من ضرره تعين عليه ذلك الإنقاذ، ولا عكس.

كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت