حكم تقبيل المصحف:
تقبيل المصحف إنما يكون بسبب تعظيمه، لكونه كلام الله تعالى، الذي تكلم به بحرف وصوت، وهو كلام الله لفظاً ومعنى، وتعظيمه عبادة، والأصل في العبادات التوقيف.ولم يثبت تقبيل المصحف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، اللهم إلا ما روي عن عكرمة بسند منقطع.
* وتعظيم القران إنما يكون بتلاوته والعمل بما جاء به، على هدي النبي صلى الله عليه وسلم.ولهذا لا إشكال في أن عدم تقبيله هو الأولى.والقاعدة: ما توفر سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله، مع وجود المقتضي، وإنتفاء المانع، فتركه هو السنة.
* ولكن هل تقبيله يكون جائزاً أو مستحباً، هذا خلاف بين أئمة المذاهب الأربعة.على الاستحباب أو الجواز فقط.
وحسب التقعيد السابق، فإن القول بالاستحباب، فيه بعد، ولكن القول بالجواز مع أن تركه أولى، هو الأقرب في نظري.* فإن قيل: إذا كان عبادة، فلماذا يتعبد الله تعالى بما لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكن فعله بدعة -كما ذهب إليه بعض المعاصرين كشيخنا العثيمين والألباني-.
فالجواب: أن تعظيم الله تعالى يكون مشروعاً بكل ما يعتقده الأنسان تعظيماً، ما لم يخالف الشرع.فقد جاء في صحيح البخاري: "والله لا يسألوني -كفار قريش- خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أجبتهم لها". فدلّ على أن ما يفعل أو يعتقد فيه تعظيم لله تعالى مما لم يكن مخافاً للشرع، فهو مشروع.وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [سورة الزمر:67].
أي: ما عظموه حق تعظيمه.فكل تعظيم لله تعالى، مما لا نهي فيه، فهو مشروع.والقاعدة: أحد أفراد العام لا يخصص به إذا كان موافقاً له في الحكم.وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد بين القول بالجواز والتوقف، بل وقد استحبه بعض الأئمة المتبوعين -كما سبق-.
* وبعد هذا العرض يتبين أن الأقرب هو جواز تقبيل القران تعظيماً له مع أن عدم فعله هو الأولى، لما تقدم.
والله تعالى أعلم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق