حكم صلاة المنفرد خلف الصف:
روى البخاري، عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد)، وزاد فيه أبو داود (فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف).
قوله: (ولا تعد) تدل على النهي للكراهة لا للتحريم، إذ لو كان للتحريم، لأمره بإعادة الصلاة في الوقت، كما أمر المسيء في صلاته بإعادة الصلاة المأمور بها في الوقت، ولم يأمره بإعادة جميع الصلوات التي خرج وقتها -وقد تقدم بيان ذلك في القواعد:في قاعدة الجهل-.
وهذا ما ذهب إليه الجمهور، بأن النهي في الحديث ليس على التحريم.
ويحتمل أن النهي عن الإسراع من أجل إدراك الركوع لحديث أبي هريرة مرفوعاً (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا) متفق عليه.
وهو يدل على صحة من كبر قبل الصف في الركوع، ثم أدرك الركوع في الصف، فحصلت له المصافة قبل الانتهاء من الركوع. فهو بمنزلة أن يقف وحده، ثم يجيء آخر فيصافه، فإن هذا جائز باتفاق الأئمة، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.
وعلى هذا ففرق بين تكبيرة الإحرام قبل الصف، وتمام الركوع قبل المصافة، فالركوع قبل الصف وكذا تكبيرة الإحرام قبل الصف لا بأس بها، ولكن إذا لم يدرك المصافة قبل الانتهاء من الركوع لم تصح المصافة.
وفِي حديث وابصة بن معبد رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده، فأمره ان يعيد الصلاة).رواه أحمد وأبو داود وحسنه، وصححه ابن حبان.
وفِي إسناده عمرو بن راشد: قيل: بأنه مجهول، ولكن وثقه الذهبي في الكاشف، وذكره ابن حبان في الثقات، وقد تولع في روايته، فقد تابعه زياد بن أبي الجعد عند أحمد وغيره، وقد وقد روى عن زياد هذا اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات.
ويشهد لهذا الحديث ما رواه ابن ماجة وابن حبان من حديث علي بن شيبان، قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته إذا رجل فرد، فوقف عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى قضى صلاته، ثم قال له نبي الله صلى الله عليه وسلم: (استقبل صلاتك، فإنه لا صلاة لفرد خلف الصف) قال البوصيري: ( إسناده صحيح ورحاله ثقات).
وهذان الحديثان صريحان في بطلان من صلى خلف الصف منفرداً، ولا تدرك المصافة إلا بإدراك ما يسمى ركوع مع الصف، ولا تصح مضافة من صلى منفرداً إذا لم يدرك المصافة مع الركوع.
وهذا مذهب أحمد: أن صلاة المنفرد خلف الصف باطلة، ورواية عن مالك، وبه قال جمع من الفقهاء.
وبه يظهر ضعف القول القائل: إذا لم يجد مكاناً جاز له أن يقف وحده، وهو مروي عن الحسن البصري، واختاره ابن تيمية وابن القيم.
لأنه عاجز عن المصافة، والواجبات والأركان تسقط في حال العجز عنها.
والجواب: أن من لم يستطع المصافة لا تجب عليه الصلاة مع الجماعة، وهو معذور، ومأجور لعدم المتابعة منفرداً.
لأن العجز الشرعي ينزّل منزلة العجز الحسي.
كعدم قدرة المرأة على الحج لعدم وجود المحرم في السفر للحج. فلا يجوز لها أن تسافر إلا بمحرم، ويسقط عنها الوجوب، لأن العجز الشرعي كالعجز الحسي.
* تنبيه: من سحب رجلاً من الصف الأول، للصف الثاني لتحصل له به المصافة جاز إن طاوعه.
والقاعدة في ذلك: العلم برضى المستحق يقوم مقام إظهاره للرضى -تقدمت بأدلتها في القواعد-، والفرجة التي تحدث بذلك، يتم سدها في الصف بخطوات يسيرة لمصلحة الصلاة، فلا يضر ذلك، وأما رواية الطبراني في الكبير (ألا دخلت معهم أو اجتررت رجلاً؟) فإسناده ضعيف جداً، لأن فيه السري بن إسماعيل، قال عنه في التقريب: (متروك) وقال عنه أحمد: (ترك الناس حديثه)، وقد تفرد بهذه الزيادة فتكون منكرة.
والله تعالى أعلم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق