قاعدة: كل قياس يصادم النص، فهو لاغ.
وهذا ما يسمى عند الأصوليين، بالقياس فاسد الاعتبار -وذلك إذا خالف القياسُ النصَّ-.
* قال أبو حنيفة: إذا خالف القياس الأصول -نص أو إجماع أو أي أصل من الأدلة التي يحتج بها في الأحكام الشرعية-، أو خالف معنى الأصول -وهو نفي الفارق- لم يحتج به.
* والمقرر في أصول الفقه المالكي: أن القياس مقدم على خبر الواحد، وفروع مذهب مالك تقتضي خلاف هذا وأنه يقدم خبر الواحد على القياس، كتقديمه خبر صاع التمر في المصراة على القياس: الذي هو رد مثل اللبن المحلوب من المصراة، لأن القياس ضمان المثلي بمثله.
وهذا هو المقرر في أصول مالك: أن كل قياس خالف نصاً من كتاب أو سنة فهو باطل.
* والصحيح : أنه لا عبرة بالقياس إذا خالف النص، ولو كان النص من خبر الواحد، وهو قول الحنابلة.
* روى مالك في الموطأ والبيهقي عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن أنه قال لسعيد بن المسيب: كم في إصبع المرأة؟ قال: عشر من الإبل.
قلت: فكم في إصبعين؟ قال: عشرون من الإبل.
قال: فكم في ثلاثة أصابع؟ قال: ثلاثون من الإبل.
قلت: فكم في أربعة أصابع ؟ قال: عشرون من الإبل.
قلت: حين عظم جرحها، واشتدت مصيبتها نقص عقلها! قال سعيد: أعراقي أنت.
قلت: بل عالم متثبت، أو جاهل متعلم. قال: هي السنة يا ابن أخي.
فكون الأربع في العقل أقل من الثلاث ينافي ما علم من حكمة الشرع ووضعه الأمور في مواضعها. فلا يمكن أن تقل دية الأربع عن الثلاث، لأنها مشتملة على الثلاثة وزيادة إصبع.
وحديث: (عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها) ضعيف، رواه النسائي من طريق إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً، وفيه ابن جريج: مدلس وقد عنعنه، والراوي عنه إسماعيل بن عياش، وهو في غير الشاميين ضعيف كثير الخطأ لا يؤخذ بروايته، وابن جريج من أهل الحجاز، وقال البخاري: ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب، وهذه علة أخرى في التضعيف.
وبهذا يترجح الرواية الأخرى عن أحمد: المرأة في الجراح على النصف من جراح الرجل مطلقاً كالزائد على الثلث، وروي ذلك عن علي وابن سيرين، وبه قال الثوري والليث وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور والشافعي في ظاهر مذهبه، واختاره ابن المنذر؛ لأنهما شخصان تختلف ديتهما فاختلف أرش أطرافهما كالمسلم والكافر.
وهو الأقرب.
وبعد هذا العرض يتبين أنه لا عبرة بالقياس إذا خالف خبر الآحاد الصحيح.
والله تعالى أعلم وأحكم.
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق