أحكام التصويت على العيدية//لفضيلة الشيخ د.محمد بن سعد العصيمي- حفظه الله

أحكام التصويت على العيدية :

حكم تعيين المستحق للعيدية بالتصويت :

————

صورة المسألة : ظهرت مسابقة من يفوز بأكثر عدد من المحددين من قبل صاحب الهدية - العيدية - هو الذي يأخذ الهدية .

ولها صور : أحياناً يكون فيها عوض من المتسابقين أو المتنافسين على أخذها.

وأحياناً :  يكون على عمل يقوم به المتسابقون .

وأحياناً : لا عمل للمتسابقين أو المتنافسين على أخذ تلك الهدية او العيدية .

وهذا التقسيم بناء على اختلاف الحكم الشرعي لكل صورة من الصور السابقة .

وبناء على ذلك فإن بيان حكم هذه المسألة يكمن في النقاط التالية :

١ - إذا كان هناك عمل من المتسابقين على مال مدفوع في المسابقة - والتي هي العيدية - بحيث كل من المتنافسين يعمل عملاً - سواء كان من جمع أصوات أو نشر مقاطع أو نحو ذلك- من أجل الحصول على الجائزة فهذه مغالبة قائمة على عمل من أجل الحصول على عوض، فعند ذلك تكيف على أنها مسابقة ، فإذا كان المتشاركون  هم الذين دفعوا المال ، أو بعضهم ، فهذه مسابقة غير مشروعة، وكذا إذا دفع المال أجنبي غير مشارك معهم ، وكان مقصوده هو المسابقة : دفع عوض على عمل  لمن يتفوق في المسابقة .

وفي الحديث :( لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر ) 

والسبق: بفتح السين والباء : هو المال المدفوع في مسابقة .

ولا يجوز ذلك إلا في هذه الثلاث ، ويقاس عليها آلات الجهاد فقط ، وما عدا ذلك فبذل المال في المسابقة حرام ومن باب القمار والميسر المحرم شرعاً.

فالميسر هو : كل ما فيه مخاطرة محرمة .

والقمار هو : كل مغالبة ومخاطرة فيها المال . والقمار  نوع من الغرر، إذ أنه غرم متحقق من اجل ربح محتمل 

وسواء كان العوض من المتسابقين أو من أحدهما أو من غيرهما ، أو من أحدهما ومن غيرهما ، لا يجوز ، لعموم الحديث.

والقاعدة : ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم من المقال .

والقاعدة : حذف المتعلق مشعر بالعموم .

والقاعدة : العبرة في العقود بالمعاني .

ومثال ذلك : أن يقول من يجمع أكبر عدد من الأصوات في التصويت ، فله هذه الجائزة - أو العيدية - فيتنافس هؤلاء الأعضاء في جمع الأصوات بطرقهم المختلفة من المنشورات والإعلانات والدعايات ونحو ذلك مما يكون سبباً في تحقيق الجائزة له. فيكون هذا من القمار والميسر .

٢ - إذا كانت الجائزة أو العيدية مترتبة على من حقق فعلاً تنطبق عليه الصفات المطلوبة من قبل صاحب الجائزة ، وليس فيها مغالبة بين شخصين فأكثر ، وإنما بنيت على عمل معين من فعله استحق الجائزة أو العيدية ، فعندئذ يكون تكييفها الفقهي : جعالة .

كأن يقول : من زار عشرة أسر من أقاربه في يوم العيد الأول فله - ألف ريال - جائزة أو عيدية محددة.

فالعوض معلوم ، والعمل قد يكون معلوماً في الجعالة وقد يكون مجهولاً.

والمقصود هو دفع عوض لمن فعل عملاً معيناً، فالمقصود بالعقد والحالة تلك الجعالة ولا مانع من جوازها لمن أرادها ولم يخالف مقضتاها الشرعي.

وذلك أن الجعالة : اسم لما يجعل للإنسان على فعل شيء .

فقال : من جمع أصواتاً أكثر استحق العوض المعين . وعليه : فإذا كان المقصود ترتب العوض على فعل للإنسان ، ولم يترتب عليه محظوراً فهو جعالة شرعية .

فإن قيل : هل يشترط أن يكون العمل الذي يقوم به الإنسان مقصوداً- مصلحة - شرعية .

فالجواب : على فرض اشتراط ذلك ، فإن في جمع الأصوات : كسب للعلاقات والتعارف والتواصل وهو مقصود شرعاً.

ثم إنه لا يشترط المصلحة الشرعية وإنما يشترط عدم حصول المحظور الشرعي، فإذا غلب على الظن أن بهذا الفعل تهدر الأموال، ويشتغل الناس عما هو واجب عليهم ، أو ترتب على ذلك إذكاء  للعصبية ، أو شهادة زور أو نحو ذلك ، لم يجز ، لأن القاعدة : غلبة الظن تنزل منزلة اليقين .

٣ - إذا كانت معلقة على  وعد بالهبة أو العيدية أو الجائزة ، أو كانت هبة بشرط قبل القبض .

كأن أقول لمجموعة من الناس ، لواحد منكم  جائزة أو عيدية، وهذا الواحد الذي يحدده هو أكثر من تتفقون على منحه صوتكم أو صوت العائلة أو نحو ذلك : ممن يحصل على أكثر الأصوات .

فهذه ليست مسابقة ، ولا جعالة ، وإنما هو تبرع بماله لمن حصل على الأكثر صوتاً.

وقبل القبض للجائزة أو العيدية ليست بلازمة عند الجمهور ، وبعد القبض لا يمكن رجوعه فيها .

وفرق بين الشرط في الهبة بعد القبض ، وقبل القبض .

فالشرط في الهبة بعد تقبيضها لا يجوز كالعمرى والرقبى - وقد سبق بيان حكمها - والشرط فاسد .

والشرط في الهبة قبل الشرط يجوز ، ويدل على ذلك  حديث جابر بن عبد الله : "لو قد جاءنا مال البحرين قد أعطيتك هكذا، وهكذا، وهكذا"ولما قبض رسول الله ﷺ وجاء مال البحرين، قال أبو بكر: من كانت له عند رسول الله له عدة فليأتني، فأتيته فقلت: إن رسول الله له قد كان قال لي

لو قد جاءنا مال البحرين لأعطيتك هكذا، وهكذا، وهكذا. فقال لي : احثه، فحثوت حثية، فقال لي : عدها، اعددتها فإذا هي فأعطاني ألفا وخمس مائة.

وروى الإمام أحمد عن أم كلثوم بنت أبي سلمة قالت: لما تزوج رسول الله ؟ أم سلمة قال لها: " إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي من مسك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى إلا هديتي مردودة علي، فإن ردت علي فهي لك ).

تنبيه : مع ملاحظة وجوب العدل بين من أوجب الشارع العدل بينهم في العطية كالأولاد والزوجات ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم )، وحديث ( من كانت له زوجتان فمال إلى إحداهما ، جاء يوم القيامة وشقه مائل ). والله تعالى أعلم .

كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة