حكم هدايا الزوج قبل عقد النكاح وبعده، وبعد الدخول:
———-
( الخلاصة : كل هدية لسبب العقد على المرأة قبل العقد ، فله الرجوع إذا لم يتم العقد ، وكل هدية بعد العقد من أجل بقاء العقد ، - وفسخ العقد - ، فله الرجوع، لأنها هدية لسبب زال ، فزال حكمه، وكل هدية بعد الدخول لا من أجل بقائها في ذمته ، فليس له الرجوع، وإذا كانت من أجل بقائها في ذمته فلم تبق فله الرجوع ، وقد نص أحمد على أن الهدية ليست من المهر ).
————
هدية الزوج لزوجته من ساعة وخاتم وطقم ذهب ونحو ذلك ، هل يرجع فيه الزوج إذا لم يتم النكاح ، وإذا تم النكاح ثم حصلت الفرقة بين الزوجين هل له أن يرجع بشيء من ذلك ، أم ليس له الرجوع مطلقاً ، وهل تعتبر من المهر أم لا ؟
يتضح ذلك من خلال النقاط التالية :
١ - إذا كانت تلك الهدايا قبل عقد النكاح من أجل إتمام عقد النكاح ، وقد وعدوه ولم يفوا بذلك رجع عليهم بتلك الهدايا، وذلك
قياساً على هدية الثواب، وهي من قبيل المعاوضة ، والمعنى في هذه الهدية هي المعاوضة، وإذا تعارض اللفظ والمعنى قدم المعنى إذا ظهر ، وإن لم يظهر فإتباع اللفظ أولى . فلا عبرة باللفظ عند اتضاح المعنى .
وأما قاعدة : لا عبرة بالدلالة في مقابلة النص، فهي لا تعارض القاعدة السابقة ، وذلك لما صرح بلفظه الذي يدل على معناه الذي أراده لا عبرة بدلالته المخالفة لمعنى لفظه الذي أراده، كدلالة اسم أجرة على سيارته ، وصرح بأنه لا يريد تأجيرها، أما هذا أطلق لفظ الهدية وهو يريد معنى العوض فيها ، ومعناه واضح من السياق والقرائن .
ولأن الظاهر من هذه الهدايا كونه من أجل سبب ، وهو النكاح ، والقاعدة : إذا تعارض الأصل والظاهر، قدم الظاهر ، - كما سبق توضيحه في القواعد -.
ولأن القاعدة : لا عبرة بالظن الذي تبين خطؤه، وهذه الهدايا لسبب انعقاد النكاح وحصوله، فإذا لم يتم ، فالهدايا ترجع له، إلا إذا نوى خروجه هدية حتى وإن لم يتم النكاح، لأنه لا يجوز الرجوع في الهدية المجرد بعد قبض الموهوب له تلك الهدية .
٢ - إذا كانت تلك الهدايا قبل عصمة النكاح ، وترك الزوج العقد من قبله أو ماتت ، فالمذهب : لا رجوع له ، لأن سبب الترك من قبله، فلا رجوع له ، وذلك قياساً على ما إذا كانت الفرقة من قبله بعد الدخول ، فلا شيء له من المهر .
والجواب : أن بعد الدخول لها المهر إذا كانت الفرقة بسبب الزوج ، لما استحل من فرجها، لحديث( إن كنت صادقاً فما استحللت من فرجها) وقبل العقد لم يستحل شيئاً، وقد سبق أن المخطوبة لا يجوز أن تأخذ عوضاً على النظرة الشرعية لها .
ولأن الفرقة بعد العقد وقبل الدخول من الزوج له نصفه فقط، وهنا لم يتم العقد، وقياس ما قبل العقد على ما بعده ، لا يصح ، لأن ما قبل العقد لا يسمى مهراً إلا بالعقد .
والأقرب في نظري والعلم عند الله تعالى أن الزوج له أن يرجع بكل تلك الهدايا حتى ولو كان الترك من قبله أو بسببه، لأن المرأة بأي حق تستحل ماله والحالة تلك ، إلا إذا عفا أو نوى عدم الرجوع، وأما ما قامت القرينة والعرف على أنه مما يرجع فيه الزوج كالحلويات ونحوها ، فإن الظاهر أنه مما جرى العرف ببذله مطلقاً بدون رجوع ، فإن ادعى الزوج عوضه، حلف على أنه لم ينو به التبرع المطلق وأخذ عوضه، لأن القاعدة : اليمين تكون في جانب أقوى المتداعيين في الدعوى - كما تقدم في القواعد - وذلك لأنه تعرض الظاهر- وهو التبرع المجرد لهذه الحلويات - والأصل ، وهو كونه بذلها من أجل تمام عقد النكاح لا التبرع المطلق - فإذا طلب عوضها طلبت منه اليمين .
٣ - إذا كانت تلك الهدايا بعد العقد وقبل الدخول ، فإن الهدية ترد في كل فرقة اختيارية مسقطة للمهر ، کفسخ لعيب ونحوه قبل الدخول، لدلالة الحال على أنه وهب بشرط بقاء العقد، فإذا زال العقد ملك الرجوع، کالهبة بشرط الثواب - كما سبق - .
٤ - إذا كانت الهدايا بعد الدخول ، فلا رجوع للزوج إذا إذا كان الهدية مبنية على سبب ، فإذا زال السبب وجب الرد، كمن أعطى زوجته عشرة آلاف لكونه تزوج عليها جبراً لخاطرها لكي ترجع إلى بينه فأخذت العشرة ولم ترجع ، وجب الرد، وله الرجوع .
وذلك لأن العطية بعد النكاح لم يكن له سبب بقاء النكاح، ولم يكن لسبب تبين زواله ، فلا رجوع له بعد قبضها له.
( أيما امرأةٍ نُكِحَتْ على صداقٍ أو حباءٍ أو عدةٍ قبل عصمةِ النكاحِ فهو لها ، وما كان بعدَ عصمةِ النكاحِ فهو لمنْ أُعطيهُ ، وأحقُ ما يُكْرِمُ عليهِ الرجلُ ابنتهُ وأختهُ )رواه أبو داود وسكت عنه ، وحسنه غير واحد من أهل العلم ، وضعفه الألباني .
وبناء على ذلك : إذا طلبت الزوجة الفسخ من غير سبب يستحق الفراق من الزوج، فللزوج أن يرجع بجميع تلك الهدايا قبل عصمة النكاح ، وبعده مما لا يمكن له إتمام نكاحه إلا به ، لأن ذلك من أجل سبب طلب النكاح بها، وله طلب التكاليف التي قام بها بطلبها، كأجرة قصر الأفراح ، لأن ذلك كان لسبب النكاح بها، ولا يتأتى له ذلك إلا بتنفيذه، وأما ما كان برغبة الزوج من غير اشتراط من الزوجة ، ويمكن أن يتأتى دخوله بزوجته بدونه ، فلا رجوع له فيه .
وبعد هذا العرض تتقرر قاعدة وهي :
كل ما لا يتأتى للزوج الدخول على زوجته إلا به، - يقيناً أو غلبة للظن - فللزوج الرجوع على الزوجة فيه، إذا كان الفراق بسببها لأن هذا إنما كان بسبب إتمام عقد النكاح .
اللهم ما نوى به التبرع المطلق فليس له الرجوع فيه بعد قبضها إياه ،
وكذا كل هدية لسبب العقد عليها ، له الرجوع ولو لم يعقد عليها .
والله تعالى أعلم .
كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق