إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأرشيف

نبذه قصيرة عني

الشيخ د.محمد بن سعد هليل العصيمي-حفظه الله

الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى - بمكة المكرمة - بقسم الشريعة والدراسات الإسلامية

آخر المـسـائـل

اخر المواضيع

اخر المواضيع

المشاركات الشائعة

الاثنين، 15 فبراير 2021

حكم البيع والشراء في المسجد// لفضيلة الشيخ د. محمد بن سعد الهليل العصيمي -حفظه الله-.


 *  حكم البيع والشراء في المسجد:


حكى الماوردي الإجماع على أن عقد البيع في المسجد صحيح ونافذ، وكذا نقل الإجماع العراقي وابن بطال وغيرهم -مع مخالفة الحنابلة لهذا الإجماع، وأن عقد البيع في المسجد لا يصح-.

واختلف العلماء في كون عقد البيع في المسجد مكروهاً أو محرماً على قولين:

القول الأول: أنه محرم، ولا يصح، وبه قال الحنابلة في المعتمد من المذهب.

لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك) رواه النسائي والترمذي وحسنه، وقد وقع في إسناده اختلاف ذكره الدارقطني، ثم رجح رواية ابن مهدي، عن الثوري، عن يزيد بن خصيفة، عن ابن ثوبان مرسلاً.


وهذا الدعاء على من فعل ذلك عقوبة له، مما يدل على أنه فعل محرماً. فالدعاء على الغير عدوان، والعدوان لا يجوز إلا في مقابلة عدوان.

والجواب عنه: على فرض صحة الحديث، إن الدعاء بعدم الربح ليس دعاء بالخسارة، فالدعوة الأولى: تدل على الكراهة،

والثانية: تدل على التحريم.

كما أن الدعاء بعدم الربح يشعر بتصحيح العقد، لعدم بيان بطلانه، والقاعدة: تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. فالإكتفاء بالدعاء بهذه الدعوة فقط، دليل على صحة العقد.

ولأن الإجماع –لو صح– دليل أو قرينة لصرف النهي من الزجر عن هذا الفعل من التحريم إلى الكراهة، لأن الزجر لو كان للتحريم لاقتضى فساد العقد، لأن النهي في المعاملات إذا كان يعود لحق الله تعالى فإن النهي يقتضي الفساد، فلما انعقد الإجماع على صحة العقد، كان ذلك قرينة لصرف النهي من التحريم إلى الكراهة.

٢– ولحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار…).

والجواب عن ذلك -بالإضافة إلى ما تقدم-: أن تناشد الأشعار في المسجد إذا لم يكن فيها محذوراً شرعياً، لا بأس به، ويحمل النهي على الكراهة، بدليل ما جاء في الصحيحين أن عمرين الخطاب مرّ بحسان ينشد في المسجد، فلحظ إليه -نظر إليه نظرة إنكار-، قال: كنت أنشد، وفيه من هو خير منك). ودلالة الإقتران تقوى أحياناً، وتضعف أحياناً بحسب دلالة النص، خلافاً لمن ضعفها مطلقاً من الأصوليين.

٣– ولما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد، فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا) وفي مسلم من حديث بريدة أن رجلاً نشد في المسجد فقال: من دعاء إلى الجمل الأحمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له).

والمساجد لم تبن للبيع والشراء فيها.


والجواب عن ذلك: أن المراد، لم تبن لما لا يليق بالمساجد شرعاً أو حساً، على سبيل التحريم أو الكراهة بحسب الأدلة، بدليل جواز الأكل والشرب والنوم، كما كان يفعل أهل الصفة ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ولما في الصحيحين عن عائشة قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد).

ولما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلاً، فجاءت برجل، فربطوه بسارية من سواري المسجد).

وعن عائشة قالت: (أصيب سعد يوم الخندق فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد، ليعوده من قريب).

فهذه الأدلة تدل على مشروعية تلك الأعمال ونحوها في المسجد ما لم يدل دليل على النهي عن شيء بعينه نهي تحريم أو كراهة.

وقد يقال: إن إنشاد الضالة لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه بعدم ردها، وهذه عقوبة للدعاء عليه، ولو لم تكن محرمة لما استحق الدعاء عليه.

فيكون الأصل جواز ما ليس بمحرم في المسجد كالأكل والشرب والنوم ونحوها ما لم يدل الدليل على التحريم.

وقوله صلى الله عليه وسلم -في إنشاد الضالة في المسجد-: (فإن المساجد لم تبن لذلك) حكمةٌ وليست علةً، إذ لو كانت علة لما جازت المساجد إلا في الأمور التعبدية، فلما جاز الاكل والنوم واللعب بالحراب والسهام دلّ على أن هذا اللفظ حكمة، والحكمة: ما يترتب على الحكم الشرعي من جلب لمصلحة أو دفع لمفسدة.

* ويحتمل أن هذه الجملة (فإن المساجد لم تبن لذلك): أن تكون مقرونة بالقول لهذا المنشد، بمعنى أن نقول عندما نسمع منشداً ينشد ضالة: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا. أي لم تبن لإنشاد الضالة، فتكون الجملة مقتصرة على إنشاد الضالة، ولا يشمل الأكل والشرب ونحوهما، ولا يعارض هذا الأول.

ويحتمل (فإن المساجد لم تبن لهذا) مما هو مناف لها، وهذا لا يعلم إلا عن طريق الشرع، فيكون مناف لها منافاة كراهة، أو مناف لها منافاة تحريم بحسب الأدلة.


* فإن قيل: النهي الذي يدل على التحريم في إنشاد الضالة في المسجد، ألا يقتضي القياس عليه: تحريم البيع والشراء في المسجد، فإذا كان النهي عن إنشاد الضالة في المسجد، فالبيع والشراء من باب أولى، خصوصاً (فإن المساجد لم تبن لهذا) يشملهما.


فالجواب: أن النهي عنهما وارد في الأحاديث، وبحسب الأدلة يكون النهي للتحريم أو الكراهة، وحيث دلت الأدلة على التحريم في إنشاد الضالة لا يلزم منه أن يكون النهي في البيع والشراء للكراهة.

والغريب من الحنابلة في مذهبهم، عكسوا الأمر، فقالوا بالتحريم في البيع والشراء في المسجد، وقالوا: بالكراهة في إنشاد الضالة في المسجد.


* وهل في حكم إنشاد الضالة: من أنشدها يطلب من هي له، مثل أن يقول الإمام في المسجد من ضاع له مفتاح أو مال فهو عندنا.

أما من أنشد لنفسه: كأن يقوم رجل في المسجد فيقول: ضاع لي مال فمن وجده، فهو لي. هذا ورد النص في النهي عنه، وهو في حكم إنشاد الضالة.

أما الأول فهو يعرف بالمال، وينشد لغيره:

فمن أهل العلم من فرق بينهما، وقال: بأن هذا يطلب ماله، وهذا يطلب التخلي عن مال غيره.

وفرق بين المحسن والمسيء.

والجواب: أن كلاهما مشترك في الإنشاد، فالأول: ينشد لنفسه، والثاني: ينشد لغيره، والفعل: هو الإنشاد، وإذا كان منهي عن الأصل، فالفرع من باب أولى.

فإن قيل: ألم يجمع النبي صلى الله عليه وسلم المال في المسجد للذين أتوه فرأى في وجوههم الحاجة والفاقة.

فالجواب: إن هذا ليس من أنشاد الضالة في شيء، وإنما فيه جواز جمع المال تبرعاً في المسجد، ودليل على أن كل عمل مباح يشرع في المسجد ما لم ينه عنه.


* فإن قيل: هل يدخل في الإنشاد المنهي عنه: رفع الصوت بالسؤال عن الطفل في المسجد؟

فالجواب: من أهل العلم من رخص في الطفل، لأنه لا يعتبر مالاً ولا ضالة، ولأن حرمة المسلم أعظم من حرمة الحيوان -وهذا ما ذهب إليه شيخنا العثيمين-.

والجواب: أن المنهي عنه هو الإنشاد، فيشمل ذلك الحيوان والإنسان واللقطة.

وذكر الضالة في الحديث لا مفهوم له.

والقاعدة: التخصيص إذا كان له سبب غير اختصاص الحكم به لم يبق مفهومه حجة.

وإنما وردت الضالة في النص، لكون السائل سأل عنها، وما خرج جواباً لسؤال فلا مفهوم له، وبذلك أفتت اللجنة الدائمة.

* وهل يشرع هذا الدعاء على من فعله جاهلاً.

نعم؛ لأنه من باب التعزير حتى يرتدع عنه هو وغيره. فالأصل: أن من أظهر منكراً، أنكر عليه إلا إذا غلب على الظن حصول مفسدة أعلى منه بالإنكار.


والقول الثاني: أن النهي للكراهة في حكم البيع في المسجد؛ وهو قول الجمهور، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، لما سبق من الأدلة والقرائن الصارفة لأدلة القول الأول.

و لأن النهي يرجع إلى سبب خارج عن ماهية البيع وشروطه،  فإنَّ النَّهْيَ تَعَلَّقَ بِمَعْنًى فِي غَيْرِ العقد، و لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِأَرْكَانِهِ، وَشُرُوطِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ وُجُودُ مُفْسِدٍ لَهُ، وَكَرَاهَةُ ذَلِكَ لَا تُوجِبُ الْفَسَادَ، كَالْغِشِّ فِي الْبَيْعِ وَالتَّدْلِيسِ وَالتَّصْرِيَةِ.

وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُولُوا: لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ)، مِنْ غَيْرِ إخْبَارٍ بِفَسَادِ الْبَيْعِ: دَلِيلٌ عَلَى صِحَّتِهِ.

ولأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.


وبهذا يتبين رجحان قول الجمهور في كراهة البيع والشراء في المسجد.


* وبعد هذا العرض يتبين أن إنشاد الضالة للنفس، أو بطلب صاحبها في المسجد: محرم، والبيع والشراء في المسجد مكروه، خلافًاً  للحنابلة، فالعكس عندهم هو معتمد مذهبهم.

* ولا فرق بين إنشاد الضالة بصوت مرتفع أو منخفض، أو إنشادها لجميع من في المسجد، أو الواحد والاثنين منهم.

والله تعالى أعلم.


د.محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شحن السلع مجاني

الشراء عبر الإنترنت - وطرق شحن معتمدة

حجز السلع عبر الإنترنت