حكم الانتظار للطهر الثاني لمن راجع زوجته بعد طلاق زوجته وهي حائض:
فرق بين حكم مراجعة من طلقت وهي حائض، وبين مراجعة من طلقت في طهر جامعها فيه:
فرق بين الاستخفاف بأحكام الله تعالى باستخدامها في غير موضعها، وبين الاستهزاء بدين الله تعالى:
حكم: الطلاق لمن راجعها في الحيض قبل انتهاء العدة:
———————————-
١ - مراجعة المرأة المطلقة في الحيض من قبل زوجها مستحب، وليس بواجب ، وهو قول الجمهور ، للأدلة التالية :
لأن ابتداء النكاح سنة ، فاستدامته من باب أولى، فتكن قرينة تصرف حديث ابن عمر ( مره فليراجعها ) من الوجوب إلى الاستحباب.
ولأنه صح الدليل على وقوع الطلاق على الحائض( وحسبت تطليقة ) مما يدل على صرف الأمر للاستحباب .
وحكي الإجماع على عدم وجوب الرجعة على من طلق زوجته في طهر جامعها فيه ، كما حكاه ابن عبد البر وابن قدامة في المغني، وفيه نظر ، فقد حكي وجه للشافعية، وهو أحد الوجهين في مذهب أحمد ، وجوب الرجعة على من طلق زوجته في طهر جامعها فيه.
وذهب المالكية ، وهو قول عند الحنفية ورواية عند الحنابلة إلى وجوب مراجعة المرأة إذا طلقت وهي حائض، لامره صلى الله عليه وسلم عمر أن يأمر ابنه بالمراجعة لما طلق زوجته وهي حائض.
والجواب عنه : أن أدلة القول الأول تصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب، والله أعلم .
٢ - ذهب الجمهور إلى أن من راجع زوجته من طلاقها في الحيض، يلزمه أن ينتظر إلى الطهر الثاني إذا أراد الطلاق، ولا يجوز له الطلاق قبل ذلك ، لما في الصحيحين من حديث ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض هفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال :( مره فليراجعها ، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء) حيث أذن له أن يطلق بعد أن تطهر من تلك الحيضة ثم تحيض ثم تطهر.
وفي رواية عن أبي حنيفة ، ووجه عند الشافعية، وروايةعن احمد: أن الانتظار للطهر الثاني مندوب، ويجوز له أن يطلق في في الطهر الذي يلي الحيضة التي طلق فيها - أي الطهر الأول لها - لرواية عند مسلم في حديث ابن عمر السابق( مره فليراجعها طاهراً أو حاملاً)
وهذه الرواية قد تفرد بها محمد بن عبدالرحمن من بين الرواة عن سالم ، فتكن شاذة .
والحديث مخرجه واحد ، ورواية الصحيحين أرجح مما تفرد به محمد بن عبدالرحمن عند مسلم .
ويمكن أن تكن رواية مسلم مجملة ورواية الصحيحين مفصلة . وبهذا يتبين رجحان رأي الجمهور في أن من راجع زوجته من طلاقها في الحيض يلزمه الاستمرار معها إلى الطهر الثاني، فإن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس، والله أعلم .
٣ - من طلق زوجته في طهر جامعها فيه، طلق للبدعة ، ولكن هل تشرع مراجعتها؟
قيل : إنه لا تشرع مراجعتها إلا لمن رغب في مطلق الرجعة .
وذلك لقوله تعالى ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) أي في زمن تستقبل فيه العدةً، لأن الطلاق في الحيض فيه تطويل للعدة ، حيث لا تحتسب فترة الحيض الذي حصل فيه الطلاق من العدة ثم تستأنف ثلاث حيض كاملة .وأما إذا طلقها في طهر جامعها فيه فهي تنتظر الحيض وتبدأ به عدد ثلاث حيض ، ولا حاجة لها إلى المراجعة من قبل الزوج.
وهذا بناء على أن الحكمة من الأمر بمراجعة المطلقة في الحيض ، ليزول المعنى الذي حرم الطلاق في الحيض لأجله ، وهو تطويل العدة .
وقيل : الحكمة هي عقوبة للزوج على طلاقها في الحيض ، فعوقب بنقيض قصده، وأمره بارتجاعها عكس مقصوده.
وقيل : الحكمة ليقع الطلاق على الوجه الذي شرعه الله ، في الزمن الذي أباحه الله له.
وهذا الأخير أقرب ، لأن المراجعة من الطلاق البدعي سنة وليس بواجب على الأصح كما تقدم ، ولأن في ارتجاعها ثم طلاقها تطويل للعدة أكثر من عدم مراجعتها في الطلاق البدعي، فتكون علة تطويل العدة ، ومعالجة ذلك برجعتها زيادة في التطويل . والله أعلم .
٤ - فرق بين الاستخفاف بأحكام الله تعالى باستخدامها في غير موضعها ، فلا يكفر فاعله، وبين الاستهزاء بدين الله تعالى الذي يخرج من الملة .
فقد روى النسائي عن محمود بن لبيد رضي الله عنه ، قال : أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جمعياً، فقام غضبان ، ثم قال :( أيلعب بكتاب الله تعالى ، وأنا بين أظهركم ؟) حتى قام رجل فقال : يا رسول الله ألا أقتله؟).
ومحمود بن لبيد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم على الأصح ويشهد لذلك ما رواه أحمد بسند حسن عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل قال : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا المغرب في مسجدنا ، فلما سلم منها ، قال : ( اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم) للسبحة بعد المغرب.
وهو صحابي صغير جل روايته عن الصحابة كما وضحه
وبهذا يتضح صحة حديث محمود بن لبيد السابق الحافظ ابن حجر .
ومخرمة بن بكير بن عبدالله سمع من أبيه أيضاً على الأصح قال ابن المديني( سمع من أبيه قليلاً) ثم إن هذا الحديث على فرض كونه لم يسمع منه ، فهو وجادة،، والوجادة من صيغ التحمل الصحيحة .
وقد صححه الألباني في غاية المرام .
وبالإجماع أن من طلق زوجته ثلاث تطليقات جميعاً لا يخرجه ذلك من الإسلام .
ومثل هذا من أتم صلاته عند خروج الحدث منه في الصلاة ، يكون ذلك محرماً لأنه من الاستخفاف بأحكام الله تعالى باستخدامها في غير موضعها، ولا يخرج بهذا الفعل من الإسلام خلافاً للحنفية الذي يعتبرونه كفراً مخرجاً من الملة .
وأما الاستهزاء بدين الله تعالى فهذا يخرج من الملة ، لقوله تعالى : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ).
فأثبت لهم الكفر بعد الإسلام بسبب الاستهزاء بدين الله تعالى .
والله أعلم .
كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق