حكم المراثي للميت :
———-
الخلاصة : جواز ذلك ما لم يتضمن محظوراً، كالكذب والغلو ، أو يكون سبباً ووسيلة - يقيناً أو غلبة للظن - في الوقوع في المحظور من النياحة ونحوها .
———————-
١ - في الصحيح : أن جنازة مرت فأثنوا عليها خيراً، فقال صلى الله عليه وسلم :( وجبت )، ثم مرت جنازة فأثنوا عليها شراً، فقال صلى الله عليه وسلم ( وجبت ) الحديث.
الشاهد جواز الثناء على الجنازة بالخير أو الشر، لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك وعدم إنكاره.
والقاعدة : ما جاز قوله في غير الخطبة ، جاز في الخطبة إلا ما دل الدليل على عدمه.
٢ - روى البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم))
وهذا الحديث فيه دليل على جواز النعي للميت غير المحرم - المصحوب برنة تشعر بالتسخط والتجزع من قضاء الله وقدره، وهو - أي النعي غير المحرم - ههنا الإخبار بموت الميت في خطبة الجمعة، وجواز الثناء عليه ( سيف من سيوف الله) بما مصلحته أعظم من مفسدته، أو للمصلحة الخالصة أو الغالبة .- كما سبق في حكم المدح -.
الغير متضمنة للغلو أو الكذب أو المشعرة بانتقاص غيره من علماء زمانه أو المهيجة للأحزان لأقاربه، فإن التعزية شرعت للتخفيف على المصاب وتسليته لا لعكسه.
٣ - قال تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) وهل من ذكر الله تعالى ذكر وفاة العالم والثناء عليه .
فالجواب : نعم ، لأن ذكره ليس لعينه وذاته، وإنما لكونه قدوة في الخير وإماماً فيه، فإن التذكير بالله كما يكون بالقول يكون بالفعل والقدوة .
ولهذا قال بعض السلف : إن من الناس أناساً إذا رأيناهم ذكرنا الله، ومن الناس من إذا رأيناهم ذكرنا الدنيا.
٤ - روى مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مات اليوم عبد لله صالح أصحمة، فقام فأمنا وصلى عليه)) .
فيه دليل على جواز الثناء على الصالح بصلاحه - حسب الظاهر - ، فإذا جاز في غير الخطبة جاز في الخطبة إلا ما دل الدليل على تخصيصه.
٥ - وفي صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب يوم الجمعة فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر رضي الله عنه.
وهذا فيه دليل الثناء على الصالحين في الخطبة ، ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعاً.
وفيه رد على من قال أنه لم يثبت عن السلف فعل ذلك .
والقاعدة : المثبت مقدم على النافي.
تنبيه : قسَّم القرافي المراثي إلى أربعة أقسام باعتبار حكمها:
(الأول: المراثي المباحة، وهي الخالية عن التحريم من ضجر أو تسخط أو تسفيه للقضاء وما أشبه ذلك.
الثاني: المراثي المندوبة، وهي ما كان مسهلًا للمصيبة، مذهبًا للحزن، محسنًا لتصرف القضاء، مثنيًا على الرب تعالى.
الثالث: المراثي المحرمة الكبيرة، وهي ما كان فيه اعتراض على القضاء، وتعظيم لشأن الميت، وأن موته خلاف الحكمة والمصلحة، وما أشبه ذلك.
الرابع: المراثي المحرمة الصغيرة، وهي ما كان مبعدًا للسلوة عن أهل الميت، مهيجًا للأسف معذبًا للنفوس) . أ .ه.
ولو قيل : في الرابع : بكراهة ما أدى إلى إثارة الأحزان للقرابة من أهل الميت ، مبعداً للسلوى - من الرثاء- لكان في نظري أقرب ، لأنه خلاف مقصود الشارع من تعزية المصاب، ما لم يكن وسيلة وسبباً في وقوع المحظور من النياحة ونحوها،
وذلك أن مجرد الحزن وبكاء العين لا يصل إلى حد التحريم ما لم يصحب بمنكر ، ، وفي الحديث( إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون ).
٦ - فإن قيل : الأصل في العبادات الحظر، وخطبة الجمعة عبادة.
فالجواب : أن الدليل دل على ذلك كما سبق في الأدلة السابقة ومنها( سيف من سيوف الله).ثم إن خطبة الجمعة لا يتعبد لله بألفاظها ، وإنما هي موعظة ، والموت موعظة ، وفقد العالم موعظة ، وصلاحه موعظة .
والله أعلم .
كتبه : محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق