قاعدة : هل كل عبادة يستحب فيها استقبال القبلة إلا ما دل الدليل على تخصيصه؟
—————————
الخلاصة : لا يستحب استقبال القبلة عند تلاوة القرآن، وكذا كل عبادة لا تستحب فيها استقبال القبلة إلا بدليل .
————————————-
١ - الإجماع على استحباب استقبال القبلة عند دعاء الله تعالى .قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :، ولم أعلم الأئمة تنازعوا في أن السنة استقبال القبلة وقت الدعاء ، لا استقبال القبر النبوي ."
ويقول ويقول ابن تيمية رحمه الله في "نقض التأسيس" (2/452) :
" إن المسلمين مجمعون على أن القبلة التي يشرع للداعي استقبالها حين الدعاء هي القبلة التي شرع استقبالها حين الصلاة " انتهى .
ويقول أيضاً : ( فإنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه ، ألا ترى أن المسلم لما نهى عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها ، فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء ، ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها معظمه الصالح، سواء كانت في المشرق أو غيره ، وهذا ضلال بين وشرك واضح ." انتهى.
٢ - وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : لما كان يوم بدر نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه ، وهم ثلاثمائة ونيف ، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة ، فاستقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - القبلة ، ثم مد يديه ، وعليه رداؤه وإزاره ، ثم قال : اللهم أين ما وعدتني ، اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا ، قال : فما زال يستغيث ربه [ عز وجل ] ويدعوه حتى سقط رداؤه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرداه ، ثم التزمه من ورائه ، ثم قال : يا رسول الله ، كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله - عز وجل - : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) فلما كان يومئذ والتقوا ، فهزم الله المشركين ، فقتل منهم سبعون رجلا وأسر منهم سبعون رجلا).
وفي حديث عبدالله بن زيد لما استسقى صلى الله عليه وسلم توجه للقبلة ورفع يديه ودعى.
فإذا كان الدعاء يستحب فيه استقبال القبلة ، فتلاوة القرآن من باب أولى .
ولأن تلاوة القرآن فيها دعاء ، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم في صلاة النفل إذا مر بآية سؤال سأل .
٣ - روى أبو داود : عن عبيد بن عمير عن أبيه أنه حدثه وكانت له صحبة أن رجلا سأله فقال يا رسول الله ما الكبائر فقال هن تسع فذكر معناه زاد وعقوق الوالدين المسلمين واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا ).
والشاهد ( قبلتكم أحياء وامواتا)، يشمل كل ما يتعبد به إلى الله تعالى ، فالأصل فيه استقبال القبلة استحباباً إلا ما ورد الدليل على خلافه .
والحديث متكلم في ثبوته، وفيه ضعف .
٤ - عن أبي أيوب في الصحيحين: (لا تستقبلوا القبلة بغائط أو بول ولا تستدبروها ).
فإذا نهي عن استقبالها بما لا يليق ، فمفهومه : استحباب استقبالها فيما يتعبد به إلى الله تعالى ، فالمكروه نظيره المستحب .
٥ - ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن سيد المجالس ما استقبل القبلة ) . قال صاحب الفروع : ويتجه في كل طاعة إلا لدليل..
٦ - قال تعالى :( ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون}
وهذه الآية في نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، فدل ذلك على شرف تلك القبلة ، فالصلاة لا تصح من غير عذر إلا إلى جهتها وبقيت العبادات على الاستحباب ما لم يرد النص بخلافه.
٧ - ولأن جهة القبلة هي أشرف الجهات،
فكان التوجه لها فاضلاً في فعل العبادة .
٨ - وفي الصحيحين عن عائشة قالت: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن".
وهذا يدل على جواز قراءة القرآن لغير قبلة
وهذا لا إشكال فيه ، لقوله تعالى : ( الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ).
وبعد. هذا العرض لهذه الأدلة قرر بعض أهل العلم قاعدة : أن الأصل في كل عبادة يستحب فيها استقبال القبلة ، - كالوضوء مثلاً- إلا ما دل الدليل على خلافه .
وذهب آخرون : إلى أن الاستحباب لا يكون إلا بدليل ، وما لم يكن فيه دليل على الاستحباب فالأصل عدم استحباب استقبال القبلة فيه ، وخصوصاً : ما توفر سببه في عهد النبي صلى الله عليه ولم يفعله، فتركه هو السنة ، ومن ذلك استقبال القبلة عند تلاوة القرآن ، وهذا في نظري أقرب، ولم يكن في ذلك إجماعاً، ولو ثبت الإجماع لكان خاصاً بالتلاوة ، ولا يشمل كل عبادة ، كاستقبال القبلة عند الوضوء ونحوه.
تنبيه : القياس في العبادات لا التعبدات جائز ، - كما سبق بيانها في القواعد -وهذه القاعدة أصل .
ولكن يستثنى من هذا الأصل :
ما توفر سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فتركه هو السنة ، - وهذا هو الظاهر - وذلك لأن الظاهر مقدم على الأصل.
وقاعدة : الظاهر مقدم على الأصل - تقدمت في القواعد -، والله أعلم .
كتبه : محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق