مصادر الرق :
أسباب تملك الرقيق :
—————————
في صحيح البخاري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره)
حيث دل هذا الحديث على أن الحر لا يباع ولا يملك، وقد شدد الإسلام في ذلك وجعله من كبائر الذنوب وأعظم الموبقات، - كما - في الحديث السابق - حتى ولو كان كافراً، لأن معنى استرقاق من استرق النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار : هو كونهم قبل الرق أحرارا، وإنما يسترقون عند وجود أسباب الرق الشرعية لهم .
وذلك لأنّ الأصل في الآدميّين الحرّيّة، فإنّ اللّه تعالى خلق آدم وذرّيّته أحرارًا، وإنّما الرّقّ لعارضٍ، فإذا لم يعلم ذلك العارض فله حكم الأصل. والحرّيّة حقّ للّه تعالى فلا يقدر أحد على إبطاله إلاّ بحكم الشّرع، فلا يجوز إبطال هذا الحقّ.
وهذه الأسباب الشرعية لتملك الرقيق :
١ - أن يجده المسلم على الرق في الجاهلية أو قبل إسلامه عند الكفار ثم يسلم ويبقى رقيقاً بعد الإسلام ، فلا ينتفي عنه الرق بإسلامه.
والقاعدة : الأصل في الأفعال الصادرة من أهلها الصحة ، ولهذا يقر الكفار على بيوعهم وأنكحتهم قبل إسلامه ما لم يكن المانع موجوداً بعد الإسلام .
فالشراء ممن يملكه ملكا صحيحا معترفا به شرعا، وكذا الهبة والوصية والصدقة والميراث وغيرها من صور انتقال الأموال من مالك إلى آخر.
ولو كان من باع الرقيق، أو وهبه كافرا ذميا أو حربيا فيصح ذلك أيضا، وقد أهدى المقوقس للنبي صلى الله عليه وسلم جاريتين، فتسرى بإحداهما ، ووهب الأخرى لحسان بن ثابت رضي الله عنه، ذكره ابن سعد في الطبقات ( 8 / 214 - ط دار صادر ) من حديث الزهري مرسلا .
٢ - أن يكون الكافر ولو صغيراً أو امرأة في الأسرى ، ثم يضرب إمام المسلمين - أو من له الكلمة في ذلك المصر إذا لم يكن لهم إمام -، الرق ، فيكون رقيقاً بعد ذلك.
وقد {استرقّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نساء بني قريظة وذراريّهم}
٣ - أن يكون مولود لرقيقة إلا إذا كان سيده ذا محرم للمولود فإنه يعتق عليه( من ملك ذا رحم محرم فهو حر).
وذلك لأن المولود يتبع أمه في الحرية والرقية.
فإن السيد إذا استولد أمته فولدها حر وتصير أم ولد.
وكذلك لو تزوج رجل أمة واشترط على سيدها أن أولاده منها أحراراً لم يلحقهم الرق.
لأن معنى ذلك : جعل أولاده من أمته التي زوجها من غيره أحراراً، وهذا من حقوقه التي جعلها له الشارع.
وولد الأمة من غير سيدها يتبع أمه في الرق، سواء، أكان أبوه حرا أم عبدا، وهو رقيق لمالك أمه، لأن ولدها من نمائها، ونماؤها لمالكها، ويستثنى من ذلك ولد المغرور وهو من تزوج امرأة على أنها حرة فإذا هي أمة. وكذا لو اشترط متزوج الأمة أن يكون أولاده منها أحرارا على الأصح كما تقدم.
وهناك قول فيه ضعف إن من اشترى كافرة من أهلها صارت رقيقة .
ووجه ضعفه ، لكون الحر غير مملوك لأهله، ولا يملك هو بيع نفسه فضلاً عن بيع غيره له.
٤ - أن يختطف المسلم كافراً من بلاد كافرة ليس بينها وبين المسلمين عهد ولا ميثاق ويحوزه إلى بلاد المسلمين ويضرب عليه الرق- كما أشار إلى ذلك ابن تيمية رحمه الله.
ووجه ذلك : أنه كافر ليس بينه وبين المسلمين عهد ولا ميثاق، فيكون حلال الدم والمال، وعند حيازته من بلد الكفر إلى بلاد الإسلام ، كان كالسلعة بعد قبضها بالتصرف فيها، فإذا جاز له إزهاقها جاز له استرقاقها من باب أولى ، ولم يجز استرقاقها في بلادها لعدم تمام الملك عليها، كالسلعة التي لا يجوز بيعها قبل حيازتها ، ولأنها في بلادها لا سلطة له عليها ، وكان له السبق عن بقية المسلمين، لسبقه إليها، وفي الحديث( من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به).
ولأن سلطته عليها بعد حيازتها له دون غيره.
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضرب الرق على الكفار قبل تسلطه عليهم .
قال الخطابي :( بل يبقى المخطوف أو المسروق حرًّا إن كان معصومًا بإسلامٍ أو عهدٍ ).
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله : " وسبب الملك بالرق : هو الكفر ، ومحاربة الله ورسوله ، فإذا أقدر اللهُ المسلمينَ المجاهدين الباذلين مُهَجهم وأموالهم وجميع قواهم وما أعطاهم الله لتكون كلمة الله هي العليا على الكفار : جعلهم ملكاً لهم بالسبي إلا إذا اختار الإمام المنَّ أو الفداء لما في ذلك من المصلحة للمسلمين " انتهى من " أضواء البيان " (3/387) .
وقال أيضاً :
فإن قيل : إذا كان الرقيق مسلماً فما وجه ملكه بالرق ؟ مع أن سبب الرق الذي هو الكفر ومحاربة الله ورسله قد زال .
فالجواب : أن القاعدة المعروفة عند العلماء وكافة العقلاء : أن الحق السابق لا يرفعه الحق اللاحق ، والأحقية بالأسبقية ظاهرة لا خفاء بها .
فالمسلمون عندما غنموا الكفار بالسبي : ثبت لهم حق الملكية بتشريع خالق الجميع ، وهو الحكيم الخبير ، فإذا استقر هذا الحق وثبت ، ثم أسلم الرقيق بعد ذلك كان حقه في الخروج من الرق بالإسلام مسبوقاً بحق المجاهد الذي سبقت له الملكية قبل الإسلام ، وليس من العدل والإنصاف رفع الحق السابق بالحق المتأخر عنه كما هو معلوم عند العقلاء . أ.ه.
ولا يجوز ابتداء استرقاق المسلم; لأنّ الإسلام ينافي ابتداء الاسترقاق; لأنّه يقع جزاءً لاستنكاف الكافر عن عبوديّة اللّه تعالى، فجازاه بأن صيّره عبد عبيده.
محمد بن سعد العصيمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق