——————
١ - قال تعالى :( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )
والأمر بالانصات يشمل ما إذا كان المستمع لهذا القاريء كالمأموم في الصلاة الجهرية أو غير تابع ، ككون القاريء للقران في خارج الصلاة .
والقاعدة : الأصل في الأمر الوجوب .
فإن قيل : قال الإمام أحمد رحمه الله في هذه الآية : هذا في الصلاة . وقال : أجمعوا على أن ذلك في الصلاة .
فالجواب من أوجه :
أ - أن الإجماع فيه نظر ، فقد خالف الحنفية وغيرهم ، وقالوا بوجوب الانصات عند استماع القرآن في خارج الصلاة - على خلاف بينهم في كونه فرض عيني أو كفائي - .
ب - أن الإجماع المنقول على فرض صحته، فهو الانصات لسماع القرآن في الصلاة وخطبة الجمعة، وما عدا ذلك ففيه خلاف.
ج - ولأن القاعدة : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وذلك على فرض أن الآية نزلت بسبب تحريم كلام الآدميين في الصلاة .
٢ - قال تعالى :( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ).
وذلك لأن اللغط والقرآن يتلى فيه تشبه بالمشركين الذين نهينا عن التشبه بهم .
٣ - وقال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ )
وإذا كان هذا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلام الله تعالى يجب أن يتأدب معه ولا ترفع الأصوات وهو يتلى ، فهو أعظم حرمة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا القياس على النهي عن رفع الصوت فوق صوت النبي عليه السلام فيه نظر : فإن القران يكون بصوت القارئ ، ولو صح القياس لكان النهي عن رفع الصوت اثناء قراءة القارئ وليس فيه ايجاب الانصات وترك الكلام .
ومع كونه فيه نظر، فله وجه.
والقاعدة : عدم الدليل المعين ، لا يستلزم عدم المدلول المعين .
فإن قيل : في وجوب الانصات للقران في غير الصلاة مشقة فادحة ، والقاعدة : المشقة تجلب التيسير .
فالجواب : على فرض وجود المشقة الفادحة، فعند وجودها يخفف الحكم حتى تصل إلى المشقة المعتادة .
فإن قيل : الجمهور على عدم وجوب الانصات للقران .
فالجواب : أن قول الجمهور ليس من أدلة الأحكام التي يستدل بها على الأحكام الشرعية .
وبناء على ما سبق : يتبين وجوب الانصات عند سماع كلام الله تعالى يتلى .
فإن قيل : الاجماع الذي قصده الامام احمد هو عن الصحابة والتابعين ، ولا يعرف لهم مخالف فقد اتفقوا انه في الصلاة او الخطبة او فيهما جميعا .
فالجواب : على فرض ثبوته، فإن الإجماع يطلق ويراد به أحياناً: أنه لا يعرف لهم مخالف، وهو كثير ، فيكون اجماعاً ظنياً لا قطعياً، وقد سبق بيان كونه ليس بحجة .
وقد ثبت الخلاف واتضح عدم ثبوت الإجماع.
وبناء عليه فإن تقدمه على الخلاف لا يمنع من وجود الخلاف بعده لكونه ظنياً لا قطعياً . والله تعالى أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي / كلية الشريعة / جامعة ام القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق