————-
يجوز إخراج تراب الحرم ، وعدم إرجاعه له، وليس له حرمة في حد ذاته، وإنما الحرمة للمكان الذي هو فيه، وهو الحرم، فالحرمة إما زمانية كشهر الله المحرم، والأشهر الحرم على صفة العموم ، أو حرمة مكانية، كحرم مكة والمدينة ، وما جعل له حرمة فيهما كشجرها ولقطتها، وصيدها ونحو ذلك مما جاء به الشارع، وما عدا ذلك فالأصل فيه الحل، ومن ذلك حجر الحرم وترابه .
والقاعدة : النهي عن الأخص دليل على جواز الأعم ، قال تعالى :( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ..).
ولأن حجر الحرم وترابه لو كان محرماً إخراجه ، لكان ذلك مما توفرت الدواعي لنقله، فلما لم ينقل ، كان باقياً على أصل الجواز ، وفي صحيح مسلم مرفوعاً:( إن أعظم المسلمين من سأل عن شيء لم يحرم ، فحرم من أجل مسألته ).
وهذا هو المنقول عن أبي حنيفة في جواز ذلك وأنه لا بأس به.
وإليك بعض نصوص العلماء في هذه المسألة التي تشير إلى خلاف ما ذكرنا ، وتحتاج إلى دليل يدل عليها .
1/ قال الإمام الشافعي رحمه الله :
[ لا خيرَ في أن يُخرج من حجارة الحرم ، ولا ترابه شيء إلى الحل ؛ لأنَّ له حرمة ثبتت بايَنَ بها ما سواها من البلدان ، ولا أرى - والله تعالى أعلم - أن جائزاً لأحد أن يزيله من الموضع الذي باين به البلدان إلى أن يصير كغيره ].
2_ وقال ابن حزم رحمه الله :
[ ولا يخرج شيء من تراب الحرم ولا حجارته إلى الحل ].
3_ وعن عطاء قال :
[يُكره أن يُخرج من تراب الحرم إلى الحل ، أو يدخل تراب الحل إلى الحرم ].
4_ وصرح الشافعية
[ بحرمة نقل تراب الحرم ، وأحجاره ، وما عمل من طينه - كالأباريق وغيرها - إلى الحل ، فيجب رده إلى الحرم ].
5- من أخذ شيئا من تراب الحرم إلى خارجه فعليه أن يستغفر الله تعالى من فعله أولاً ، ثم عليه أن يرجعه إلى أي بقعة في الحرم إن استطاع ، ولا يجب أن يردَّه بنفسه ، بل لو أعطاه لمن يوثق به ليرده : جاز له ذلك فإن لم يستطع هذا ولا ذاك : فيضعها في أي مكان طاهر .
6- وقال الماوردي رحمه الله :
[ فإن أخرج من حجارة الحرم ، أو من ترابه شيئاً : فعليه ردُّه إلى موضعه ، وإعادته إلى الحرم ].
ونقل تراب الحرم وحجره إلى الحل وعكسه:
لم أعثر في هذا الباب على رواية مرفوعة مسندة، سوى أقوال بعض الصحابة والتابعين وفي أكثرها مقال.
وقد سبق في القواعد تقرير : أن قول الصحابي ليس بحجة إلا إذا قال قولاً لا مجال للاجتهاد فيه وكان غير معروف بالأخذ عن أهل الكتاب.
وإليك شيئاً مما نقل عنهم رضي الله عنهم وأرضاهم:
١ - روى الأزرقي عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: أخبرني بعض من كنا نأخذ عنه أن ابن الزبير تقدم يوماً إلى المقام ليصلي ورآه فإذا حصى بيض أتى بها وطرحت هنالك فقال: ما هذا البطحاء؟ قال: قيل له: إنه حصى أتي بها من مكان كذا وكذا خارج من الحرم، قال فقال: القطوه وأرجعوه به إلى المكان الذي جئتم به منه، وأخرجوه من الحرم، وقال: لا تخلطوا الحل بالحرم.
وإسناده ضعيف لا حجة فيه لأن فيه أحمد بن ميسرة وهو ضعيف، وفيه أيضاً شيخ عبد العزيز وهو مبهم.
٢ - وأخرج الأزرقي والفاكهي عنه أيضاً قال: سمعت غير واحد من الفقهاء يذكرون أنه يكره أن يخرج من الحرم من ترابه أو حجارته بشيء أو يخلط بعضه ببعض.
وهذا أيضاً لا حجة فيه لأنه ليس بثابت الإسناد إلى عبد العزيز لأجل راوية أحمد بن ميسرة.
ولأنه رأى من الذين سمعه منهم ولم يذكر دليله.
٣ - وذكر المحب الطبري عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما أنهما كرها أن يخرج من تراب الحرم وحجارته إلى الحل شيء، وقال: أخرجه الشافعي وقال: قال غير واحد من أهل العلم: لا ينبغي أن يخرج شيء من الحرم إلى غيره.
ورواية ابن عباس وابن عمر أخرجها الفاكهي والبيهقي من طريق محمد بن أبى ليلى ، وهو ضعيف .
٤ - وروى الفاكهي عن عطاء أنه كان يكره أن يخرج تراب الحرم إلى الحل أو يدخل تراب الحل إلى الحرم .
وذكر البيهقي عن الشافعي عن عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرقي عن أبيه عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر (ابن كريز) قال: قدمت مع أمي أو قال جدتي مكة فأتتها صفية بنت شيبه فأكرمتها وفعلت بها، فقالت صفية: ما أدري ما أكافئها به فأرسلت إليها بقطعة من الركن فخرجنا بها فنزلنا أول منزل فذكر من مرضهم وعلتهم جميعاً، قال فقالت أمي أو جدتي: ما أرانا أتينا إلا أنا أخرجنا هذه القطعة من الحرم فقالت لي وكنت أمثلهم: انطلق بهذه القطعة إلى صفية وقال لها: إن الله قد وضع في حرمه شيئاً ينبغي أن لا يخرج منه قال عبد الأعلى فقالوا: فما هو إلا أن تحينا دخولك الحرم فكأنما أنشطنا من عقل .
وهذا أيضاً لا حجة فيه، فيه مجاهيل عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم وأمه أو جدته لم يعرفوا بجرح ولا تعديل.
* وقول عطاء وغيره من التابعين رأى واستحسان لهم رضي الله عن الجميع.
فإن قيل : إن حرمة الحرم إنما هي للأرض ، وترابها ، وحجارتها ، فلا يجوز له إزالة حرمتها .
فالجواب : أن الحرمة للبقعة والمكان التي وجدت فيه ، لا لذات التراب والأحجار، ولهذا إذا خرج صيد الحرم عن الحرم جاز صيده لغير المحرم .
تنبيه : لا يجوز إخراج شيء من تراب الحرم بقصد التبرك ، إذ أن التبرك بالحجارة والتراب محرم ، ولا يجوز ، ووسيلة من وسائل الشرك ، والله أعلم .
كتبه / محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق