في الثمن أو العين أو القدر أو غيرهما :
الأحكام المتعلقة باختلاف البائع والمشتري:
——————
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا اختلف المتبايعان ، وليس بينهما بينة فالقول ما يقول رب السلعة ، أو ييتاركان ).
١ - هذا الحديث ضعيف.
فقد أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما من طريق عبدالرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده، وقد أعله ابن القطان بالجهالة في عبدالرحمن هذا وأبيه وجده.
وأخرجه الترمذي وأحمد من طريق ابن عجلان عن عون بن عبدالله عن ابن مسعود مرفوعاً، وإسناده منقطع لأن عون بن عبدالله بن عتبة بن مسعود لم يدرك عبدالله بن مسعود ، حيث ذكر الدارقطني أن روايته عن ابن مسعود مرسلة.
ورواه أبو داود وابن ماجة وأحمد من طريق ابن أبي ليلى عن القاسم بن عبدالرحمن عن أبيه .
ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى : ضعيف : سيء الحفظ كثير الخطأ في المتون والأسانيد. وقد خالف في هذا الحديث رواية الجماعة حيث قال عن أبيه والصواب : عن القاسم بن عبدالرحمن عن ابن مسعود .
وقد تابع ابن أبي ليلى على وصل الحديث عمر بن قيس الماصر عن القاسم بن عبدالرحمن عن أبيه - أخرجه ابن الجارود - وعمر هذا قال عنه الحافظ ( صدوق ربما وهم ).
وأخرجه النسائي وأحمد من طريق أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود عن أبيه ، وهو منقطع فإن أبا عبيدة لم يدرك أباه .
وهو بهذه الطرق في متنه اختلاف ، مما يدل على عدم ضبطه، وفي كل سند منها مقال ، والذي يظهر أنها بمجموعة ترتقي إلى كونه مرسل ،، قال البيهقي( وقد روي من أوجه ، بأسانيد مراسيل ) والمرسل من أقسام الحديث الضعيف.
٢ - من صحح الحديث السابق ، قال : بأن القول قول البائع مع يمينه، لأن القاعدة : كل من كان القول قوله فعليه اليمين - كما سبق في القواعد -.
وبأن الذي يظهر هو ضعف الحديث السابق، فإن القول ههنا هو قول المشتري ، لأنه منكر للزيادة ، والقاعدة : كل متكر فالقول قوله ، إلا إذا قوي جانب قول البائع بشيء آخر ، مثل أن يأتي بشاهد واحد فقط، فقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم بشاهد ويمين، أو يكون قول البائع قوي بالعرف في قيمة السلعة ، مثل : أن يقول البائع بعتك السيارة بمائة ، والمشتري يقول بخمسين، وعرف الناس أن قيمة هذه السلعة أو السيارة في السوق بمئة، فيكون القول قول من قوي جانبه وهو ههنا البائع مع يمينه.
وذلك لأن القاعدة التي سبق تقريرها : أن اليمين تكون في جانب أقوى المتداعيين في الدعوى .
والقاعدة : الظاهر يقدم على الأصل.
إذ الأصل أضعف الأدلة لا يحتج به إلا بعد البحث عن بقية الأدلة ، وقد سبق بيان تلك القواعد ،
ولأن القاعدة : الأصل الأدنى مقدم على الأصل الأبعد .
والأصل الأبعد ههنا : كون السلعة لا تخرج من عهدة البائع وذمته إلا برضاه وهو لم يرض إلا بذلك الثمن الذي ذكرة، وبتلك الزيادة التي أنكرها المشتري .
والأصل الأقرب : هو وجود الإيجاب والقبول بالبيع لتلك السلعة التي تتضمن نقل السلعة من ذمة البائع إلى ذمة المشتري ، وهذا الأصل حادث بعد ذلك الأصل الأول.
فيقدم الأصل الأقرب على الأصل الأبعد.
ولأن القاعدة :إعمال الكلام أولى من إهماله.
فلما تم البيع بالإيجاب والقبول ، إعماله أولى من إهماله.
وبهذه القواعد :
١ - كل مكر فالقول قوله.
٢ - اليمين تكون في جانب أقوى المتداعيين في الدعوى .
٣ - كل من كان القول قوله فعليه اليمين.
٤ - الظاهر يقدم على الأصل .
٥ - إعمال الكلام أولى من إهماله.
٦ - الأصل الأقرب يقدم على الأصل الأبعد.
وكل هذه القواعد سبق تقريرها في القواعد . وبها يتضح قضايا النزاع بين المختلفين، وسواء كان هذا الاختلاف في العين أو في الثمن أو في القدر .
وبهذه المسألة يتضح الحكم فيما إذا قال كل منهما قولاً محتملاً ولم يكذب أحدهما الآخر : كأن يقول بعتك إحدى السيارتين بمائة ، ويقول المشتري اشتريت ظناً منه أن يقصد كلا السيارتين .
فكلاهما اتفقا على بيع السيارة، والبائع منكر بيع السيارة الأخرى، وكل منكر فالقول قوله، ولكن إذا قوي جانب أحدهما بغير الأصل فالقول قوله بيمينه كما سبق. والله تعالى أعلم .
كتبه / د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة/ جامعة أم القرى / مكة المكرمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق