هل القيد المصرفي ينزّل منزلة القبض
فمثلاً لو دفع العميل للمصرف مبلغاً على أن يتم صرفها بعملة أخرى ، وتم الصرف بالقيد المصرفي بعد قبض المبلغ من العميل ، ومن ثم تحويلها حسب طلب العميل .
فمن المعاصرين من ينزّل القيد المصرفي منزلة التقابض، والقاعدة : المنصوص عليه وما في معناه حكمهما واحد، وقد قال صلى الله عليه وسلم ( فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) وكل عملة جنس يختلف عن جنس العملة الأخرى ، والقيد المصرفي ينزّل منزلة التقابض يداً بيد.- وقد أخذت المجامع الفقية بذلك - .
وعند التأمل نجد أن القيد المصرفي لا ينزل منزلة التقابض يداً بيد ، للأمور التالية :
١ - عند صرف عملة العميل بعملة أخرى عن طريق المصرف، فهي وإن نزلت في حساب العميل ، إلا أن المصرف يحجب عنه السحب بالعملة التي صارف بها- لأنها تخالف نقود البلد - وعند الحجب لا ينزّل منزلة التقابض باليد، وإنما هو صوري لا حقيقي ، وعلى فرض كونه حقيقاً فهو ليس بمعنى القبض يداً بيد.
٢ - أن القيد المصرفي في عملية الصرف في الحوالات الخارجية يتم تحديد تاريخ الاستحقاق فيه في اليوم التالي لإدخالها في الحاسب الآلي وذلك بعد وقت العملية، نظراًلاختلاف التوقيت بين دول العالم المختلفة، وكذلك اختلاف الإجازات الأسبوعية والأعياد، وعلى هذا الأساس فالتقابض لا يتم في الحال وإنما بعد الافتراق من مجلس الصرف - أنظر : العمولات المصرفية،د. عبدالكريم اسماعيل ص ٢٥٥ - .
ولا يقال : إن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، فقد أفردنا هذه القاعدة بالتفصيل وذكرت أقوال العلماء فيها ، وتبين الراجح: أن الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة ، هي التي دلّ الدليل عليها أو كانت في معنى ما دلّ الدليل عليه، أو أولى مما دلّ الدليل عليه ، وما لا فلا .
وفرق بين جائزمطلقاً ، ومحرم يجوز عند الضرورة، والضرورة لا تكون ضرورة إلا بشرطين:
أ - أن نتيقن أن بهذا الشيء تزول الضرورة،
ب - أن لا يوجد غيرها يقوم مقامها.
٣ - ولأن نزول المبلغ آلياً في حساب العميل لا يعني قدرته على صرفه، فقد يكون رقم المبلغ في الحساب فوراً ولا يستطيع استلامه، مما يدل على أن القيد المصرفي ليس بمنزلة التقابض يداً بيد، ولا في معناه .
٤ - أن صرف العملة عن طريق المصرف ويتم دفع العملة الأخرى عن طريق القيد المصرفي ، إذا كان يحتاج إلى المقاصة غير الفورية ، لم يكن بمعنى التقابض يداً بيد، فلم يكن الصرف في مجلس العقد.
فإن قيل : ألا يمكن تنزيل القيد المصرفي منزلة تسليم النقد ، والمقاصة تجري بعد ذلك.
فالجواب : أنه يلزم من ذلك إتمام عملية الصرف من طرف، وهو العميل، والطرف الآخر ، وهو المصرف، قيد في دفاتره ودينه للمصارف الأخرى أكثر، مما يترتب عليه عدم التقابض في مجلس العقد. وكذا يلزم منه أن يعطيه مبلغ ليصرفه فيأخذ المبلغ ويحيله على طرف ثالث ليعطيه صرفه، فيترتب على ذلك صرف مع عدم التقابض لا حقيقة ولا حكماً في مجلس العقد.
@ ومعنى المقاصة :
حقيقتها : خصم دين من دين ، ودفع المستحق المتبقي لصاحبه بعد التصفية.
حيث يقوم البنك المركزي بالاشراف على عمليات المقاصة بين البنوك وتتم فيه تصفية الشيكات التى تتلقاها البنوك من عملائها بقصد تحصيلها لحسابهم من البنوك الاخرى والقيام بتسوية الارصدة المتخلفة عن هذه العملية بطريق نقل الحساب على دفاتره بين حسابات البنوك ، ويتم كل ذلك فى البنك المركزى فيما يعرف بغرفة المقاصة.
ويكون لغرفة المقاصة مدير من مسؤوليته التوقيع على كشف التسوية المالية لغرفة المقاصة بعد مطابقته واقراره من قبل مندوب البنك وتنفيذ المقاصة بين البنوك ، حيث يتم فيها تسوية الشيكات التى تصل قيمتها الى ملايين الملايين من النقود يومياً دون الحاجة الى انتقال الاموال انتقالاً فعليا من بنك لاخر.
وتسوى فى غرفة المقاصة قيمة الشيكات المسحوبة على أى بنك من البنوك مع قيمة الشيكات المسلمة له للتحصيل من سائر البنوك بحيث لايدفع فى النهاية الا الرصيد المتخلف بعد المقاصة لصالح البنوك فيما بينها وكل هذا يتم عن طريق الحسابات التى تحتفظ بها البنوك لدى البنك المركزي .
٥ - إذا كانت العملة الأخرى المطلوب المصارفة بها ليست لدى البنك أو المصرف، فلا إشكال في عدم جواز تلك العملية ، لأنها ليست يداً بيد ، ولا في معناه . والقيد المصرفي لا يقوم مقام القبض والحالة تلك .
وهذا ما اختاره شيخنا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى ، وهو أن القيد المصرفي لا ينزّل منزلة التقابض يداً بيد .
والله تعالى أعلم وأحكم .
كتبه / أبو نجم / محمد بن سعد العصيمي/ كلية الشريعة / جامعة أم القرى / مكة المكرمة .
ماهذا الإعلان؟
ردحذفيرجى الإستئذان قبل وضع الإعلان
ردحذف